حمل إعلان "مصرف
سوريا المركزي" أن دمشق لن تلجأ للاستدانة من صندوق النقد والبنك الدولي، جملة من التساؤلات عن البدائل المتاحة أمام الحكومة لبناء اقتصاد رغم الأوضاع الصعبة وتعطل الإنتاج وحاجة البلاد للإعمار جراء حرب مدمرة استمرت أكثر من عقد.
جاء ذلك، على لسان حاكم المصرف عبد القادر حصرية، الذي استبعد أن تلجأ بلاده للاستدانة الخارجية، مشيراً إلى أوامر صادرة عن الرئيس السوري أحمد الشرع بذلك.
وأضاف أن سوريا بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، مبيناً: "تسعى إلى بناء اقتصاد صحي قائم على الإنتاج والصادرات، دون الاعتماد على فوائد مرتفعة أو مغريات استثمارية محفوفة بالمخاطر".
تجارب سلبية
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، أنه يمكن فهم أن رغبة سوريا بالابتعاد عن الاقتراض الخارجي جاءت على ضوء التجارب السلبية التي مرت الدول التي اعتمدت على هذه القروض، فهي دفعت ثمنا باهظا لشروطها المجحفة.
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن المؤسسات النقدية الدولية كثيرا ما تربط قروضها بحزمة من السياسات التي تعرف بـ"برامج الإصلاح الاقتصادي"، والتي قد تؤدي إلى تقليص الدعم الاجتماعي، وتحرير الأسعار، ورفع الضرائب، وخصخصة القطاع العام، مما يخلق حالة من الاحتقان الاجتماعي والركود الاقتصادي، خاصة في الدول الضعيفة اقتصاديا.
وبحسب السيد عمر يمكن الاستشهاد في هذا السياق بتجربتي الأرجنتين واليونان، موضحاً أن الدولتين دخلتا في أزمات خانقة بسبب الاعتماد المفرط على قروض صندوق النقد الدولي، وتجلى ذلك من خلال تدهور العملة المحلية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتعمق التبعية الاقتصادية.
ما البدائل؟
وعن البدائل، قال: "في الحالة السورية، يتطلب الحديث عن البدائل المالية فهما دقيقا لطبيعة التحديات والتمييز بين النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية، فالنفقات الجارية، مثل رواتب الموظفين والدعم الحكومي والخدمات الأساسية، يمكن تغطيتها عبر مصادر تمويل ذاتية، شريطة تحسين الإدارة المالية وتحصيل الإيرادات، وتشمل هذه المصادر عائدات قطاع السياحة، الذي يمكن أن يستعيد عافيته تدريجيا في حال استمرار استقرار الأوضاع الأمنية، إضافة إلى رسوم الترانزيت من خلال الأراضي السورية التي تربط بين آسيا وأوروبا، وعائدات النفط والغاز، والتي يمكن أن تُشكّل موردا مهما بمجرد استعادة الدولة السيطرة الفعلية على كامل الحقول والمنشآت".
وأضاف السيد عمر، "أما على مستوى النفقات الاستثمارية، وتحديدا ملف إعادة الإعمار، فإن التحدي أكبر بكثير، إذ تقدر تكلفة هذه العملية بأكثر من 300 مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرات الاقتصاد السوري الذاتية، لذلك فإن البدائل الواقعية تتمثل في جذب المنح من الدول الصديقة، خصوصا تلك التي تربطها علاقات استراتيجية بسوريا".
بجانب ذلك، الخبير الاقتصادي إلى تفعيل دور صناديق إعادة الإعمار الدولية التي يمكن التفاوض بشأنها بعيدا عن الشروط السياسية أو الهيمنة الغربية، داعيا الحكومة إلى العمل على توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة، تشجع رؤوس الأموال الأجنبية والعربية على الدخول في مشاريع البنية التحتية والإسكان والطاقة والزراعة، ضمن شراكات تُحقّق المنفعة للطرفين، دون المساس بالسيادة الاقتصادية أو تحميل الدولة أعباء مالية طويلة الأمد.
ويتطلب نجاح ذلك، بحسب السيد عمر رؤية اقتصادية متكاملة، ترتكز على تنويع مصادر الدخل، وتفعيل الأصول المعطّلة، واستقطاب التمويل الذكي، بعيداً عن القروض التي قد تحوِل البلاد إلى رهينة بيد المؤسسات الدائنة الدولية.
مشاريع مشتركة
في السياق ذاته، أشار الخبير الاقتصادي رضوان الدبس إلى جملة بدائل عن الاستدانة الخارجية، رغم أن الأخيرة هي أسرع الحلول في الحالة في السورية.
وأضاف لـ"عربي21": "أنه في الغالب ستلجأ سوريا إلى التعاون الإقليمي، من قطر والسعودية والإمارات وغيرها من الدول الإقليمية، من خلال منح الدول هذه تسهيلات استثمارية، أو تنفيذ مشاريع مشتركة".
ولفت الدبس إلى المساعدات القطرية والسعودية التي تدفقت لسوريا بعد سقوط النظام، وقال: "لكن المساعدات لا تساعد على إطلاق الإعمار، وهذا يعني أن الحكومة السورية ستصدر تشريعات استثمارية، مثل تجهيز مناطق صناعية والإعلان عن حزمة حوافز، وهذا يضمن دخول رؤوس أموال تساعد على إعمار سوريا".
وتابع بالإشارة إلى مداخيل الدولة من الضرائب والرسوم، وقال يمكن للدولة السورية أن تتعاون مع المنظمات الدولية لتقديم منح ومساعدات عينية وخبرات".
من جهة ثانية، أشار الدبس إلى الشراكة مع القطاع الخاص، مشيراً إلى أن "جذب أصحاب الأموال للاستثمار في سوريا من شأنه تحريك الاقتصاد".
تجنب الضغط الخارجي
بدوره، أكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن إعلان "مصرف سوريا المركزي"، يأتي في إطار تجنب الضغط الخارجي، الناجم عن شروط المؤسسات الدولية.
وأوضح لـ"عربي21"، أن "التفاوض مع صندوق الدولي يتطلب مدة طويلة، وهناك حزمة من الشروط، وبالتالي يريد المصرف التهرب من الإملاءات".
وبحسب الكريم، فإن الابتعاد عن خيار الاستدانة من المؤسسات الدولية ليس خيارا سليماً بشكل دائم، وخاصة في الحالة السورية، حيث تُعطي القروض للحكومة هامشاً سريعاً للتحرك في الشق الاقتصادي.
يذكر أن الرئيس السوري أحمد الشرع، أصدر مرسوما الأربعاء يقضي بإحداث "صندوق التنمية"، ويهدف للمساهمة بإعادة الإعمار، وترميم وتطوير البنية التحتية، وتمويل المشاريع المتعددة دون فوائد.