كتاب عربي 21

حزب الشعب الجمهوري في تركيا.. من أزمة إلى أخرى

إسماعيل ياشا
"يتسترون وراء قناع مصطفى كمال أتاتورك، ويدَّعون بأن مساءلتهم تعتبر استهدافا لرمزيته"- جيتي
"يتسترون وراء قناع مصطفى كمال أتاتورك، ويدَّعون بأن مساءلتهم تعتبر استهدافا لرمزيته"- جيتي
أرجأت المحكمة الابتدائية في أنقرة، الاثنين، قرارها في قضية التلاعب في المؤتمر العام الأخير لحزب الشعب الجمهوري، إلى 24 تشرين الأول/ أكتوبر. وكان عدد من ممثلي الحزب قالوا إن المؤتمر العام الـ38 الذي عقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 وفاز فيه أوزغور أوزل برئاسة الحزب، شهد تلاعبا واسعا وشراء أصوات لضمان خسارة الرئيس السابق كمال كليتشدار أوغلو. وفي حال قررت المحكمة إلغاء نتائج المؤتمر العام سيفتح هذا القرار الباب أمام عودة كليتشدار أوغلو إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري.

نتائج مؤتمر حزب الشعب الجمهوري في محافظة إسطنبول أُلغيت من قبل القضاء لذات السبب، وتم تعيين القيادي السابق في الحزب، غورسل تكين، وصيّا على فرع إسطنبول، بعد عزل رئيسه الذي فاز في ذاك المؤتمر. وتسبب هذا القرار في أزمة كبيرة وانقسام حاد في صفوف حزب الشعب الجمهوري بين المنتقدين؛ لقبول تكين تولي منصب رئيس فرع الحزب في إسطنبول بقرار المحكمة. كما تعرض، وما زال يتعرض، القيادي السابق الذي سبق أن تولي رئاسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري، لسيل من الإساءات من قبل المؤيدين لرئيس بلدية إسطنبول المُقال، أكرم أمام أوغلو، ويُتهم بدعم "الانقلاب القضائي".

حزب الشعب الجمهوري يعاني حاليا من موجة أزمات، وقبل أن تنتهي أزمة تنفجر أخرى. هناك أزمة متعلقة بمؤتمر فرع إسطنبول، وأخرى أكبر منها متعلقة بالمؤتمر العام الأخير للحزب، بالإضافة إلى قضايا الفساد التي تعصف بالبلديات التي فاز فيها مرشحو الحزب

حزب الشعب الجمهوري يعاني حاليا من موجة أزمات، وقبل أن تنتهي أزمة تنفجر أخرى. هناك أزمة متعلقة بمؤتمر فرع إسطنبول، وأخرى أكبر منها متعلقة بالمؤتمر العام الأخير للحزب، بالإضافة إلى قضايا الفساد التي تعصف بالبلديات التي فاز فيها مرشحو الحزب في الانتخابات المحلية. وهناك أزمة تفوق كافة هذه الأزمات، وهي أزمة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المقال والمتهم بالفساد. وأضيفت إلى سلسلة أزمات حزب الشعب الجمهوري في الأيام الأخيرة حلقة جديدة، وهي استقالات رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية من الحزب. وأبرز تلك الاستقالات هي استقالة رئيسة بلدية آيدين، أوزلام تشرتشي أوغلو، قبل حوالي شهر، احتجاجا على تعرضها لضغوط قادة الحزب ومطالبهم غير القانونية.

هناك أسباب مختلفة لمعاناة حزب الشعب الجمهوري من أزمات متتالية، أولها أن قادة الحزب والمنتمين إليه يعتقدون بأن الانتماء إلى أكبر الأحزاب المعارضة يمنحهم نوعا من الحصانة، لأنه الحزب الذي أسَّس الجمهورية التركية، حسب قولهم، كما أنهم يتسترون وراء قناع مصطفى كمال أتاتورك، ويدَّعون بأن مساءلتهم تعتبر استهدافا لرمزيته. وهذا الاعتقاد يدفعهم إلى التهور والجرأة على خرق القوانين وارتكاب جرائم الفساد والرشوة والاختلاس.

