حتى لا يتكرر الإحباط
الذي ألمّ بالشعوب العربية والإسلامية مع عدم تنفيذ مقررات القمم، المتتالية العربية
والإسلامية منذ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي بعد طوفان الأقصى بعد أسابيع، نود التنبيه
إلى عدم توقع نتائج عملية فعالة من
القمة المرتقبة في الدوحة، والتي نعتبرها مجرد أداء
واجب لإعلان التضامن مع
قطر، وهو ما يمثل تكرارا للبيانات التي صدرت عن تلك الدول حفاظا
على مصالحها مع قطر، الدولة الغنية بالغاز الطبيعي والنفط، وذات الواردات السلعية والخدمية
الكبيرة، والتي ترسل تحويلات ضخمة للعمالة في العديد من البلدان ولها استثمارات في
بلدان عديدة.
وحتى لا يتهمنا أحد
بالتشاؤم دعونا نقدم البراهين على ما نتوقعه:
أولا: ما جاء في البيان
الذي صدر عن الرئاسة المصرية بعد محادثة الجنرال المصري مع أمير قطر هاتفيا، والذي
دعا دول العالم لمواجهة هذا الانتهاك
الإسرائيلي الفج، وضمان محاسبة المتورطين فيه
باعتباره انتهاكا واضحا لدولة قطر، وهو نفس الأسلوب الذي اتخذته الدول العربية والإسلامية
من قبل مع مأساة
غزة، حين كررت مناشدتها لدول العالم بالتدخل لوقف
العدوان الإسرائيلي،
دون أن تتخذ هي نفسها أية إجراءات عملية لوقف العدوان، رغم ما لديها من أدوات من تبادل
تجاري وسماح بالمرور بالأجواء الجوية وعلاقات دبلوماسية.
من الدلائل على عدم توقع أي رد فعل عملي من القمة تجاه معاناة غزة، أنه بينما كانوا يصدرون البيانات لمساندة قطر، كان الكيان الإسرائيلي يعزز مساعيه لتهجير سكان مدينة غزة إلى الجنوب، ويهدم أكثر من خمسين برجا سكنيا، ويستمر في قصف السكان ليسقط منهم يوميا عشرات الشهداء، بالإضافة إلى وقف إسرائيل إدخال المساعدات
ولقد تكرر نفس النهج
في كلمة سفير العراق لدى الأمم المتحدة، الذي تحدث نيابة عن المجموعة العربية في جلسة
مجلس الأمن التي ناقشت العدوان على قطر قبل أيام، حين دعا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته
القانونية والأخلاقية إزاء هذه الاعتداءات، كذلك فإنه مع تعدد تصريحات رئيس الوزراء
القطري بعد العدوان على بلاده فإن أقصى مطلب له كان تقديم نتنياهو إلى العدالة.
ثانيا: عدم حدوث أية
إجراءات عملية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي بعد العدوان على قطر، خاصة من الدول
التي لها علاقات مع إسرائيل، ونفس الأمر من جانب باقي الدول العربية المُطبّعة، فلا
أحد سحب سفيرا أو جمد علاقات تجارية أو أوقف مرور البضائع إلى إسرائيل عبر منافذه معها،
أو منع السفن من استخدام موانئه أو الطائرات الإسرائيلية من المرور في أجوائه. ويؤكد
ذلك كلمة سفير الكويت لدى الأمم المتحدة الذي تحدث نيابة عن أعضاء مجلس التعاون الخليجي
في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، حين قال: "إننا نحمّل إسرائيل المسؤولية عن هذا العمل
المشين وتبعاته" وأن "الأمن القومي لدول مجلس التعاون خط أحمر"، وأن
"أي تكرار لمثل هذه الأفعال ستواجه بمواقف جماعية أشد، وإجراءات سياسية وقانونية
رادعة ضمن الأطر المتاحة في المنظومة الدولية". وهكذا يُفهم من حديثه أن رد الفعل
على العدوان الإسرائيلي على سيادة قطر مؤجل حتى يتكرر هذا العدوان.
