شهدت
مدينة إسطنبول التركية يوم أمس انطلاق أعمال الحملة الدولية لمناصر
السودان؛ التي أسسها
نشطاء إعلاميون وسياسيون وحقوقيون عرب من المقيمين في تركيا أو خارجها. تزامن
انطلاق الحملة مع زيارة الرئيس السوداني الفريق الرهان إلى تركيا، ولقائه مع
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتوقيعهما عدة اتفاقيات ثنائية. لم يكن هذا التزامن
مخططا، إذ أن الترتيبات لإطلاق الحملة الشعبية سبقت الزيارة ولم يكن لدى القائمين
عليها علم بتلك الزيارة، لكن التزامن المفاجئ بين الحدثين جاء تأكيدا للزخم الذي
تشهده تركيا حاليا دعما ومناصرة للسودان، بل جاء انطلاق الحملة كجزء من زخم دولي
داعم للسودان، على الصعيدين الرسمي والشعبي.
على
الصعيد الرسمي، مثلت زيارة البرهان إلى أنقرة يوم الخميس خطوة مهمة ضمن سلسلة من
التحركات والزيارات الخارجية بهدف بناء جبهة
دعم دولية حقيقية للسودان في مواجهة
حلف التآمر الذي تقوده
الإمارات وتشارك فيه إثيوبيا ودول أفريقية أخرى، وحتى
الكيان الصهيوني. وقد سبق للبرهان أن زار كلا من السعودية ومصر خلال الأيام
الماضية، وحصل منهما على موقف داعم قوي، حيث أعلنت مصر خطوطا حمراء أهمها وحدة
التراب الوطني، وعدم السماح بتقسيم السودان، وهو ما كررته السعودية، كما كررته
تركيا على لسان الرئيس أردوغان الذي أكد أيضا أن بلاده لن تتخلى عن الشعب
السوداني، وأن المساعدات ستتزايد.
الفظائع التي ارتكبتها مليشيات الدعم السريع في السودان تحت رعاية الإمارات أوجعت الضمير العالمي؛ مشاهد القتلى والمشردين والنازحين، وصور النهب والسرقة والاغتصاب، في الأماكن التي وقعت تحت سيطرة المليشيات، وآخرها الفاشر وبعض مناطق كردفان، هي جرائم ضد الإنسانية
في
الإطار الدولي أيضا قدم السودان رسميا وعبر رئيس حكومته كامل إدريس؛ مبادرة لوقف
الحرب إلى مجلس الأمن الدولي مساء الإثنين الماضي، وأعلن ممثلو العديد من الدول
دعمهم للسودان في مواجهة ما يتعرض له، كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو
غوتيرش أن المنظمة الأممية أحيطت علما بمبادرة السلام السودانية، وأن مبعوثه الخاص
الدبلوماسي الجزائري رمضان العمامرة على أتم الاستعداد لمواصلة المشاورات بشأن
التوصل إلى حل شامل ومستدام في السودان.
على
المستوى الشعبي، بدأت الشعوب العربية والإسلامية وكل الشعوب الحرة تدرك حجم
المؤامرة التي يتعرض لها السودان، والتي هي جزء من مؤامرة أكبر على الأمة العربية
والإسلامية كلها، لصالح المشروع الصهيوني (بشقيه العبري والعربي)، وبدأت قضية
السودان تأخذ مكانها اللائق من الاهتمام إلى جانب القضية الفلسطينية، وأصبحت بعض التظاهرات
تدمج بين القضيتين باعتبار أن العدو واحد، والمؤامرة واحدة.
في
هذا السياق الشعبي جاء تأسيس الحملة الشعبية الدولية لمناصرة السودان للتأكيد
للأشقاء في السودان أنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة، وأن خلفهم شعوبا عربية
وإسلامية وشعوب حرة في كل مكان، ترفض المؤامرة التي يتعرضون لها، حتى وإن كانت
أدواتها
مليشيات مسلحة سودانية. لا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على هذه المليشيات
السودانية التي حملت من قبل مسمى الدعم السريع، ولكن جرى ضم الآلاف لها من عرب
الشتات وحتى مرتزقة كولومبيين، حتى بلغ تعدادها 120 ألفا بما يوازي عدد الجيش
السوداني نفسه.
كان
تأسيس تلك القوات من خطايا نظام البشير، والذي استعان بها في البداية لحسم المعركة
في إقليم دارفور ضد قوى وقبائل أفريقية أخرى تمردت على الدولة، وأصدر مرسوما
رئاسيا ألحقها بموجبه بجهاز الأمن والمخابرات، ما يعني أنه أضفى عليها الشرعية،
وحاول لاحقا ضمها إلى القوات المسلحة لكنها لفظتها مبكرا، فتم اعتبارها قوة نظامية
منفصلة تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة، وأصدر لها في العام 2017 قانونا خاصا
اعتبرها قوة أمن مستقلة تتقيد بمبادئ القوات المسلحة، وفي أيامه الأخيرة تم تعديل
قانونها، وحذفت منه مادة تلغي خضوعها لأحكام القوات المسلحة، ما جعلها قوات مستقلة
عن الجيش لها أحكامها الخاصة!
