أعلنت مندوبة
صندوق النقد الدولي في
مصر، في الثالث والعشرين من الشهر الحالي،
موافقة خبراء الصندوق على المراجعتين الخامسة والسادسة لقرض الصندوق الممدد لمصر، وهو
ما يتيح لمصر الحصول على 1.25 مليار دولار عن كل من المراجعتين. وكان الموعد الأصلي
للمراجعة الخامسة في منتصف آذار/ مارس من العام الحالي، لكن الصندوق أعلن في تموز/
يوليو الماضي عن دمج المراجعة الخامسة مع المراجعة السادسة التي كان موعدها منتصف أيلول/
سبتمبر الماضي، ولم يقم خبراء الصندوق بزيارة القاهرة إلا في بداية الشهر الحالي
حيث استمرت مباحثاتهم 11 يوما.
وكان السبب المعلن لتأجيل المراجعتين الخامسة والسادسة لقرض الصندوق البالغة
قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار، هو تقاعس الحكومة المصرية عن تنفيذ ما وعدت به من
خصخصة للشركات الحكومية، لكن موافقة خبراء الصندوق على المراجعتين جاءت رغم عدم وفاء
الحكومة بما وعدت به من تخارج من الشركات، وأبرزها بنك القاهرة، وتدنى قيمة طروحاتها
بالمقارنة بما وعدت الصندوق به، ليظل السؤال إذا: لماذا وافق خبراء الصندوق على المراجعتين
طالما أن الحكومة المصرية لم تلتزم بما وعدت به؟
الجواب الواضح هو الموقف المصري في حرب غزة، حين سكتت مصر عن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على غزة رغم مشاركتها كوسيط في وقف إطلاق النار
والجواب الواضح هو الموقف المصري في حرب غزة، حين سكتت مصر عن استمرار الاعتداءات
الإسرائيلية على غزة رغم مشاركتها كوسيط في وقف إطلاق النار في التاسع من تشرين الأول/
أكتوبر الماضي، وعدم قيامها بإدخال أية معدات لرفع الأنقاض فيما عدا معدات البحث عن
جثامين الإسرائيليين، وكذلك عدم قيامها بإدخال أية كرافانات لحماية سكان غزة من الأمطار
التي أغرقت الخيام خلال موجات البرد المتكررة، ولهذا تجاوز خبراء الصندوق بتعليمات
أمريكية عن العديد من صور عدم التزام الحكومة المصرية بما وعدت به من قبل في إطار برنامج
أقساط القرض الثمانية النصف سنوية.
ومن ذلك ما وعدت به في مراجعات سابقة من نشر ميزانيات الشركات الحكومية وميزانيات
الشركات التابعة للجيش، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل لقد تدهورت صورة الإفصاح والشفافية
من جانب الجهات الحكومية المصرية عن ذي قبل، رغم وعودها للصندوق بالمزيد من الإفصاح،
فها هي بيانات البنوك المصرية التي تصدر عبر نشرة شهرية للبنك المركزي تتوقف عند شهر
حزيران/ يونيو رغم اقتراب الشهر الأخير من العام من نهايته، كما توقف البنك المركزي
عن نشر بيانات الدين العام الداخلي منذ حزيران/ يونيو 2020، وتوقفت وزارة المالية عن
نشر بيانات الشركات الحكومية منذ العام المالي 2022/2023 الذي انتهي في حزيران / يونيو
2023، وتوقفت وزارة السياحة عن إعلان البيانات التفصيلية للسياحة المصرية منذ عام 2018،
ولم تلتزم بما وعدت من إصدار تقارير دورية لجهاز المحاسبات.
الموقف من غزة سبب زيادة القرض
ومن الطبيعي أن يتساءل البعض عما نذكره عن الدور الأمريكي في قرارات صندوق النقد
الدولي، خاصة وأنها تمتلك حصة 16.49 في المائة من حقوق التصويت في الصندوق فقط، وهنا
نذكر أن الولايات المتحدة بنفوذها وضعت نصا يحدد النصاب المطلوب للموافقة على قروض
الصندوق بنسبة 85 في المائة من حقوق التصويت، وبالتالي فإنه لو اجتمعت حصص دول العالم
بدونها والبالغة 83.5 في المائة، فإنها لا تكفي للموافقة على منح القروض، أي أنها تستطيع
تعطيل الحصول على أي قرض إذا لم توافق عليه، خاصة وأن أكبر نسبة حقوق تصويت تالية لها
هي لليابان بنسبة 6.14 في المائة والصين 6.08 في المائة وألمانيا 5.31 في المائة.
