طرحت ميلاني فيليبس خطابا مشحونا بالإسلاموفوبيا حمل رسالة واحدة مفادها أن الاحتلال
الإسرائيلي سيبقى في حالة حرب دائمة، كاشفة بصورة مباشرة الغاية الأساسية التي تستند إليها الصهيونية الحديثة، ومتخلية عن آخر ما يمكن أن يوصف بأنه ورقة توت تحجب خطابها الحقيقي.
وجاء في تقرير نشره موقع ميدل إيست آي، الذي تناول الخلفية المهنية لفيليبس، مشيرا إلى أنها كانت تعمل سابقا محررة للأخبار المحلية في القسم الذي كان كاتب التقرير يعمل فيه داخل صحيفة الغارديان، ويعيد التقرير التذكير بأن فيليبس كانت آنذاك أقرب إلى نموذج الليبرالي المتردد في شمال لندن.
وتحولت فيليبس، كما يوضح التقرير، من مرحلة اليسار الليبرالي الناعم إلى يمين يتبنى خطابا صلبا معاديا للإسلام، وهي رحلة انتقل خلالها عدد من صحفيي الغارديان أيضا، وإن كان التحول لديها لا يرتبط كما يبدو باعتبارات مالية بقدر ما يتعلق بقناعة راسخة بأن خدمة إسرائيل تمثل ما تراه "قضية مهدّدة أكثر من أي وقت مضى".
اظهار أخبار متعلقة
وترى فيليبس أن صورة إسرائيل اليوم تختلف تماما عن تلك التي كانت تعلن تأييدها لها حين كانت تشعر بأنها "في بيتها" داخل الغارديان، التي كانت تاريخيا صحيفة ذات توجه صهيوني.
ويعيد التقرير التذكير بدور سي بيه سكوت، أحد أبرز محرري الغارديان، الذي دعم مبكرا المشروع الصهيوني بقيادة حاييم وايزمان، وهو الدعم الذي أسهم لاحقا في تشكيل الأرضية التي صدر عليها وعد بلفور عام 1917.
وتتجاوز فيليبس بحسب التقرير نطاق الصهيونية الليبرالية إلى صيغة أكثر تشددا، ظهرت بوضوح في مؤتمر عقد في نيويورك تحت عنوان "الغضب ضد الكراهية"، حيث قدمت ما وصفته بـ"حقائق مرة"، إلا أن محتوى خطابها لم يحمل سوى موجة من الكراهية الصارخة.
وتبدأ فيليبس خطابها بإنكار وجود فلسطين أو الفلسطينيين، زاعمة أن السكان الأصليين الوحيدين للأرض هم اليهود، وأنهم وحدهم يمتلكون "الحق التاريخي والقانوني والأخلاقي" في ملكية الأرض الممتدة "من النهر إلى البحر"، ويشير التقرير إلى أن هذا الادعاء يضع حجة قوية بين يدي محامي المحتجين الذين يواجهون الاعتقال في بريطانيا لمجرد ترديد الشعار نفسه.
وتؤكد فيليبس أن الأرض كاملة بين النهر والبحر هي أرض يهودية، وهو موقف يتوافق مع
سياسة حزب الليكود منذ عام 1977.
اظهار أخبار متعلقة
وتمضي في خطابها لتوسيع مفهوم "التفوق العرقي اليهودي" إلى ما هو أبعد من الحدود السياسية أو التقاليد الدينية، معتبرة أن المسيحية مجرد "فرع يهودي خرج قليلا عن السيطرة"، ومعلنة أن القيم الغربية "جميعها يهودية المنشأ".
وتصنّف فيليبس الإسلام باعتباره "عقيدة موت"، وتقول إن تبنّي الغرب لغة القضية الفلسطينية يمثل "انقلابا أخلاقيا" يؤدي من وجهة نظرها إلى تدمير الغرب على يد الإسلام، وتطرح رؤية تتجاهل تماماً الفارق العددي بين سبعة ملايين إسرائيلي و450 مليون عربي إضافة إلى 92 مليون إيراني، معتبرة أن الحرب الدائمة ضرورة حضارية.
وتتوسع فيليبس في تحويل الصراع من نزاع على الأرض إلى حرب دينية شاملة، على غرار خطاب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير ووزير المالية بيزاليل سموتريتش، معتبرة أن المواجهة مع ملياري مسلم جزء من المسار المحتوم للصراع.
وتصل فيليبس إلى نقطة أكثر خطورة عندما توجه خطابها إلى يهود الشتات، مطالبة إياهم بأن يكون ولاؤهم الأول لإسرائيل لا لبلدانهم، وتصفهم بأنهم "متراخون"، وتركز على فكرة أن دورهم يجب أن يتحول من الدفاع إلى الهجوم، داعية إلى "حرث الأرض" بدلاً من "قص العشب"، وهو التعبير الذي يُستخدم عادة لوصف الحروب الإسرائيلية التي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
وترى فيليبس أن الحرب على
غزة تمثل "انبعاثا تناخيا" وعودة لـ"المحارب الداودي"، معتبرة أن ما حدث لم يكن دفاعاً عن النفس بل تجسيداً لنبوءة توراتية، ويشير التقرير إلى أن هذا الخطاب هو "الرسالة التي يحتاج الفلسطينيون أن يدرك سكان نيويورك حقيقتها".
