منذ الإعلان عن صفقة "رأس الحكمة"، بين
مصر والقابضة "إيه دي كيو"
الإماراتية، 23 شباط/ فبراير 2024، مقابل 35 مليار دولار، تتابعت الاستحواذات الخليجية على أجمل شواطئ الساحل الشمالي الغربي لمصر، وسط تعاظم مخاوف مصريين على أمن بلادهم القومي وثرواتها وأراضيها الاستراتيجية.
وفي الوقت الذي يؤكد مصريون يرتادون الساحل الشمالي، أن المسافة بين "بورتو مارينا" عند الكيلو (105-110) وحتى "خليج الغرام" بمرسى مطروح البالغة تقريبا بين 250 إلى 300 كم، تشهد تحولا غير مسبوق، فإن مصدرا حكوميا أكد لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية وجود خطط حكومية تعيد رسم ملامح الساحل الشمالي.
وأكد المصدر أن "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة" (حكومية)، تضع اللمسات النهائية للمخطط العام لشريط ساحلي بطول 400 كيلومتر، يمتد من مارينا وصولا إلى الحدود الليبية التي تبعد عن مرسى مطروح بنحو 222 كيلومتر.
وأشار إلى أن هناك فِرق من المساحة تعمل بالفعل على الأرض حاليا في مناطق مثل "عجيبة" و"مرسى مطروح"، والمناطق القريبة من الحدود الليبية، فيما توقع مصدر "إنتربرايز"، الإعلان عن استثمارات جديدة وشراكات ضخمة بين الدولة والقطاع الخاص خلال العام المقبل.
وبين "بورتو مارينا"، وخليج الغرام، قرى الساحل الشمالي الجديد، ومراسي، واسيندا باي، وسي شيل، وماونتن فيو، وSalt وLyv Caesar برأس الحكمة، ومنطقتي فوكة، والنجيلة، ومرسى مطروح، وعلم الروم، وغيرها.
إخلاء غامض لـ"خليج الغرام"
أحدث الأنباء في هذا الإطار، أكدها بعض أهالي مطروح (الساحل الشمالي)، بقولهم إن القوات المسلحة المصرية بدأت بتوجيه مباشر من رئاسة الجمهورية في إخلاء 7 قرى كاملة في (شاطئ الغرام) الشهير الذي يحمل اسم فيلم من علامات السينما العربية عام 1950، وله ميزات جمالية وسياحية هائلة، لصالح استحواذ خليجي جديد.
في السياق، أعلن نادي "الزمالك" للألعاب الرياضية، تلقيه خطابا من "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة" (حكومية)، 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بوقف أي مشروعات له بـ"شاطئ الغرام"، في خطاب وصل 36 جهة: بين نادي رياضي وهيئة حكومية تتخذ الشاطئ مقرا صيفيا منذ عقود حيث الشواطئ الرملية البيضاء والمياه الفيروزية.
منها: نوادي رياضية مثل "الإسكندرية"، و"سموحة"، وشركات وطنية كـ"المقاولون العرب" و"حسن علام"، وجامعات حكومية مثل "جامعة عين شمس"، وهيئات قضائية كـ"النيابة الإدارية"، وأخرى تابعة للجيش مثل "مصيف العاملين المدنيين بوزارة الدفاع".
تطالب الخطابات المتداولة عبر صفحة "مطروح اليوم"، والتي ترفع عدد الجهات المُطالبة بالإخلاء إلى 63 جهة، بوقف أي تعاملات أو أعمال إنشاء داخل منطقة "خليج الغرام"، وذلك ضمن خطة الدولة لتنفيذ مشروع قومي على 5540 فدانا يستهدف تطوير الشواطئ ومسطح المياه بالمنطقة التي تبعد 17 كيلومترا فقط من مرسى مطروح.
تضمنت القرارات الصادرة: "تعليق جميع التراخيص السابقة الصادرة للبناء، أو إقامة منشآت أو مصايف خاضعة لولاية الهيئة، بالإضافة إلى عدم قبول أي مقابل لحق الانتفاع بشاطئ الغرام عن عام 2026، حتى إشعار آخر".
اظهار أخبار متعلقة
الأهالي: خديعة حكومية
في السياق، أكد مواطنون أن محافظة مرسى مطروح طلبت من أصحاب الشقق والعقارات إخلاء المنازل مقابل الحصول على تعويض يتراوح بين 75 و95 جنيها للمتر، بما يعادل بين 300 و400 ألف جنيه للفدان تعويضا عن الأرض والمباني المقامة عليها.
