واقع جديد يعيشه العالم
والدول
العربية والإسلامية بالتزامن مع إعلان خطة
ترامب للسلام، ورد حماس بالموافقة
على إطلاق الأسرى، رغم عدم ضمان تنفيذ ما جاء في الخطة؛ من إطلاق للأسرى الفلسطينيين،
وانسحاب القوات الإسرائيلية من
غزة وإدخال المساعدات بالكميات المطلوبة وإعادة الإعمار،
أو حتى ما قيل عن وقف التهجير، فكل الشواهد العملية تشير إلى عدم تنفيذ كل من إدارة
ترامب ونتنياهو لتعهداتهما السابقة تجاه الفلسطينيين.
واقع جديد تتواطأ
فيه الأنظمة الحاكمة عربيا وإسلاميا على
المقاومة، حيث تطالبها بتسليم سلاحها منذ مؤتمر
نيويورك الذي رعته السعودية وفرنسا، وها هي مع موافقتها على خطة ترامب تطالبها كذلك
بتدمير أماكن تصنيع السلاح والأنفاق، وتوافق على ألا يكون لها أي دور مباشر أو غير
مباشر في حكم غزة، والذي سيشرف عليه مجلس سلام دولي يرأسه ترامب.. ترامب الذي أمد إسرائيل
بكل أنواع الدعم السياسي والعسكري، وأبطل سعى مجلس الأمن لوقف القتال عدة مرات، ونفى
وجود إبادة جماعية في غزة، واستقبل نتنياهو مرات رغم ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية
له، بل قام بملاحقة أعضاء في المحكمة الجنائية عقابا لهم على قرارهم تجاه رئيس الوزراء
الإسرائيلي، واتخذ مواقف متشددة تجاه الجامعات الأمريكية التي سمحت بالتظاهر لنصرة
فلسطين، والأمر بالترحيل للطلاب الأجانب المناصرين لفلسطين، والتشدد مع دول ساندت الحقوق
الفلسطينية مثل جنوب أفريقيا والبرازيل وكولومبيا وغيرها.
هكذا تسببت تلك الظروف الدولية والمحلية في موافقة المقاومة على تسليم الأسرى كدفعة واحدة، رغم عدم ثقتها في أية ضمانات يعد بها ترامب أو نتنياهو
تحول بموقف الحلفاء
القدامى للمقاومة
وهكذا لم يكن موقف
الأنظمة الحاكمة عربيا وإسلاميا جديدا، حين تخاذلوا عن نصرة سكان غزة الذين تعرضوا
لأبشع أشكال الإبادة الجماعية، ولم ينضموا إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل
الدولية، والتي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، ولم يستطيعوا كسر الحصار على سكان
غزة وتجويعهم، مع منع إدخال الطعام والدواء والوقود وسبل الإيواء لمن قُصفت بيوتهم
وآليات رفع الأنقاض، في حين استمرت علاقاتهم الدبلوماسية والتجارية مع دولة الاحتلال، والمشاركة في المزيد من الضغط على
سكان غزة ومقاومتها حتى تستسلم.
وتسبب القصف الإسرائيلي
لقطر بمرحلة جديدة من الضغط على المقاومة، حيث رأت قطر أن أمنها الخاص أصبح له الأولوية،
فقامت بالمزيد من الضغط على المقاومة سواء لقبول خطة ترامب، أو للبحث عن مكان آخر لقياداتها،
وكذلك فعلت تركيا حين ساومت على الموقف الأمريكي تجاه سوريا، وعلى شراء طائرات إف 35
الأمريكية على حساب سلاح المقاومة، وها هو ترامب يشيد مؤخرا بضغط تركيا على حماس لقبول
خطته.
أما حكومات دول مثل
الإمارات والسعودية والبحرين والأردن ومصر، فقد ظلت تتعجل الجانب الإسرائيلي للقضاء
على المقاومة منذ الأسابيع الأولى للحرب، وسخّرت وسائل إعلامها للطعن في المقاومة طوال
العامين الماضين وما قبلهما، وساءها صمود المقاومة وشعب غزة والضفة الغربية، ومنعت
الفعاليات الشعبية للتضامن مع غزة أيا كان شكلها.
