لا تزال المعاناة الإنسانية تتفاقم في
السودان جراء حرب بين الجيش وقوات "
الدعم السريع" اندلعت منذ نيسان/ أبريل 2023 ما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص، وسط انتهاكات واسعة لا سيما من جانب القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"
حميدتي" على رأسها الاغتصاب، بحسب ما وثقته تقارير حقوقية، وأممية، ومحلية.
وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من أن السودان يواجه خطرا وشيكا لموجة أخرى من الفظائع، وسط تصاعد القتال العنيف في أنحاء إقليم كردفان.
وقالت منظمة "
مرصد الإبادة الجماعية" إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبت العديد من الجرائم الدولية، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والاختطاف، والاعتقال والاحتجاز التعسفي، والتعذيب وسوء المعاملة، والنهب، والسلب، والاعتداءات ذات الدوافع العرقية والجنسانية على المدنيين، وتجنيد الأطفال في الأعمال العدائية. ويُعد العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي من أخطر الجرائم.
ونظرًا لطبيعة العنف الموجهة والتوترات المستمرة منذ 2003، ترى منظمة "مرصد الإبادة الجماعية" أن الحرب في السودان قد تصاعدت إلى المرحلة التاسعة من مراحل الإبادة الجماعية العشر.
قتل واغتصاب
وفي 3 كانون الأول/ ديسمبر طالبت منظمة العفو الدولية "أمنستي" بالتحقيق في هجوم لقوات الدعم السريع على مخيم زمزم باعتباره من جرائم الحرب.
وقالت المنظمة في
تقرير لها إن قوات الدعم السريع أقدمت على القتل المُتعمَّد للمدنيين، واحتجاز الرهائن، ونهب وتدمير مساجد ومدارس وعيادات طبية خلال هجوم واسع النطاق شنَّته في أبريل/نيسان على مخيم زمزم، أكبر مخيم للنازحين داخليًا في ولاية شمال
دارفور.
وأضافت المنظمة قائلةً إنه ينبغي التحقيق في هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب مشمولة بالقانون الدولي.
ويوثِّق التقرير، الصادر بعنوان “ملاذ مُدمَّر: انتهاكات قوات الدعم السريع في مخيم زمزم للنازحين داخليًا في دارفور”، كيف شنَّت قوات الدعم السريع هجومًا على المخيم، في الفترة من 11 إلى 13 أبريل/نيسان 2025، مستخدمةً أسلحةً مُتفجِّرة، وراح أفرادها يُطلقون النار بشكل عشوائي من أسلحتهم النارية في مناطق سكنية مأهولة.
وتسبَّب الهجوم الوحشي في فرار 400,000 شخص تقريبًا من المخيم يومي 13 و14 أبريل/نيسان وحدهما. وجاء هذا الهجوم في سياق الحملة العسكرية التي بدأتها قوات الدعم السريع في مايو/أيار 2024، من أجل الاستيلاء على مدينة
الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
اظهار أخبار متعلقة
وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وأعدمت عشرات الرجال العُزّل، واغتصبت عشرات من النساء والفتيات خلال استيلائها على المدينة.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “يكشف الهجوم المروِّع والمُتعمَّد لقوات الدعم السريع على المدنيين البائسين والجوعى في مخيم زمزم مُجددًا استخفافها على نحوٍ مخيف بأرواح البشر".
الشهر الجاري، قالت صحيفة
الغارديان البريطانية، إن صور الأقمار الصناعية تُظهر مجازر قوات الدعم السريع التي حوّلت مدينة الفاشر السودانية إلى "مسلخ".
وتابع التقرير إن مدينة الفاشر تبدو وكأنها "مسرح جريمة ضخم"، حيث تتراكم أكوام كبيرة من الجثث في شوارعها، بينما تعمل قوات الدعم السريع شبه العسكرية على إخفاء الأدلة التي تُشير إلى حجم المجزرة.
وقالت سارة تشامبيون، رئيسة لجنة التنمية الدولية في البرلمان البريطاني: "تلقى الأعضاء إحاطة خاصة حول السودان، صرّح خلالها أحد الأكاديميين: 'تقديراتنا الدنيا تشير إلى مقتل 60 ألف شخص هناك خلال الأسابيع الثلاثة الماضية'".
قال ناثانيال ريموند، مدير مختبر ييل للأبحاث الإنسانية، الذي يُجري تحليلاً دقيقاً لصور الأقمار الصناعية لمدينة الفاشر، إن المدينة تبدو خالية بشكلٍ مُرعب، حيث أصبحت أسواقها التي كانت تعجّ بالحياة مهجورة.