وهو السعر نفسه الذي حددته الحكومة المصرية لتعويض أهالي منطقة "علم الروم" التي أبرمت شركة "الديار القطرية" عقد استثمارها 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بقيمة 29.7 مليار دولار، وهذه التي تبعد نحو 12 كيلومترا عن "خليج الغرام".
بعض أهالي المنطقة انتقدوا القرار، مؤكدين أن "هدف الحكومة من إخلائهم مساكنهم وقراهم ومحلاتهم هو تفريغ المنطقة لمستثمر غير معلوم الهوية"، فيما وصفوا الأمر بـ"البيع للوطن" و"الاحتلال من المستثمرين الخليجيين والأجانب".
واشتكوا من خديعة حكومية رغم "اتخاذ كل الإجراءات القانونية لتملك الأرض بعقود خضراء من المحافظة وحصلوا على تصاريح بناء رسمية من المحافظة ومجلس المدينة، قاموا بأعمال حفر وبناء تكلفت آلاف الجنيهات"، متسائلين: "أين نذهب ومن يتحمل المسؤولية والخسائر المالية والضرر النفسي؟".
تزامن تصريح "إنتربرايز"، حول خطط حكومية في 400 كيلومتر بالساحل الشمالي مع إعلان أهالي مرسى مطروح عن إخلاء "خليج الغرام" تدفع لطرح السؤال: "ماذا وراء التحولات الكبرى في الساحل الشمالي الغربي لمصر؟".
تفريغ واستبدال وإعادة تخطيط
وفي قراءته، قال الباحث المصري مصطفى خضري: "ما يحدث بمطروح منذ فترة يتجاوز فكرة التطوير العقاري ليلمس عمق التحولات الجيوسياسية بالمنطقة، فلا يمكن فصل الجغرافيا عن السياسة بمنطقة حساسة كالساحل الشمالي الغربي لمصر"، مبينا لـ"عربي21"، أن "الارتباط بليبيا حاضر وقوي، ويمكن تحليله من 5 زوايا استراتيجية، تُتوج برؤية مستقبلية للمنطقة".
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، لفت أولا إلى: "المنظور الأمني والسيطرة الديموغرافية"، موضحا أن "تفريغ مناطق شاسعة (بين رأس الحكمة وشاطئ الغرام) وإعادة تخطيطها بتمويل حليف خليجي يهدف أمنيا لاستبدال التجمعات السكانية المحلية والقبلية بمشاريع استثمارية مدن مغلقة".
ويرى أن "هذا التحول يكسر الرابطة القبلية التاريخية التي كانت تسيطر على الحدود، ويستبدلها بنظام يسهل مراقبته رقميا وأمنيا، مما يقلل من فرص التهريب أو التسلل غير المسيطر عليه عبر الطريق المؤدي لليبيا".
الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أشار ثانيا إلى "الربط مع شرق
ليبيا حيث (مشروع خليفة حفتر)"، ملمحا إلى أن "هذه الاستثمارات تتقاطع مع العلاقة الوثيقة التي تربط القاهرة وأبوظبي بحفتر من اتجاهين".
الأول، وفق خضري: "تكامل (اقتصادي-سياسي)، بتحويل الساحل الشمالي المصري وشرق ليبيا برقة إلى منطقة نفوذ واحدة، حيث تمهد الاستثمارات في مصر الطريق لمشاريع إعادة إعمار مستقبلية في شرق ليبيا تحت سيطرة التحالف ذاته".
والثاني، "المسار اللوجستي: من خلال تطوير مطار العلمين، وميناء جرجوب، ليس لخدمة السياحة فحسب، بل كقواعد إمداد لوجستي تدعم نفوذ (السيسي-بن زايد) في الملف الليبي وتثبت أقدامهم كخطة بديلة حال استمرار الانسداد السياسي هناك".
اظهار أخبار متعلقة
سيناريو المنطقة العازلة الدولية
وأشار ثالثا: إلى مخطط "بناء مدن عالمية ومستوطنات فاخرة بتمويل دولي يحول الحدود من صحراء قاحلة إلى أصول استثمارية"، مبينا أن "هذا يجعل أي اضطراب قادم من الجانب الليبي بمثابة اعتداء على استثمارات دولية، مما يستدعي حماية أو تدخلا دوليا آليا، وهو ما يغير قواعد اللعبة العسكرية ويحول الدولة المصرية من مالك ومخطط إلى حارس أمن لهذه المصالح".
ورابعا: تحدث خضري، عن "إعادة رسم الوظائف الجغرافية"، مؤكدا أنه "يجري حاليا تقسيم الأدوار إقليميا بحيث تصبح: ليبيا مصدرا للطاقة ومجالا للنفوذ الأمني، بينما يتحول الساحل الشمالي المصري لمركز مالي وسياحي وإداري لهذه المنطقة الإقليمية الجديدة".