السبب الثاني هو انحراف حزب الشعب الجمهوري عن خطه السياسي واختطافه من قبل إمام أوغلو وداعميه، وهو الأخطر بين كل الأسباب الأخرى، لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تمزيق الحزب. ومن المعلوم أن تاريخ حزب الشعب الجمهوري مليء بالصراعات الداخلية، إلا أن ما يحدث فيه منذ فترة ليس من ذاك النوع من الصراعات، بل هو سيطرة شخص يميني على الحزب المعارض الرئيسي، اليساري، عن طريق شراء الذمم لاستغلاله في تحقيق طموحاته والوصول إلى أهدافه السياسية.

ينتظر الجميع قرار المحكمة في قضية التلاعب في المؤتمر العام، إلا أنه ليس متوقعا أن ينهي القرار، مهما كان، أزمات حزب الشعب الجمهوري، وربما يعمقها. كما أن القرار قد يدفع إمام أوغلو ومؤيديه إلى الانشقاق من الحزب لتأسيس حزب سياسي جديد

إمام أوغلو كان ينتمي إلى حزب الوطن الأم الذي أسَّسه رئيس الجمهورية الأسبق، تورغوت أوزال، وكان أبوه أحد المؤسسين لفرع حزب الوطن الأم في مدينة طرابزون. وهناك حديث عن سعيه للانضمام إلى حزب العدالة والتنمية عام 2009 ورفض الأخير ترشيحه للانتخابات المحلية. وفاز إمام أوغلو برئاسة بلدية بيليك دوزو في محافظة إسطنبول في الانتخابات المحلية التي خاضها عام 2014 كمرشح حزب الشعب الجمهوري. ووفقا للاتهامات الموجهة إليه، أسَّس خلال رئاسته لبلدية بيليك دوزو شبكة لجمع المال عن طريق الفساد، ثم قام بتوسيع تلك الشبكة حين تولى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.

الشبكة التي أسَّسها إمام أوغلو خدمته كثيرا في مسيرته السياسية، ونجح الرجل من خلالها في جمع أموال طائلة أسهمت في سيطرته على حزب الشعب الجمهوري. وكان يمهِّد الطريق للفوز في الانتخابات الرئاسية للسيطرة على البلاد بذات الطريقة، لولا تدخل القضاء لمحاسبته ووضع حد لفساده. كما نجح إمام أوغلو في تحويل حزب الشعب الجمهوري إلى نادٍ مهمته الأولى والوحيدة هي الترويج والدعاية له والدفاع عن أفعاله والهجوم على معارضيه.

قادة حزب الشعب الجمهوري وأعضاؤه يجب أن يسألوا أنفسهم هذه الأسئلة: "هل نحن مضطرون لتسخير كل طاقات الحزب وإمكانياته للدفاع عن شخص نعرف فساده أكثر من غيرنا؟ ولماذا نربط مستقبل الحزب بمستقبل شخص ثبت أنه حصل على شهادته الجامعية بشكل غير قانوني بفضل أموال والده وارتباطاته السياسية؟ أوَلا يمكن أن نقوم بطرد إمام أوغلو من الحزب كما تفعل الأحزاب الأخرى لتطهير صفوفه من الفاسدين؟ وهل إمام أوغلو شخص لا يمكن أن يستغني عنه حزب الشعب الجمهوري بأي حال؟". ومن المؤكد أنهم لو بحثوا عن أجوبة هذه الأسئلة بصدق لوجدوا المخرج من المأزق الذي يعاني منه الحزب.

حزب الشعب الجمهوري يشهد حاليا صراعا داخليا شرسا بين الذين اختطفوه بشراء الأصوات والآخرين الذين يحاولون استرجاع قيادة الحزب منهم. وينتظر الجميع قرار المحكمة في قضية التلاعب في المؤتمر العام، إلا أنه ليس متوقعا أن ينهي القرار، مهما كان، أزمات حزب الشعب الجمهوري، وربما يعمقها. كما أن القرار قد يدفع إمام أوغلو ومؤيديه إلى الانشقاق من الحزب لتأسيس حزب سياسي جديد يقوم بالمهمة التي يقوم بها حاليا حزب الشعب الجمهوري.

x.com/ismail_yasa
التعليقات (0)

خبر عاجل