ويتذكر المتابعون لعلاقة مصر مع الصندوق أنه اتفق مع مصر في تشرين الأول/ ديسمبر
2022 على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وكان مقررا إجراء المراجعة الأولى للقرض في منتصف
آذار/ مارس 2023، والمراجعة الثانية في منتصف أيلول/ سبتمبر 2023، لكن الصندوق لم يقم
بإجراء المراجعتين طوال عام 2023 اعتراضا على عدم استجابة مصر لإجراء سعر صرف مرن،
واتخاذ خطوات أكثر في مجال الخصخصة، مما جمّد صرف 700 مليون دولار، الأمر الذي دفع
مصر للجوء للولايات المتحدة لحل المشكلة، استنادا إلى موقف الإدارة المصرية من حرب
غزة والمشاركة في حصارها، وإمداد إسرائيل بالسلع الغذائية وغيرها، والتسهيلات التي
قدمتها الموانئ المصرية للسفن العسكرية الذاهبة إلى إسرائيل ومرور سفنها الحربية في
قناة السويس.
وكان لقاء وزير المالية المصرية ووزيرة التعاون الدولي ومحافظ البنك المركزي
المصري بوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في واشنطن، لطلب مساعدة تمويلية إضافية
من الصندوق في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2024، وكانت النتيجة لتدخلها أنه خلال
أقل من شهرين وافق الصندوق على زيادة قيمة قرضه لمصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات
دولار في آذار/ مارس، كما تم إقرار المراجعتين الأولى والثانية من القرض في نفس الشهر،
الأمر الذي يشير إلى أن الإدارة الأمريكية لم تعد تكتفي برضاها عن النظام السياسي في
الدولة الراغبة في الاقتراض من صندوق النقد، بل لقد أدخلت عاملا إضافيا مع الدول العربية
وغيرها يتمثل في ضرورة تعضيد تلك الدولة الراغبة في الاقتراض من الصندوق لعلاقاتها
بإسرائيل، وهو ما أكدته التجربة المصرية مع الصندوق وتكرار ذلك مع كل من الأردن والمغرب،
حيث تسير علاقتهما الافتراضية بالصندوق بشكل جيد اتساقا مع علاقتهما الجيدة مع إسرائيل،
كما تؤكده علاقة كل من السودان وسوريا ولبنان بإسرائيل، وهو ما سنعرض جانبا منه.
علاقة السودان بإسرائيل أعادت الصندوق إليه
فقد ظلت علاقات الولايات المتحدة بالسودان متوترة منذ عام 1993، حين أدرجت الخارجية
الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب آب/ أغسطس 1993، وإيقاف أمريكا سفارتها
في الخرطوم عام 1996، وفرض عقوبات أمريكية مالية وتجارية على السودان وإلزام الشركات
والمواطنين الأمريكان بعدم الاستثمار والتعاون
الاقتصادي مع السودان عام 1997، حتى
كان طرح وزير الخارجية السوداني مسألة تطبيع السودان مع إسرائيل في كانون الثان/ يناير
2016، وفي العام التالي رفع الرئيس أوباما العقوبات جزئيا عن السودان.
الإدارة الأمريكية لم تعد تكتفي برضاها عن النظام السياسي في الدولة الراغبة في الاقتراض من صندوق النقد، بل لقد أدخلت عاملا إضافيا مع الدول العربية وغيرها يتمثل في ضرورة تعضيد تلك الدولة الراغبة في الاقتراض من الصندوق لعلاقاتها بإسرائيل
وبعد لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح الرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي
نتنياهو في أوغندا، في شباط/ فبراير 2020، أعلن البنك المركزي السوداني في الشهر التالي
انتهاء كل أشكال العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان، وفي نفس يوم إعلان السودان
وإسرائيل إقامة علاقة دبلوماسية بينهما في 23 تشرين أول/ أكتوبر 2020، أعلن الرئيس
الأمريكي رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد 27 عاما من الإدراج.
