وصل إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع
غزة، الأربعاء، 11 أسيرا فلسطينيا أفرجت عنهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة تندرج ضمن إفراجات متقطعة ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق أسرى من القطاع بعد أشهر طويلة من الاعتقال داخل سجون توصف بأنها تفتقر إلى أدنى المعايير الإنسانية.
وأعلن مكتب
الأسرى، التابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان مقتضب عبر منصة “تلغرام”، أن “الاحتلال الإسرائيلي أفرج عن 11 أسيرا من سكان قطاع غزة”، موضحا أن الأسرى المفرج عنهم نقلوا مباشرة إلى المستشفى بواسطة طواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويأتي هذا الإفراج في سياق عمليات إطلاق سراح متفرقة تنفذها تل أبيب بحق معتقلين من غزة، احتجزوا لفترات متفاوتة منذ اندلاع الحرب، وسط تقارير حقوقية وشهادات موثقة تتحدث عن تعرضهم للتعذيب الجسدي والنفسي، وسوء المعاملة، والتجويع، والإهمال الطبي داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية.
شهادات عن تعذيب وسوء تغذية
ولم يورد مكتب الأسرى تفاصيل دقيقة بشأن الحالة الصحية للأسرى الذين أفرج عنهم، غير أن معتقلين سابقين أكدوا، في شهادات متطابقة، أن العديد من الأسرى الذين أطلق سراحهم خلال الأشهر الماضية خرجوا وهم يعانون من سوء تغذية حاد، وإصابات جسدية، وآثار تعذيب شديد.
وتتكرر هذه الشهادات في كل دفعة إفراج تقريبا، حيث تحدث أسرى سابقون عن تعرضهم للضرب المبرح، والتعليق في أوضاع مؤلمة، والحرمان من الطعام والعلاج، إضافة إلى الإهانات اللفظية والمعاملة المهينة داخل
السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية.
وتقول منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية إن هذه الانتهاكات لا تشكل حالات فردية، بل تعكس سياسة ممنهجة تنتهك بشكل صارخ أحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية الأسرى والمعتقلين في زمن النزاعات المسلحة.
"الوصول إلى المعتقلين لا يزال معلقا"
من جهتها، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان رسمي، أنها “سهلت نقل 11 معتقلا أُطلق سراحهم من نقطة عبور كيسوفيم شرق دير البلح إلى مستشفى شهداء الأقصى”، مشيرة إلى أنها ساعدت كذلك في تمكينهم من التواصل مع عائلاتهم ولمّ شملهم بعد أشهر من الانقطاع.
غير أن اللجنة أعربت عن قلقها البالغ إزاء استمرار تعليق وصول فرقها إلى المعتقلين الفلسطينيين داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، مؤكدة أن هذا التعليق يحول دون قيامها بواجبها الإنساني والرقابي.
وشددت اللجنة على “ضرورة إبلاغها بأسماء جميع المعتقلين الفلسطينيين”، وعلى “السماح لها بالوصول إليهم دون عوائق”، بما يضمن مراقبة ظروف احتجازهم والاطلاع على أوضاعهم الصحية والمعيشية.
وأضافت أن القانون الدولي الإنساني “يوجب معاملة المعتقلين معاملة إنسانية، وتوفير ظروف احتجاز مقبولة لهم، وضمان تواصلهم المنتظم مع عائلاتهم”، مؤكدة أنها تواصل حوارها مع السلطات الإسرائيلية بهدف استئناف زياراتها لكافة المعتقلين الفلسطينيين.
اظهار أخبار متعلقة
اتفاق تبادل سابق وإفراجات واسعة
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أفرج، في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عن نحو 1700 أسير فلسطيني من قطاع غزة، وذلك في إطار اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي جرى التوصل إليه بين حركة حماس وإسرائيل.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بوساطة مصر وقطر وتركيا، وبرعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضمن خطة متعددة المراحل شملت وقف العمليات العسكرية وتبادل الأسرى وفتح مسارات إنسانية.
ووصل معظم الأسرى المفرج عنهم في تلك الدفعة إلى القطاع وهم في أوضاع صحية متدهورة، حيث نقل عدد كبير منهم فورا إلى المستشفيات لتلقي العلاج، في حين تحدث آخرون علنا عن تعرضهم لتعذيب وتجويع وإهانات داخل السجون الإسرائيلية.
أكثر من 10 آلاف فلسطيني في السجون
وبحسب معطيات صادرة عن منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، لا يزال أكثر من 10 آلاف فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم أطفال ونساء، في ظروف وصفت بأنها “قاسية وغير إنسانية”.
وتشير هذه المنظمات إلى أن العديد من المعتقلين يعانون من الإهمال الطبي المتعمد، ومنع العلاج، وسوء التغذية، ما أدى إلى وفاة عدد من الأسرى خلال فترة الاحتجاز، في ظل غياب الرقابة الدولية الفاعلة.
ويحذر حقوقيون من أن استمرار منع الصليب الأحمر والمنظمات الدولية من زيارة المعتقلين يفاقم من خطورة الأوضاع، ويمنح السلطات الإسرائيلية غطاءً لمواصلة الانتهاكات دون محاسبة.
ويأتي ملف الأسرى في سياق أوسع من تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي انتهت باتفاق وقف إطلاق النار، بعد حرب إبادة جماعية استمرت عامين منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدعم أمريكي مباشر.
وأسفرت الحرب عن استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد على 171 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن دمار هائل في البنية التحتية والمنازل والمرافق الصحية والتعليمية.
وقدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بنحو 70 مليار دولار، في ظل أوضاع إنسانية توصف بأنها من الأسوأ في التاريخ الحديث، مع استمرار الحصار ونقص الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب.
ويبقى ملف الأسرى الفلسطينيين أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدا في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، حيث يشكل رمزا لمعاناة الفلسطينيين المستمرة، وجزءًا لا يتجزأ من تداعيات الحرب والحصار والاحتلال.