نجحت
الإمارات مبكرا في استقطاب حميدتي وقادة الدعم السريع، وأغدقت عليهم العطايا،
وأصبحوا أدواتها الجاهزة لتنفيذ مؤامرتها في السودان، وساعدتهم بتجنيد الآلاف من
عرب الشتات في بعض الدول الأفريقية مثل النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، وحتى
السنغال غربا، والذين توهموا أن الفرصة قد لاحت لتأسيس دولة خاصة لهم على غرار
تأسيس الكيان الصهيوني، والغريب أن هؤلاء المنتسبين لما يسمى عرب الشتات يقاتلون
عربا مثلهم في السودان.
ليس بيد الشعوب والحملات الشعبية أسلحة أو ذخائر تقدمها، لكن بيدها أن تقدم دعما إعلاميا عبر مواجهة الأكاذيب والأباطيل التي ينشرها إعلام المؤامرة، وبيدها المساهمة في ملاحقة مجرمي المليشيات دوليا، وفي يدها التظاهر ضد قوى التآمر، وإعلان المناصرة للشعب السوداني، وبوسعها أيضا المساهمة في تقديم المساعدات الإنسانية بقدر استطاعتها
تآمُر
حكام الإمارات (المتصهينين) لم يقتصر على السودان، ولن يتوقف عند حدوده إذا لم تجد
مقاومة قوية، فجريمتهم واضحة بحق القضية الفلسطينية عبر مشروع التطبيع الإبراهيمي،
وعبر دعمهم لجرائم الكيان الصهيوني، وفي ليبيا عبر دعمهم لتمرد حفتر، وفي اليمن
عبر دعم الانفصال الجنوبي، وفي دول الربيع العربي خاصة مصر وتونس بدعم الانقلاب
على الديمقراطية، وجريمتهم قائمة في الصومال بدعم انفصال أرض الصومال، والمؤكد أنهم
يقفون حاليا خلف العديد من التحركات الانفصالية الكردية والدرزية والعلوية في
سوريا حتى وإن أظهروا وجها مخالفا.
الفظائع
التي ارتكبتها مليشيات الدعم السريع في السودان تحت رعاية الإمارات أوجعت الضمير
العالمي؛ مشاهد القتلى والمشردين والنازحين، وصور النهب والسرقة والاغتصاب، في
الأماكن التي وقعت تحت سيطرة المليشيات، وآخرها الفاشر وبعض مناطق كردفان، هي
جرائم ضد الإنسانية، وقد أسهمت في استنفار الرأي العام الدولي ضد تلك المليشيات،
كما أنها حركت الشعب السوداني للدفاع عن نفسه من خلال كتائب المستنفرين التي
التحقت بالجيش. لم يعد السودانيون يقبلون أي عودة أو مشاركة لتلك المليشيات في
الحكم تحت أي تسوية، هناك ثأر في كل بيت باستثناء بعض المنحازين لتلك المليشيات
والذين توهموا أنها يمكن أن توصلهم إلى الحكم بعيدا عن أي إرادة شعبية، وهو وهْم
يعبر عن طفولة سياسية، فحتى لو افترضنا جدلا قدرة المليشيات على حسم الموقف
لصالحها، فهل يتصور أي عاقل أنها ستترك الحكم لغيرها وتعود لثكناتها؟!
كان
من الطبيعي إزاء هذه الفظاعات أن يتحرك أيضا نشطاء عرب وعجم ليكونوا إلى جانب
أشقائهم السودانيين في معركتهم؛ ليس بيد الشعوب والحملات الشعبية أسلحة أو ذخائر
تقدمها، لكن بيدها أن تقدم دعما إعلاميا عبر مواجهة الأكاذيب والأباطيل التي
ينشرها إعلام المؤامرة، وبيدها المساهمة في ملاحقة مجرمي المليشيات دوليا، وفي
يدها التظاهر ضد قوى التآمر، وإعلان المناصرة للشعب السوداني، وبوسعها أيضا
المساهمة في تقديم المساعدات الإنسانية بقدر استطاعتها. من هنا رسمت الحملة
الشعبية لمناصرة السودان لنفسها مسارات عمل إعلامية وحقوقية وقانونية وشعبية
وإغاثية، ويأمل مؤسسو الحملة أن تنتشر فروعها في العديد من العواصم الكبرى، حتى
توفر مظلة لكل راغب في مناصرة الشعب السوداني ولو بشق كلمة.
x.com/kotbelaraby