وانعكس ذلك على علاقة السودان بصندوق النقد الدولي حيث أعلن المجلس التنفيذي للصندوق
في أيلول/ سبتمبر 2020 إقراره برنامجا للسودان يتابعه خبراء الصندوق، مدته 12 شهرا.
وفي 29 حزيران/ يونيو 2021 أعلن المجلس التنفيذي للصندوق موافقته على اتفاق
لإقراض الصندوق للسودان بقيمة 2.473 مليار دولار خلال 39 شهرا، كما أعلن المجلس التنفيذي
لصندوق النقد والمجلس التنفيذي للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي في بنفس
اليوم؛ اتخاذ الخطوات اللازمة كي يبدأ السودان الحصول على تخفيف أعباء الديون من خلال
المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك) بقيمة 23.3 مليار دولار،
كما تمت عمليات تسوية للمتأخرات المستحقة على السودان لصندوق النقد الدولي بدعم من
فرنسا، وكذلك المتأخرات على السودان لصالح بنك التنمية الأفريقي من خلال إنجلترا والسويد
وأيرلندا، وتسوية المتأخرات على السودان للمؤسسة الدولية للتنمية من خلال تمويل أمريكي.
مباحثات سوريا وإسرائيل وزيارة الصندوق لها
وها هي العلاقات بين سوريا وصندوق النقد الدولي تتجدد بعد لقاء الرئيس السوري
أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب في الرياض، في أيار/ مايو 2025، ثم في واشنطن في
تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث قام فريق من خبراء الصندوق بزيارة دمشق في الفترة
من الأول حتى الخامس من حزيران/ يونيو الماضي، أي بعد أسبوعين من لقاء الرئيسين، للنقاش
مع المسؤولين السوريين حول أولويات بناء القدرات لدعم تعافي الاقتصاد السوري.
ثم قام فريق من موظفي الصندوق بزيارة دمشق في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر
الماضي، للاتفاق على برنامج مكثف للمرحلة القادمة وهو نفس يوم لقاء الشرع وترامب في
واشنطن، وسبق ذلك بيوم واحد لقاء الرئيس السوري بمديرة الصندوق في مقر الصندوق. ورافق
تحسن العلاقات السورية الأمريكية والحوار السوري مع الصندوق، مباحثات بين وزير السوري
أسعد الشيباني ومسؤولين إسرائيليين، جرى الإعلان عن بعضها مما تم في تموز/ يوليو وآب/
أغسطس الماضيين.
أما عن لبنان، فقد تم الإعلان في نيسان/ أبريل 2022 عن اتفاق بين الصندوق ولبنان
على مستوى خبراء الصندوق، على اتفاق قرض بقيمة 3 مليار دولار لمدة أربع سنوات، وهو
ما كان يتطلب موافقة المجلس التنفيذي للصندوق، الذي أرجأ الموافقة بسبب الظروف السياسية
للبلاد، وكان المفترض أن تتم الموافقة بعد اختيار رئيس جديد للبلاد في كانون الثاني/
يناير الماضي وتكليف رئيس الوزراء نواف سلام في شباط/ فبراير الماضي.
إلا أن الإدارة الأمريكية ربطت اقراض لبنان بشرط نزع سلاح حزب الله، كما سعت
إلى تطوير اللجنة التقنية العسكرية بين لبنان وإسرائيل، المنبثقة عن اتفاق وقف إطلاق
النار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 والتي ترأسها الولايات المتحدة، ليتم إدخال مدنيين
إلى اللجنة لتوسيع مجال عملها إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث طرحت إسرائيل
في الاجتماع الثاني الشهر الحالي إقامة منطقة اقتصادية في الجنوب ومشاريع زراعية، ولهذا
لا نتوقع قيام الصندوق بتقديم أية قروض للبنان قبل وجود تعاون اقتصادي بين لبنان وإسرائيل.
x.com/mamdouh_alwaly