ويعتقد خضري، أن "هذا الاستحواذ يضع مفاتيح المنطقة في يد لاعبين محددين، مما يضعف دور الدولة الوطنية التقليدي لصالح إدارة استثمارية عابرة للحدود".
وألمح إلى "دور المال السياسي والصفقات الكبرى"، كزاوية استراتيجية خامسة، موضحا أن "الاعتماد على التمويل الخليجي يجعل جغرافيا الساحل الشمالي جزءا من صفقة إقليمية كبرى؛ فالدول التي تستثمر في رأس الحكمة وشاطئ الغرام هي ذاتها المحركة للملف الليبي، مما يعني أن الأرض المصرية أصبحت ورقة مقايضة أو ضمانة ضمن ترتيبات سياسية أوسع تشمل مستقبل الحكم والثروة في ليبيا".
إقليم إداري شبه مستقل
وتوقع "في غضون السنوات الخمس القادمة، تحول الساحل الشمالي الغربي لإقليم إداري شبه مستقل اقتصاديا، يرتبط بشرق ليبيا أكثر من ارتباطه بالداخل المصري، وسنشهد نشوء منطقة ترانزيت كبرى للمال والسلاح والخدمات، حيث تذوب الحدود التقليدية أمام تدفق رؤوس الأموال".
وخلص للقول إن "الخطر الحقيقي يكمن في أن يتحول شاطئ الغرام، من رمز للذاكرة المصرية إلى مجرد نقطة ارتكاز في مشروع تدويل الحدود، حيث تسيطر الشركات الكبرى على الموارد، ويصبح المواطن المحلي مجرد عامل في مشاريع لا يملك حق دخولها، مما يمهد لواقع جيوسياسي جديد يفرض السيادة بالمال لا بالحدود الجغرافية".
تصفية السيادة المصرية
ويرى معارضون أن ملف بيع الأصول المصرية ومنه الأراضي الاستراتيجية أصبح جريمة أمن قومي تتعدى حدود ما يثار عن التطوير العقاري والاستثمار السياحي، خاصة مع ما يجري من تغيير بمعالم المنطقة لتناسب غير المصريين عبر محميات مغلقة للأثرياء العرب والأجانب، مع طرد الأهالي أصحاب الحق الأصلي ونزع ممتلكاتهم بحجة المنفعة العامة وبالمخالفة للقانون ودون تعويض مناسب.
وكتبت خبيرة التخطيط الاستراتيجي سالي صلاح، قائلة عبر صفحته بـ"فيسبوك": "مرسى مطروح تحت الإخلاء العسكري"، مشيرة إلى "تهجير مُلاك المنطقة رغم ما لديهم من عقود رسمية لصالح الهيدروجين الأوروبي"، محذرة من "تصفية السيادة المصرية من بوابة المشروع القومي".
وترى أن "ما يحدث بمرسى مطروح ليس حدثا عقاريا منعزلا، ولا تطويرا سياحيا بريئا، بل ذروة نموذج منهجي بدأ في الوراق، مر بـرأس الحكمة وعلم الروم، وصولا إلى كورنيش النيل، ويستقر بخليج الغرام، كأبرز معاقل السيادة الجغرافية والاقتصادية بغرب مصر".
الأمن القومي والذاكرة الوطنية
وتساءل مصريون غاضبون من تلك الأنباء، قائلين: "بعد طرح شاطئ الغرام أمام المستثمرين الخليجيين، هل أصبحت سواحلنا على البحر المتوسط محمية خليجية؟، ولماذا يتم بيع الذاكرة الوطنية للمصريين؟".
وأضافوا: "بعد بيع رأس الحكمة وعلم الروم وشاطئ الغرام وغيرهم، لماذا لا تترك الحكومة مساحة عدة كيلو مترات على البحر للمصريين الذين يصدمهم إعلانات الحملات المسعورة لاستثمارات العرب بالسواحل الشمالية والبحر الأحمر؟"،
وأعرب البعض عن مخاوفه من بيع "شواطئ ومساحات شاسعة لدول أخرى، وعمل قوانين خاصة بها، ومشاريع عملاقة لغير المصريين وبأسعار لا تناسب ٩٠ بالمئة من الشعب؟"، منتقدين أن "بيع شرق مرسى مطروح (رأس الحكمة"، وغربها (علم الروم)، و(شاطئ الغرام)، رغم أنها تمثل أمن قومي كونها متاخمة للحدود الليبية الملتهبة بالصراع".