اقترح رئيس حزب الحركة القومية المؤيد للحكومة التركية، دولت بهتشلي، تشكيل
تحالف
يضم
تركيا وروسيا والصين من أجل مواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي وصفه بـ"تحالف
الشر". وذكر في تصريحاته المثيرة التي نشرت في موقع حزب الحركة القومية
وحساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، أن الخيار الأفضل دبلوماسيا وسياسيا
وجغرافيا لمواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي يتحدى العالم، هو التحالف
التركي الروسي
الصيني.
بهتشلي ليس رئيسا لأي حزب سياسي، بل أكبر مؤيد لرئيس الجمهورية التركي رجب
طيب أردوغان، لدرجة أنه يدعو إلى تعديل الدستور لتمكين أردوغان من الترشح في
الانتخابات الرئاسية القادمة لفترة ثالثة، كما أن حزب الحركة القومية حليف حزب
العدالة والتنمية ضمن تحالف الجمهور. وهناك تنسيق وتبادل أدوار بين الزعيمين
لتقرير السياسات المصيرية والمواقف المتعلقة بالقضايا الكبرى، مثل مشروع
"تركيا خالية من الإرهاب"، علما بأن هذا المشروع انطلق بمبادرة أطلقها
بهتشلي ودعا فيها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلى إلقاء السلاح
وحل التنظيم الإرهابي الانفصالي. وهذا ما جعل تصريحاته بشأن تحالف تركيا مع
روسيا
والصين تلفت الانتباه أكثر من أي تصريحات يدلي بها رئيس حزب سياسي معارض.
تصريحات بهتشلي يمكن قراءتها كرسالة تحذير موجهة إلى الولايات المتحدة قبيل زيارة أردوغان لنيويورك واجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفادها أن تركيا تملك خيارات أخرى
اقتراح بهتشلي في الوقت الراهن غير واقعي لأسباب عديدة، أولها أن مثل هذا
التحالف يعني تحويل وجهة تركيا 180 درجة من الغرب إلى الشرق، والخروج من حلف شمالي
الأطلسي "
الناتو"، وخروج الناتو من الأراضي التركية، وهو ليس بأمر سهل،
إن لم يكن مستحيلا. كما أن تركيا تستفيد من وجودها في الناتو، حتى وإن لم تكن تلك
الاستفادة على المستوى المطلوب، ويحتاج الناتو إلى موافقة تركيا في قرارات مهمة،
كما حدث في انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف. وإضافة إلى ذلك، يضع الخروج من
الناتو للتحالف مع روسيا والصين؛ تركيا في مواجهة الحلف ويجعلها هدفا للمعسكر
الغربي.
بهتشلي يقترح تحالف تركيا مع روسيا والصين من أجل وضع حد للعربدة
الإسرائيلية التي تدعمها الولايات المتحدة بلا حدود، إلا أنه لا يمكن القول بأن
كلتا الدولتين (روسيا والصين) تشارك تركيا في ذات الهدف والقلق، وأنهما معنيتان
بمواجهة الكيان الصهيوني، بل علاقات روسيا والصين مع إسرائيل جيدة حتى وإن لم تبلغ
مستوى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وأما القضية الفلسطينية فهي مجرد ورقة
تستخدمها الدولتان في صراع النفوذ ومزاحمة الولايات المتحدة وتحقيق مصالحهما في
الشرق الأوسط.
الأفضل لتركيا حاليا أن لا تتحالف مع روسيا والصين، وأن تبقى في حلف
الناتو، إلى جانب تعزيز علاقاتها مع المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي وفق مصالحها،
بالإضافة إلى تحقيق التوازن في كافة علاقاتها، والسعي للاستقلال في قراراتها، قدر
الإمكان، والاستمرار في بناء قوتها العسكرية وتطوير قدراتها الوطنية، كما تفعل
اليوم.
السؤال الأهم الآن هو: "ما رأي أردوغان في اقتراح بهتشلي؟". وتم
توجيه هذا السؤال إلى الرئيس التركي أثناء مغادرته للبلاد إلى الولايات المتحدة،
فأجاب قائلا: "لم أستطع أن أتابع، فليكن خيرا". وفي مقابلته مع قناة
فوكس نيوز الأمريكية في مدينة نيويورك، التي يزورها هذه الأيام للمشاركة في أعمال
الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذكر أن الدول الأوروبية لن تستمر في دعم أوكرانيا
ماليا، وأن أوكرانيا لا تستطيع وحدها أن تواجه روسيا، داعيا إلى استمرار دعم
أوكرانيا. وقال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، إن
تركيا تعزز علاقاتها مع حليفتها في الناتو، الولايات المتحدة، في العديد من
المجالات لا سيما التجارة والاستثمار والطاقة والصناعات الدفاعية. وتشير هذه
التصريحات إلى عدم تأييد أردوغان اقتراح بهتشلي.
حزب الحركة القومية الذي يرأسه بهتشلي كان من أقوى حلفاء الولايات المتحدة
في تركيا خلال الحرب الباردة، كما أن الدول الشيوعية، على رأسها الاتحاد السوفييتي
والصين، كانت من ألد أعداء الأتراك القوميين. وكانت "الذئاب الرمادية"
تخوض اشتباكات مع التنظيمات اليسارية المتطرفة، وترى ذلك واجبا وطنيا لحماية
البلاد من الخطر الشيوعي. وبالتالي، يرى محللون أن اقتراح بهتشلي يعتبر نوعا من
"إنكار الذات".
أنقرة تريد من أعضاء الحلف، على رأسها الولايات المتحدة، أن تراعي مخاوف تركيا، وأن لا تحمي التنظيم الإرهابي الانفصالي في سوريا
تصريحات بهتشلي يمكن قراءتها كرسالة تحذير موجهة إلى الولايات المتحدة قبيل
زيارة أردوغان لنيويورك واجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفادها أن
تركيا تملك خيارات أخرى غير البقاء في المعسكر الغربي، وأن الناتو يمكن أن يخسر
تركيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف، إذا بلغ السيل الزبى، كما تقول إن حليف
الولايات المتحدة التقليدي في تركيا يمكن أن يدعم هذا التحول الاستراتيجي في حال
أسفرت واشنطن في انحيازها إلى جانب إسرائيل على حساب مصالح تركيا وأمنها القومي.
حلف الناتو نشر في حسابه بمنصة إكس صورة لإحدى طائرات فريق "النجوم
التركية" للاستعراض الجوي، وهي تحلق فوق مضيق البوسفور، وكتبت فوقها
"جمعة سعيدة. نتمنى لكم عطلة نهاية أسبوع رائعة"، وهو ما اعتبر ردا على
اقتراح بهتشلي، وإشارة إلى متانة العلاقات بين الحلف وتركيا. إلا أن أنقرة تريد من
أعضاء الحلف، على رأسها الولايات المتحدة، أن تراعي مخاوف تركيا، وأن لا تحمي
التنظيم الإرهابي الانفصالي في سوريا.
x.com/ismail_yasa