استبعاد أمريكا من
الإدانة
ثالثا: عدم توقع
أي رد فعل ولو حتى لفظي على المشاركة المؤكدة للولايات المتحدة في العدوان على قطر،
ضمن التوصيات التي ستصدر عن القمة، ويبرهن على ذلك بيان مكتب الإعلام الدولي القطري
الذي رفض ما جاء بتقرير لموقع أكسيوس الإخباري الأمريكي عن إعادة تقييم الدوحة لشراكتها
الأمنية مع واشنطن، وأنها ربما تجد شركاء آخرين قادرين على دعم أمنها عند الحاجة، حيث
وصف مكتب الإعلام القطري ذلك بأنه خاطئ تماما، مؤكدا أن علاقة قطر الأمنية والدفاعية
مع الولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى وتستمر في النمو. وهو ما عززه تصريح نائب رئيس
البعثة القطرية في واشنطن حمد المفتاح، عقب العشاء الذي جمع رئيس الوزراء القطري مع
الرئيس ترامب بحضور المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بعد العدوان؛ بأنه كان عشاء رائعا،
وتأكيد رئيس الوزراء القطري عقب لقائه بنائب الرئيس الأمريكي فانس "تقدير قطر
لشراكتها الوثيقة مع الولايات المتحدة ودعمها لسيادة قطر ومساعيها لتحقيق السلام في
المنطقة".
رابعا: أما يخص توقع
مساندة عملية من القمة لمأساة غزة، فهو أمر مستبعد حدوثه وسيقتصر الأمر على بعض عبارات
الشجب والإدانة المعتادة، ويبرهن على ذلك أن بيانات الإدانة التي صدرت من العديد من
الدول العربية والإسلامية بعد العدوان على قطر، لم يستنكر أي منها قتل موظفي مكتب قادة
حماس في قطر، في موقف مشابه لموقف ترامب حين أبدى عدم رضاه عن العدوان على قطر كمكان،
لكنه يوافق على قتل قادة حماس.
ومن الدلائل على عدم
توقع أي رد فعل عملي من القمة تجاه معاناة غزة، أنه بينما كانوا يصدرون البيانات لمساندة
قطر، كان الكيان الإسرائيلي يعزز مساعيه لتهجير سكان مدينة غزة إلى الجنوب، ويهدم أكثر
من خمسين برجا سكنيا، ويستمر في قصف السكان ليسقط منهم يوميا عشرات الشهداء، بالإضافة
إلى وقف إسرائيل إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم في الثاني عشر من الشهر الحالي،
ووفاة 411 شخصا بسبب الجوع منهم 142 طفلا حتى الجمعة الماضية، وتحذير الأمم المتحدة
من أن كامل سكان غزة سيكونون في حالة مجاعة بنهاية الشهر الحالي، وتوسيع نتنياهو للمستوطنات
في الضفة لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، وتأكيد إسرائيل على بدء تهجير الفلسطينيين
بداية من الشهر المقبل جوا وبحرا.
الجمعية العامة تدعو
لنزع سلاح المقاومة
لكن كل تلك الأحداث
لم تحرك قادة الدول العربية والإسلامية سوى بالاستمرار في إصدار بيانات الإدانة بين
الحين والآخر، رغم وصول عدد الشهداء إلى حوالي 65 ألف شخص بخلاف من ما زالوا تحت الأنقاض
إلى جانب 164 ألف جريح، حسب أرقام حكومة غزة التي أكدها تصريح الرئيس السابق لأركان
جيش الكيان هرتسي هاليفي؛ من أن حصيلة الحرب على غزة تجاوزت 200 ألف شخص قتلوا أو أصيبوا،
أي نحو 10 في المائة من سكان غزة، فيما أشارت بيانات استخباراتية إسرائيلية مُسربة
إلى أن أكثر من 83 في المائة من الضحايا هم من المدنيين.