وتشير أحدث تحليلات جامعة ييل إلى أن الأسواق أصبحت مهجورة لدرجة أنها باتت مغطاة بالنباتات.
وقال ريموند: "بدأت المدينة تُشبه المسلخ".
ولم يتمكن أي خبير أو جهة من تفسير مصير عشرات الآلاف من السكان المفقودين منذ سقوط الفاشر.
من جانبها، كشفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن مقتل أكثر من ألف مدني سوداني خلال هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، قرب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، غربي السودان، خلال شهر نيسان/أبريل الماضي.
وقالت المفوضية، في تقرير مفصل، إن الهجوم الذي نفذته قوات الدعم السريع بين 11 و13 نيسان/أبريل الماضي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنيا، وسط توثيق واسع لانتهاكات جسيمة شملت مجازر جماعية، وعمليات اغتصاب وعنف جنسي، وتعذيب، وخطف، وإعدامات ميدانية خارج نطاق القانون.
وأوضح مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنه وثق إعدام 319 شخصا بإجراءات موجزة، في إشارة إلى عمليات قتل ميدانية نفذتها قوات الدعم السريع بحق مدنيين دون أي مسار قانوني.
وأضاف المكتب أنه، خلال الفترة الممتدة من 11 نيسان/أبريل إلى 20 أيار/مايو 2025، تم توثيق 66 حادثة عنف جنسي مرتبط بالنزاع، من بينها حالات اغتصاب جماعي، طالت ما لا يقل عن 104 ضحايا، هم 75 امرأة و26 فتاة و3 فتيان.
وأشار التقرير إلى أن المفوضية وثقت كذلك هجمات ضد المدنيين والأعيان المدنية، إضافة إلى هجمات عشوائية نفذت خلال اقتحام المخيم.
الشهر الجاري أيضا، أفادت شبكة أطباء السودان، بأن قوات "الدعم السريع" تحتجز أكثر من 19 ألف شخص في سجون ومعتقلات بولاية جنوب دارفور، في ظل أوضاع "بالغة السوء" أدت إلى تسجيل وفيات متكررة، بينما تصاعد التوتر في غرب كردفان بعد مقتل سبعة من قيادات الإدارة الأهلية وعشرات من عناصر "الدعم السريع" جراء هجوم بطائرة مسيّرة قرب حقل هجليج النفطي.
وقالت الشبكة في بيان إنها حصلت على معلومات من داخل مدينة نيالا تفيد بتنفيذ "حملات اعتقال واسعة" طالت أفرادا من القوات النظامية ومهنيين مدنيين ونشطاء سياسيين، مؤكدة أن عمليات الاحتجاز تجري في "بيئة تفتقر للشروط الإنسانية والقانونية" مع حرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب مصادر محلية نقلت عنها الشبكة، فإن عدد المحتجزين يتجاوز 19 ألفا يتوزعون بين سجني دقريس وكوبر، إضافة إلى عدد من معتقلات "الدعم السريع" في ولايات دارفور.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، كشفت "أمنستي" أن قوات الدعم السريع مارست عنفا جنسيا واسعًا ضد النساء والفتيات طوال الحرب، بهدف إذلالهن، وفرض السيطرة، وتشريد المجتمعات في جميع أنحاء البلاد.
ووثق التقرير المعنون، “لقد اغتصبونا جميعًا: العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في السودان“، تعَرُّض 36 امرأة وفتاة لا يتجاوز عمرهن 15 عامًا، للاغتصاب أو الاغتصاب الجماعي على أيدي جنود قوات الدعم السريع، إلى جانب أشكال أخرى من العنف الجنسي، في أربع ولايات سودانية بين أبريل/نيسان 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2024. وتشمل الانتهاكات اغتصاب إحدى الأمهات بعد انتزاع طفلها الرضيع منها، واستعبادًا جنسيًا لمدة 30 يومًا لامرأة في الخرطوم، بالإضافة إلى الضرب المبرّح والتعذيب باستخدام سائل ساخن أو شفرات حادة، والقتل.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال ناجون فرّوا من مدينة الفاشر، في ولاية شمال دارفور بالسودان، لمنظمة العفو الدولية إنَّ مقاتلي قوات الدعم السريع أعدموا عشرات الرجال العزّل، واغتصبوا عشرات النساء والفتيات خلال استيلائهم على المدينة.
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 28 ناجيًا وناجية تمكنوا من الوصول إلى بر الأمان في بلدتي طويلة، الواقعة إلى الغرب من مدينة الفاشر، والطينة، على الحدود مع تشاد، وذلك بعد فرارهم إثر قيام قوات الدعم السريع بمحاصرة المدينة واقتحامها في 26 أكتوبر/تشرين الأول. أجريت ثلاث من المقابلات شخصيًا في تشاد، بينما أُجريت المقابلات الأخرى عن بُعد عبر الهاتف.