ويستعرض التقرير سلسلة من الأمثلة التي تظهر أن إسرائيل تسعى للبقاء في حالة حرب دائمة، كما يرى الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون الذين يواجهون انتهاكات وقف إطلاق النار.
ويوثق استشهاد أكثر من 300 فلسطيني في نحو 500 انتهاك للاتفاق في غزة، توازيا مع الوضع في لبنان حيث استمرت إسرائيل في قصف المناطق الحدودية، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 300 شخص وإصابة أكثر من 900 خلال العام الماضي وفق وزارة الصحة اللبنانية.
ويواصل التقرير عرض التصعيد الإسرائيلي، مشيراً إلى اغتيال "هيثم علي طباطبائي"، رئيس أركان حزب الله، في ضربة على بيروت، وهي خطوة تهدف وفق التقرير إلى استفزاز الحزب ودفعه للرد.
اظهار أخبار متعلقة
ويلفت التقرير إلى أن وقف إطلاق النار قائم نظرياً فقط لأن حماس وحزب الله لا يردان على الهجمات، فيما تُعلن وسائل الإعلام الغربية فور أي رد أن وقف إطلاق النار قد "اختُرق".
وينتقل التقرير إلى السلوك الإسرائيلي في سوريا، موضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجوّل منتشياً مع وزراء حكومته داخل مناطق واسعة استولت عليها إسرائيل في الجنوب السوري، تعادل مساحة قطاع غزة، ودون أن تُطلق فصائل المنطقة طلقة واحدة.
ويشير إلى أن هذا الوجود أنهى المحادثات مع الحكومة السورية الجديدة، والتي كانت متعثرة أصلاً.
ويورد التقرير تفاصيل من مصادر قريبة من المحادثات، تفيد بأن إسرائيل طالبت بحقوق عبور عسكري دائم في الشمال السوري، وبالتحكم في الأسلحة التي تستوردها دمشق، إضافة إلى حق الاعتراض عليها. ويحذّر نتنياهو من أن القواعد العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا "قد لا تكون كافية"، ملمحاً إلى إمكانية توسيع العمليات.
ويعتبر التقرير أن هذا الغزو غير المبرر لسوريا هو الطريق الأسرع لتعرض الحدود الشمالية لإسرائيل لهجمات قادمة من جماعات راديكالية قد تملأ الفراغ الناجم عن إسقاط الحكومة السورية المدعومة أميركياً.
ويضيف أن هذا التصعيد يهدف أيضاً إلى فتح الطريق أمام هجوم جديد على إيران، التي توقعت منذ فترة أن الهجوم بات قريباً، لكنها لن تُفاجأ هذه المرة بسبب انخراطها في محادثات سلام "زائفة" مع الولايات المتحدة.
وخلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، وصفت طهران موقفها بأنه دفاعي. أما في الحرب المقبلة، فتشير التصريحات الإيرانية وفق التقرير إلى أن الرد سيكون هجومياً، وخاصة نحو الإمارات وأذربيجان اللتين تُعتبران منصتين للطائرات المسيّرة والاستطلاع.
ويضيف مصدر مطلع أن الحرب المقبلة لن تقتصر على إسرائيل وإيران فقط، بل ستمتد إلى الخليج والمنطقة، وستدفع الإمارات وأذربيجان "ثمناً باهظاً" على خلفية دعمها لإسرائيل.
ويؤكد التقرير أن إيران وفصائل المقاومة لا تعتبر نفسها مهزومة، رغم تلقيها ضربات موجعة، وأنها أعادت تسليح نفسها سريعاً.
ويرصد نتائج استطلاع للرأي حديث يشير إلى أن حماس المصنفة منظمة إرهابية في بريطانيا باتت أكثر شعبية من أي وقت مضى، وأن 44 بالمئة من المشاركين في استطلاع فلسطيني سيصوتون لها مقابل 30 بالمئة لفتح، وأن نحو 70 بالمئة يعارضون نزع سلاحها.
وينتقل التقرير إلى جمود المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، مشيراً إلى أن حماس سلمت جميع الرهائن الأحياء والجثامين المتوفرة لديها، دون أن يتحقق تقدم. ويُظهر أن الدول العربية والإسلامية ترفض المشاركة في قوة استقرار دولية بلا تفويض واضح أو خطة لقيام دولة فلسطينية.
ويستعرض التقرير مواقف الأردن والإمارات ومصر وإندونيسيا، ويشير إلى أن الولايات المتحدة تواصلت حتى مع سنغافورة التي استغربت الطرح. كما ينتقد مقترح "مجلس السلام" الذي يفتقر إلى وضوح الأعضاء والتمويل والهيكلة.
اظهار أخبار متعلقة
ويصف التقرير قرار مجلس الأمن المتعلق بالترتيبات الجديدة بأنه "أحد أكثر القرارات فراغاً" في تاريخ الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع.
ويختتم التقرير بالقول إن استمرار هذا النهج يجعل العودة إلى الحرب أمراً شبه محتوم، وأن نتنياهو قد يُقدم على "إتمام المهمة" التي فشل في تحقيقها خلال عامين من الحرب، بينما ستحرص ميلاني فيليبس على الاحتفاء بسفك الدماء، وسيواصل الغرب بما فيها شبكة "بي بي سي" تهيئة المنابر لها رغم خطابها القائم على التحريض.