وها هي دول عربية
وإسلامية مثل السعودية وباكستان وإندونيسيا تجهز نفسها للتطبيع مع إسرائيل، بالتوازي
مع بدء تنفيذ خطة ترامب، دون انتظار تحقق الدولة الفلسطينية كما كانت تردد قبل ذلك،
رغم إدراكها باستحالة تحقق تلك الدولة الفلسطينية في ظل انتشار المستوطنات في الضفة
الغربية، واستمرار التواجد الإسرائيلي في غزة حسب خطة ترامب؛ بمبرر التحوط من أية أخطار
على الأمن الإسرائيلي ودون أي سقف زمني.
حصار عربي وإسلامي
وأوروبي للمقاومة
واقتصر الموقف الرسمي
الأوروبي على بيانات الشجب والإدانة لبعض عمليات القتل الجماعي في غزة، خاصة حينما
تتعلق بأعضاء منظمات إغاثية دولية، أو تعرض دبلوماسيين أجانب لحادث إطلاق نار في الضفة
الغربية، أو قصف مستشفيات يسفر عن ضحايا. وفشل الاتحاد الأوروبي في القيام بأي إجراء
عملي تجاه دولة الكيان، ولو حتى بالتعطيل الجزئي لبعض المزايا الممنوحة لها في اتفاقية
التجارة الحرة بينهما، أو حتى وقف مشاركتها في بطولات رياضية أوروبية، رغم فعل ذلك
مع روسيا بسبب عدوانها على أوكرانيا!
وهكذا وجدت المقاومة
نفسها محاصرة ليس فقط من قبل إسرائيل منذ عام 2007، ولكن من قبل دول الجوار العربية
ودول عربية أخرى منذ ذلك الحين، مثل مصر والسعودية، وهو الحصار الذي اتسع نطاقه عربيا
خلال السنوات الأخيرة، ومن قبل الدول الأوروبية التي تعتبر المقاومة إرهابية؛ حتى من
قبل دول اعترفت بالدولة الفلسطينية.
وعلى الجانب الآخر،
فقد فقدت المقاومة كثيرا من قيادات الصف الأول حين تقدموا الصفوف خلال العمليات العسكرية.
مع تحويل إسرائيل غزة -بدعم أمريكي أوروبي- إلى منطقة غير صالحة للعيش، من حيث هدم
أماكن السكان وتدمير المرافق والمستشفيات والمدارس والمعامل الصناعية والأراضي الزراعية،
حتى يضطر السكان إلى النزوح الطوعي الاضطراري بعد فشلها في إجبارهم على الهجرة.
وهكذا تسببت تلك الظروف الدولية والمحلية في موافقة المقاومة على تسليم الأسرى
كدفعة واحدة، رغم عدم ثقتها في أية ضمانات يعد بها ترامب أو نتنياهو، نظرا لتجاربها
السابقة معهما، من حيث انتهاك إسرائيل لاتفاقية الهدنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
بعد أسبوع واحد فقط، وانتهاك هدنة كانون الثاني/ يناير 2025 بعد شهرين؛ لم يتحقق خلالهما
إدخال الغذاء والوقود ولوازم الإيواء ومعدات رفع الأنقاض بالقدر الذي نص عليه الاتفاق،
دون أن يتدخل الوسيط الأمريكي لإكمال مسار المفاوضات كما كان مقررا، بل قام بخداع المقاومة
حين رهن الإفراج عن أسير إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية بتحقيق بعض الانفراج، ولم
يف بوعده.