وقالت أنياس كالامار تعليقا على الشهادات إنه: "يتعين على العالم ألا يغض الطرف بينما تتكشف المزيد من التفاصيل حول الهجوم الوحشي الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر. روى لنا الناجون الذين قابلناهم أهوالًا لا تُصدّق عاشوها أثناء فرارهم من المدينة".
ودعت المنظمة الجهات الإقليمية والدولية – بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين – إلى ممارسة ضغط دبلوماسي عاجل على قيادة قوات الدعم السريع من أجل وقف هجماتها ضد المدنيين، بما في ذلك أعمال العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
في الشهر ذاته، طالبت المنظمة جميع الدول بالتوقف عن تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة وحماية المدنيين في منطقة كردفان السودانية وسط تقارير عن تصاعد هجمات قوات الدعم السريع في المنطقة.
و قُتل ما لا يقل عن 40 شخصًا في هجوم بطائرة مسيّرة خارج مدينة الأبيض خلال مشاركتهم في جنازة.
استعباد جنسي
نهاية العام الماضي، قالت "
هيومن رايتس ووتش" إن مقاتلين من "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها اغتصبوا عشرات النساء والفتيات في حالات شملت الاستعباد الجنسي، في ولاية جنوب كردفان السودانية منذ سبتمبر/أيلول 2023.
وقالت بلقيس والي، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "وصفت الضحايا تعرضهن للاغتصاب الجماعي أمام عائلاتهن أو لفترات طويلة، في حالات شملت احتجازهن للاستعباد الجنسي من قِبل مقاتلي قوات الدعم السريع.".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أجرت المنظمة مقابلات مع 93 شخصا حضوريا وعن بُعد، 70 منهم كانوا في مخيمات غير رسمية للنازحين في منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان.
وقدم الضحايا وشهود آخرون معلومات عن 79 فتاة وامرأة، تتراوح أعمارهن بين 7 و50 عاما، أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب. كانت معظم الحوادث الموثقة اغتصابات جماعية وقعت منذ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في بلدة حبيلة وحولها، وفي قاعدة لقوات الدعم السريع، وشملت أيضا ضحايا من بلدة فايو، على بعد حوالي 17 كيلومتر جنوب حبيلة، في جنوب كردفان.
وقال الضحايا والشهود إن المهاجمين كانوا جميعا أعضاء في قوات الدعم السريع يرتدون الزي الرسمي، أو أعضاء في ميليشيات حليفة، وقالت بعض الضحايا إنهن يعرفن بعض الرجال بالاسم من مجتمعهن.
في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، اغتصب مقاتلو قوات الدعم السريع 14 امرأة وفتاة في منازلهن أو منازل جيرانهن، غالبا أمام أفراد الأسرة. في خمس حالات، اغتصب المهاجمون النساء والفتيات بعد قتل أفراد الأسرة أو تهديدهم.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تقرير آخر وثّقت هيومن رايتس ووتش عمليات قتل واختطاف وإصابات واسعة النطاق بين المدنيين، بالإضافة إلى أعمال نهب وحرق واسعة، في حبيلة وفايو وحولهما.
وتتوافق هذه النتائج مع تقرير صدر مؤخرا عن "البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان" التابعة للأمم المتحدة، والذي خلص إلى أن قوات الدعم السريع ترتكب العنف الجنسي على نطاق واسع، بما يشمل حالات عديدة من الاستعباد الجنسي.
ونقلت المنظمة عن إحدى الضحايا قولها إن قوات الدعم السريع هاجمت فايو في إحدى ليالي فبراير/شباط 2024، وانطلق المقاتلون بسيارتهم مع "هانية" (اسم مستعار) وجارتها و16 فتاة أخرى تعرفهن، تتراوح أعمارهن بين 11 عاما وما فوق، في حوالي 10 مركبات.
قاد المقاتلون سياراتهم إلى معسكر كبير لقوات الدعم السريع في الدبيبات، على بعد حوالي 85 كيلومتر شمال فايو. قدّرت هانية أن عدد المقاتلين هناك كان 100 أو أكثر، وكانوا يحتجزون أصلا 33 امرأة وفتاة أخريات أعمارهن بين 13 و28. على مدى الأشهر الثلاثة التالية، حسبما قالت، كان المقاتلون "يأتون في مجموعات من ثلاثة كل صباح لأخذ بعض الفتيات لاغتصابهن وإعادتهن. ثم في المساء، كانت مجموعة أخرى من ثلاثة تأتي، وتأخذ فتيات أخريات، وتغتصبهن".