خامسا: ها هو العدوان
على قطر ووصول الانتهاكات الإسرائيلية إلى منطقة الخليج؛ يؤكد أن كل الدول العربية
أصبحت في متناول العدوان الإسرائيلي، مع تهديد نتنياهو الدول التي تؤوي قادة للمقاومة
بطردهم أو محاكمتهم أو أنها ستقوم بنفسها بالمهمة، وبما يعني أن الأمن القومي لكل بلد
عربي أصبح مهددا، خاصة بعد الإعلان عن السعي لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات
على حساب أراضي عدة دول عربية.
الأنظمة رغم تبيان العدوان على قطر عدم حماية أمريكا لها كما كان يزهو ترامب، ما زالت على قناعاتها بحماية أمريكا وإسرائيل لعروشها، ولهذا فإنها ماضية في نفس غيّها، مهما استمرت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية وسوريا واليمن ولبنان، أو المسجد الأقصى
رغم كل تلك الكوارث
والمخاطر الواضحة للعيان والتي كانت تحتم مساندة المقاومة، باعتبارها أصبحت بعد العدوان
على قطر جزءا من الأمن القومي لتلك البلدان بشكل أوضح مما سبق، إلا أن نهج تلك البلدان
ظل كما كان مشاركا في حصار غزة أو متخاذلا، وبدلا من دعم المقاومة فإنهم يتبنون المطالب
الغربية لنزع سلاح المقاومة، وهو ما ورد في بيان الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير
بإقرار إعلان نيويورك برئاسة كل من فرنسا والسعودية؛ سعيا لحل الدولتين.
فقد نص القرار على
نزع سلاح حماس وإقصاءها عن الحكم في غزة، وإدانة حماس في هجومها على إسرائيل، والدعوة
للتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وهو القرار الذي حظى بتأييد 142 دولة ومعارضة
عشر دول، وامتناع 12 دولة كان من بينها دولتان عضوان بمنظمة التعاون الإسلامي هما الكاميرون
وألبانيا.
سادسا: كان من الممكن
أن توجه الدول العربية رسائل رمزية لإسرائيل بعد عدوانها على قطر، بالإفراج عمن تم
اعتقالهم عقب فعاليات مساندة لغزة في مصر، أو إفراج السعودية عن الفلسطينيين المحبوسين
لديها دون اتهام، أو التغاضي عن الحملات الشعبية لمقاطعة الشركات العالمية المستمرة
في التبرع للجيش الإسرائيلي، أو السماح للفعاليات المساندة لغزة ولو في أماكن مغلقة
كملاعب الكرة، لكن السلوك المعادي للمقاومة ظل كما هو، وها هي الإدارة المصرية تعطل
مبادرة مصرية للمشاركة في أسطول الحرية المتجه إلى غزه، استمرارا لقمعها لمسيرة الصمود
العالمية التي حاولت الوصول إلى معبر رفح في حزيران/ يونيو الماضي.
وهكذا، فإن تلك الأنظمة
رغم تبيان العدوان على قطر عدم حماية أمريكا لها كما كان يزهو ترامب، ما زالت على قناعاتها
بحماية أمريكا وإسرائيل لعروشها، ولهذا فإنها ماضية في نفس غيّها، مهما استمرت الاعتداءات
الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية وسوريا واليمن ولبنان، أو المسجد الأقصى أو حتى
الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، حيث يظل مسيطرا على عقولهم المقولة الرائجة "أنا
ومن بعدي الطوفان"، وتصورهم أن أمريكا وإسرائيل والغرب هم الذين يحمونهم، ولهذا
فلا بد من خدمة مصالحهم وتنفيذ مخططاتهم مهما أضرت بالأمن القومي لبلادهم!
x.com/mamdouh_alwaly