وها هي دولة الكيان تستمر بشكل شبه يومي في انتهاك اتفاقها مع لبنان في تشرين
الثاني/ نوفمبر 2024، وهي التي ألغت اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا والتي أبرمت عام
1974، ودائما ما تجد الحليف الأمريكي مساندا لها في كل مواقفها أيا كانت، حتى في قتل
الساعين للحصول على الغذاء من قبل ما تسمى منظمة غزة الإنسانية، وها هو ترامب قد طالب
إسرائيل مساء الجمعة الماضي بعد إعلان حماس الموافقة على خطته، بالتوقف الفوري عن قصف
غزة حتى يتم التمكن من إخراج "الرهائن" بأمان وسرعة، أي ليس من أجل سلامة
سكان غزة.
مساندة غزة أمن قومي لدول الجوار
على الشعوب العربية أن تدرك أنها حينما تساعد غزة بكل ما تستطيع من سبل، فإنها تدافع عن الأمن القومي لبلادها، وأن تدرك أن دولة الكيان مدعومة من الغرب عندما تتمكن من إخضاع غزة، فإنها ستتوجه مباشرة لإخضاع باقي الدول التي ترى فيها تهديدا لأمنها
ومع ذلك، فقد استمرت دولة الكيان في القصف ليسفر اليوم الأول لما بعد مطالبة
ترامب بوقف القصف؛ عن استشهاد 70 شخصا وإصابة العشرات وفقدان 20 شخصا تحت الأنقاض،
وذلك في مناطق حي الزيتون وحي الصبرة وحي التفاح ومفترق اللبابيدى ومركز مساعدات نتساريم
وشمال مخيم النصيرات، رغم تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه قد أصدر تعليماته للجيش
بتقليص العمليات العسكرية، فماذا كان موقف ترامب؟ لا شيء كالعادة.
لذا تدرك المقاومة أكثر من غيرها أنها تتعامل مع أطراف لا ثقة في تعهداتهم،
ومع وسطاء منحازين للعدو، وتدرك أن خطة ترامب ما هي إلا إخراج بشكل مختلف لخطته السابقة
بتهجير سكان غزة لدول أخرى وإقامة الريفيرا، وأنه كمطور عقاري لم يتخل عن مساعيه السابقة
ولهذا أدخل كوشنر وبيتكوف في الخطة، في ظل الترابط بين الشركات التابعة لكل من زوج
ابنة ترامب، وابنه وابن المطور العقاري ويتكوف، كما توقن المقاومة بسعي نتنياهو لاستمرار
القتال في غزة بعد حصوله على الأسرى، وإسكات صوت أسرهم الذين أزعجوه بتظاهراتهم، وأن
الدول الأوروبية مستمرة في دعم دولة الكيان رغم ما تدعيه بعضها من مواقف منددة بالإبادة
الجماعية، نظرا لقيامها بتنفيذ العمليات القذرة في المنطقة نيابة عن الغرب كما قال
المستشار الألماني.
لكن المقاومة تتعامل مع الواقع الحالي قدر استطاعتها بعد عامين من الصمود الأسطوري،
لذا يصبح واجب الوقت على كافة الشعوب العربية والإسلامية وعلى القوى الحرة في العالم
مساندة حقوق الشعب الفلسطيني، حتى لا يتم تنفيذ بنود اتفاقية الاستسلام التي حدد نتنياهو
بنودها وأعلنها ترامب، والتي تُسقط شرعية المقاومة للمحتل مستقبلا، ولهذا تصبح مؤازرة
المقاومة وسكان غزة أمرا مهما، لتعزيز أسباب البقاء وتقليل الهجرة الطوعية الاضطرارية.
وعلى الشعوب العربية أن تدرك أنها حينما
تساعد غزة بكل ما تستطيع من سبل، فإنها تدافع عن الأمن القومي لبلادها، وأن تدرك أن
دولة الكيان مدعومة من الغرب عندما تتمكن من إخضاع غزة، فإنها ستتوجه مباشرة لإخضاع
باقي الدول التي ترى فيها تهديدا لأمنها، سواء في لبنان أو سوريا أو اليمن وحتى إيران
وتركيا، إلى جانب سعيها لإقامة دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات، على
حساب أراضي فلسطين والأردن وأجزاء من العراق ومصر والسعودية والكويت وسوريا ولبنان.
x.com/mamdouh_alwaly