يشهد
السودان منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، حرباً بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ويواجه الطرفان عقوبات أمريكية فُرضت في كانون الثاني/ يناير الماضي، فيما خلّف الصراع دماراً واسعاً في المدن والقرى والبنية التحتية، وأوقع آلاف القتلى والجرحى، وأجبر ملايين المدنيين على النزوح، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وأصدرت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر في 12 أيلول/ سبتمبر 2025 بياناً مشتركاً عقب اجتماع وزاري بدعوة من واشنطن، أكدت فيه أن الحرب في السودان تسببت في أسوأ أزمة إنسانية عالمية وتشكل تهديداً للسلم والأمن الإقليميين.
وشدد الوزراء على سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، معتبرين أن الحل العسكري غير ممكن وأن استمرار النزاع يزيد من المعاناة الإنسانية.
وتضمن البيان التزاماً بمبادئ أساسية، أبرزها تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن، وحماية المدنيين، والامتناع عن الهجمات العشوائية على البنية التحتية.
كما دعا إلى هدنة إنسانية أولية لثلاثة أشهر، تعقبها عملية تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم مرحلة انتقالية خلال تسعة أشهر نحو حكومة مدنية شرعية وشفافة، مع "استبعاد الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان المسلمين من المشهد السياسي".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد البيان أن الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة يفاقم الأزمة ويطيل أمدها، داعياً إلى إنهائه فوراً.
كما عبّر الوزراء عن التزامهم بالعمل مع الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والشركاء الدوليين لدعم تسوية سياسية شاملة، وحماية البحر الأحمر من التهديدات، والتصدي للإرهاب، مع مواصلة مشاوراتهم عبر اجتماعات رباعية لمتابعة التنفيذ والضغط على الأطراف السودانية للالتزام بالمسار السلمي.
وستضم المحادثات ممثلين عن الرباعية الدولية المعنية بالسودان -
مصر، ولن تُضم القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع إلى هذه الجولة، وفقًا لموقع "أفريكا إنتليجنس".
ما الجديد في الخطة
تأتي الخطوة بعد عامين من اندلاع الحرب التي قتل فيها نحو 150 ألف شخص وشرد بسببها أكثر من 15 مليونا وسط دمار واسع في البنية التحتية وخسائر اقتصادية ضخمة قدرت بنحو 700 مليار دولار.
ومنذ اندلاع القتال وحتى الآن، قدمت أطراف إقليمية ودولية 10 مبادرات، لكن جميعها فشلت في وقف الحرب لأسباب يقول مراقبون إنها "ترتبط بهيمنة تنظيم الإخوان على مراكز القرار وإصراره على استمرار الحرب".
يرى المحلل السياسي مجدي عبد القيوم أنه لا يوجد أي جديد في ما طرحته الرباعية، وسبق أن تم تقديم هذا الطرح، مضيفاً أنه ربما كان الجديد هو المساواة بين الجيش ومليشيا "الدعم السريع"، والإشارة صراحة إلى التسوية بما يجعل للمليشيا دور في المشهد، "وقطعاً هذا من سابع المستحيلات لدى القطاع الأكبر من الشعب السوداني"، بحسب تصريحات أدلى بها لصحيفة "العربي الجديد".
واعتبر عبد القيوم، أن البيان محاولة لقطع الطريق على الانتصار النهائي على المليشيا بعد تقدم الجيش السوداني. وأضاف: "عموماً الرباعية ليست هيئة أممية، وهي مجرد تحالف لدول لها مصالح في البلاد، وينبغي أن تتعامل معها الدولة بذات الطريقة التي تعاملت بها مع اجتماع جنيف" الذي عقد في أغسطس/آب 2024 بهدف وقف الحرب والتي غابت عنها الحكومة السودانية.
وكشفت وكالة "رويترز" أن الخطة تنص على وقف إطلاق نار دائم بعد هدنة إنسانية، يعقبها انتقال سياسي يقوده المدنيون لمدة تسعة أشهر، كما تضمنت استبعاد أي دور لجماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية المرتبطة بها في العملية السياسية المقبلة.
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" أن الوسطاء دعوا إلى تشكيل حكومة مدنية شاملة تعكس تطلعات الشعب السوداني، مع التأكيد أن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون قصيرة ومحددة زمنياً.
حسابات الأطراف
وردّت الحكومة الموازية التي تقودها قوات الدعم السريع، على بيان الرباعية، في بيان السبت، أنها "ترحب ببيان وزراء خارجية الآلية الرباعية وتؤكد موقفها الثابت وترحيبها الكامل بالجهود المبذولة لإنهاء الحرب في السودان عبر عملية سلمية شاملة تقود إلى وقف الحرب وبناء الدولة ومؤسساتها، وذلك من خلال معالجة جذور الأزمة التاريخية التي قادت إلى تكرار الحروب في البلاد".
وأعلنت "استعدادها للتعاون مع جميع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى من أجل إيصال المساعدات"، مضيفة أنها "ترحب أيضاً بما جاء في البيان بشأن الإسلاميين والجماعات الإرهابية من حزب المؤتمر الوطني وكتائب البراء وواجهاتهم".
