كتاب عربي 21

جرائم القاصرين تهدد المجتمع التركي

إسماعيل ياشا
"الشارع التركي يطالب بعدم تطبيق الشروط المخفِّفة للعقوبات في الجرائم التي يرتكبها الشخص بعد جريمته الأولى"- الأناضول
"الشارع التركي يطالب بعدم تطبيق الشروط المخفِّفة للعقوبات في الجرائم التي يرتكبها الشخص بعد جريمته الأولى"- الأناضول
حققت الحكومات التي شكلها حزب العدالة والتنمية من فوزه في أول انتخابات خاضها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 بعد أشهر من تأسيسه، نجاحات باهرة في مجالات عدة، أولها القفزة الكبيرة التي شهدتها تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، إلا أنها فشلت في ملفات مختلفة، منها اقتصادية، كوجود شرخ كبير بين رواتب الموظفين ورواتب المتقاعدين والحد الأدنى للأجور، ومنها ما يهم حياة المواطن وأمنه، كخطر الكلاب الشاردة التي تملأ الشوارع والأماكن العامة. ولعل أخطر تلك الملفات هو عدم شعور المواطنين بالأمن والأمان، في ظل الاعتقاد السائد بأن القوانين غير كافية لردع المجرمين وأن المواطنين العاديين هم فقط يخافون من المساءلة القانونية.

قوات الأمن ألقت القبض قبل أيام على مشتبه في مدينة قونيا يتهم باغتصاب طفلة صغيرة ذات أربع سنوات فقط. وهزت الحادثة المجتمع التركي؛ كأحداث مشابهة وقعت قبلها وراح ضحيتها أطفال صغار. وذكرت وسائل الإعلام أن المعتقل الذي يبلغ من العمر 24 عاما، سبق أن ارتكب 11 جريمة. وما زاد غضب المواطنين معرفتهم بأن ذاك المجرم سيعود إلى الشوارع بعد سجنه لعدة سنوات، وأن الشوارع مليئة بأمثاله من أصحاب السوابق الذين ارتكبوا جرائم مختلفة، ويمكن أن يضيفوا إليها جرائم أخرى في أي لحظة.

هناك ظاهرة بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، وهي ارتكاب القاصرين جرائم مروعة، مثل الطعن بالسكين والقتل المتعمد بشكل جماعي. ويشكل هؤلاء أنفسهم شبكة إجرامية في بعض الأحيان، رغم صغر سنهم، ويتم استغلالهم وتوظيفهم في أحيان أخرى. بل إنهم في بعض الأحيان يتلقون دعما من أفراد أسرهم

هناك ظاهرة بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، وهي ارتكاب القاصرين جرائم مروعة، مثل الطعن بالسكين والقتل المتعمد بشكل جماعي. ويشكل هؤلاء أنفسهم شبكة إجرامية في بعض الأحيان، رغم صغر سنهم، ويتم استغلالهم وتوظيفهم في أحيان أخرى. بل إنهم في بعض الأحيان يتلقون دعما من أفراد أسرهم الذين هم أيضا متورطون في جرائم، كما هو الحال في قضية مقتل الطفل ماتيا أحمد مينغوزي.

الطفل مينغوزي ذو 14 عاما تعرض في كانون الثاني/ يناير الماضي لهجوم أطفال في سوق شعبي بقضاء قاضي كوي في محافظة إسطنبول، وطعنه طفل ذو 15 عاما خمس مرات، كما ركله طفل آخر ذو 16 عاما بشكل وحشي بعد أن سقط على الأرض جريحا. وتوفي الطفل المغدور في المستشفى بعد حوالي أسبوعين. ولم يكن مينغوزي يعرف هؤلاء الأطفال الذين ارتكبوا تلك الجريمة بدم بارد. وبعد دفنه، تعرض قبره لهجوم، كما أن أمه ما زالت تتلقى تهديدات من أسر القتلة وأصدقائهم.

وفي حادثة جديدة، تعرضت فتاة وأمها لتحرش شقيقين أحدهما يبلغ من العمر 14 عاما والآخر 17 عاما، وكانت الفتاة وأمها في طريق عودتهما إلى بيتهما في العاصمة أنقرة، واتصلت الأم بنجلها البالغ من العمر 22 عاما لينقذهما. وبعد ذلك اقتحم الشقيقان المتحرشان مع أبيهما وشقيقهما الثالث البالغ من العمر 19 عاما؛ المحل الذي كان يعمل فيه شقيق الفتاة، وضربوه، وقتلوه طعنا. ونشرت وسائل الإعلام صورا يظهر فيها الأشقاء الثلاثة بالأسلحة المختلفة، ومقطع فيديو يظهرهم وهم يقطعون أذن أحد الأشخاص، كما تبين أن أحدهم تم إطلاق سراحه قبل فترة قصيرة بعد سجنه في قضية أخرى.

القاصران من الأشقاء القتَلة لم يبديا أي ندم أثناء اعتقالهما، بل كان أحدهما يبتسم أمام الكاميرات، لأنهما يعرفان جيدا أن القانون سيخفف عقوباتهما ليطلق سراحهما بعد سنتين أو ثلاث، حتى لو تمت إدانتهما بالقتل المتعمد. بل ويعتبر بعض القاصرين ارتكاب جريمة القتل والسجن لمدة، فرصة لاكتساب الخبرة والشهرة في عالم المافيا والإجرام، ويرون ذلك أقصر طريق لكسب الأموال والتمتع بملذات الرفاهية.

المواطنين يخافون من تأخر تلك التعديلات القانونية، والتساهل في تطبيقها، ويريدون أن تحل الحكومة هذه المشكلة الخطيرة قبل أن تقتل مزيدا من المواطنين العزل

الشارع التركي يطالب بعدم تطبيق الشروط المخفِّفة للعقوبات في الجرائم التي يرتكبها الشخص بعد جريمته الأولى، حتى لو اختلف نوع الجرائم، كما يدعون إلى إعادة النظر في سن البلوغ واعتبار من لم يبلغ من العمر 18 عاما قاصرا في نظر القانون. وتشير كافة المؤشرات إلى أن معظم المجرمين من القاصرين الذين يبلغون من العمر 16 أو 17 عاما يرتكبون الجرائم بكامل وعيهم وإرادتهم وقواهم العقلية دون أن يجبرهم أحد، ما يعني أنهم يجب أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم كما يتحملها البالغون.

وزير العدل التركي يلماز تونتش، يقول إنه ستتم إعادة النظر في نسب تخفيف العقوبات في جرائم القاصرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاما، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات في الجرائم التي تستهدف الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن المواطنين يخافون من تأخر تلك التعديلات القانونية، والتساهل في تطبيقها، ويريدون أن تحل الحكومة هذه المشكلة الخطيرة قبل أن تقتل مزيدا من المواطنين العزل، كما يطالبون بوضع حد للأفلام والمسلسلات التي تشجع الأطفال القاصرين على استخدام السلاح وتقليد رجال المافيا المجرمين.

x.com/ismail_yasa
التعليقات (0)