وتابعت: "نؤكد أنه لا سلام في السودان ولا استقرار في المنطقة إلا بعزل هذه المنظومة الإرهابية المتطرفة التي أشعلت الحرب وحوّلت السودان إلى ساحة للأنشطة الإرهابية".
وأشارت "رويترز" إلى أن الدول الرباعية تُعتبر الأكثر نفوذاً على طرفي الحرب، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تسيطر الأخيرة على معظم
دارفور، بينما يحتفظ الجيش ببعض المواقع الاستراتيجية.
وأعلنت قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية في المناطق الخاضعة لها، وهو ما قد يعقّد أي عملية انتقالية ويكرّس واقع الانقسام داخل البلاد.
اظهار أخبار متعلقة
ومنذ أن استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع في مارس/آذار، سيطرت الأولى على شرق ووسط البلاد، بينما حاولت قوات الدعم السريع تعزيز سيطرتها على المنطقتين الغربية والجنوبية.
وقال آلان بوسويل، الخبير في شؤون السودان لدى مجموعة الأزمات الدولية، "تهدف قوات الدعم السريع إلى أن تكون شرعية كفاعل وطني، ومع ذلك، فإن هذه الحكومة تجعل التقسيم الفعلي أكثر ترجيحًا، حتى لو لم يكن ذلك هو الهدف الاستراتيجي".
الوسطاء الأربعة
شارك في الاجتماع الذي عقد الأربعاء بمقر الخارجية الأمريكية في واشنطن، نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو والمستشار الأول لشؤون إفريقيا مسعد بولس مع سفراء الرباعية لدى الولايات المتحدة، وهم سفير دولة الإمارات يوسف العتيبة، والسفيرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود، والسفير المصري معتز زهران.
وقال بيان صادر عن الخارجية الأمريكية: "إدراكا من أن الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة في المنطقة ويسبب أزمة إنسانية، أكد نائب وزير الخارجية لاندو أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن الصراع قابل للحل العسكري، ولذلك ينبغي على الرباعية السعي لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي".
وأضاف: "إدراكا للتأثير الإقليمي لأزمة السودان، أكد نائب الوزير التزام الولايات المتحدة بالعمل الوثيق مع الرباعية لمعالجة الأزمة، وناقش معها الخطوات التالية للقيام بذلك".
وقدمت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر هذه المبادرة باعتبارها الأطراف القادرة على الضغط المباشر على الجيش والدعم السريع، بعد فشل محاولات سابقة في جدة وأديس أبابا بتثبيت الهدنة.
وبحسب "أسوشييتد برس"، فإن الرباعية تعتبر أن استمرار الحرب يهدد الأمن الإقليمي، وهو ما يفسّر دخولها بثقل أكبر مقارنة بالمراحل السابقة.
هل الخطة قابلة للتنفيذ؟
أشارت "رويترز" إلى أن التجارب السابقة أظهرت هشاشة الهدن في السودان، حيث سرعان ما كانت تنهار بسبب غياب آليات مراقبة فعالة، واعتبرت الوكالة أن نجاح الخطة مرهون بوجود آليات تنفيذية صارمة وضمان التزام الطرفين بها.
يرى محللون أن تشكيل حكومة موازية من قبل قوات الدعم السريع يزيد من صعوبة تطبيق أي اتفاق جديد، لأنه يكرّس الانقسام داخل السودان ويخلق واقعاً سياسياً متوازياً، مما يهدد فعالية أي عملية انتقالية تقودها حكومة مركزية موحدة، بحسب شبكة الجزيرة.
كيف ينعكس المسار على المدنيين؟
ويعيش المدنيون في مدينة
الفاشر أوضاعاً مأساوية، مع القصف المتواصل والجوع ونقص الإمدادات الأساسية، حيث تحدث بعض الناجين عن "الإذلال والجوع" كجزء من حياتهم اليومية.
وتسببت الحرب في السودان بأكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم حالياً، مع نزوح ملايين الأشخاص وانعدام القدرة على إيصال المساعدات إلى العديد من مناطق دارفور.
السيناريوهات المحتملة
ذكرت رويترز أن نجاح الوسطاء في فرض هدنة إنسانية أولية قد يمهّد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار، الأمر الذي سيفتح المجال أمام مرحلة انتقالية يقودها المدنيون ضمن الجدول الزمني الذي حددته الخارطة الرباعية.
اظهار أخبار متعلقة
وفي المقابل، نقلت "أسوشييتد برس" عن دبلوماسيين قولهم إن استمرار المعارك، خصوصاً حول مدينة الفاشر، قد يؤدي إلى انهيار الخطة تدريجياً، كما حدث مع مبادرات سابقة فشلت بسبب غياب الالتزام والضمانات الفعلية.
أما "رويترز" فقد أشارت أيضاً إلى وجود مقترحات بدمج خارطة الطريق الرباعية مع مبادرات أخرى مثل مسار جدة، بهدف تقليل التنافس بين الوسطاء وزيادة الضغط على الأطراف المتحاربة، وهو ما قد يفتح نافذة جديدة للتسوية إذا توافرت الإرادة السياسية.