مقابلات

الاتحاد الدولي للصحفيين لـ"عربي21": إسرائيل لن تستطيع إسكات الصحافة مهما فعلت

فيليب لوروث أكد أن طالما رفض الصحفيون أن يُسكتوا سيظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية- مواقع التواصل
فيليب لوروث أكد أن طالما رفض الصحفيون أن يُسكتوا سيظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية- مواقع التواصل
قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين، فيليب لوروث، إن "إسرائيل لن تستطيع إسكات الصحافة مهما فعلت"، مؤكدا أن "الصحفيين الشجعان في غزة، وغيرها من مناطق الصراع، يواصلون عملهم بتفانٍ رغم التحديات والمخاطر الكبيرة التي يواجهونها، وبالرغم من محدودية الدعم الذي يتلقونه من المنظمات الدولية، فإنهم يواصلون أداء رسالتهم الإنسانية والمهنية في توثيق الأحداث ونقلها للعالم".

وأضاف لوروث، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "عندما أقارن بين عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في أوكرانيا وعدد الصحفيين الذين قُتلوا في قطاع غزة، يتضح أن العدد في غزة أكبر بعشر مرات، رغم أن الصراع في أوكرانيا استمر لسنوات أطول، مما يعكس حجم الخطر الفادح الذي يواجهه الصحفيون في محاولتهم نقل الحقيقة وإطلاع العالم على ما يحدث هناك".

واستطرد قائلا: "يجب حماية الصحفيين بصفتهم مدنيين، وعلى جميع الجيوش في العالم الالتزام بعدم استهداف الصحفيين المعرّفين بوضوح على هذا الأساس. خلال فترة رئاستي للاتحاد الدولي للصحفيين بين عامي 2016 و2019، سعينا لدى الحكومات لاعتماد إعلان على مستوى الأمم المتحدة يضمن حماية الصحفيين، ولا يزال الاتحاد الدولي للصحفيين يواصل الضغط في هذا الاتجاه".

وحول مستقبل الصحافة في غزة، تابع لوروث: "طالما أن الصحفيين يرفضون أن يُسكتوا، يظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية. من الضروري أن يستمر الضغط وبشكل أكبر على السلطات الإسرائيلية لوقف استهداف الصحفيين، وعلى المجتمع الدولي وجميع المنظمات المعنية بحرية الصحافة دور أساسي في دعم هؤلاء الصحفيين، لأن الصحافة الحرة تمثل الضمان الأساسي لاطلاع الجمهور على الحقائق".

والاثنين، اُستشهد ما لا يقل عن 20 فلسطينيا بينهم 5 صحفيين و4 من العاملين بمجال الرعاية الطبية، بمجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي استهدفت مبنى الطوارئ في "مستشفى ناصر" بمدينة خان يونس.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة ارتفاع حصيلة القتلى الصحفيين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 246، عقب مقتل 6 صحفيين هم 5 بالهجوم على مستشفى ناصر والسادس بمنطقة المواصي بخان يونس.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلّفت الإبادة 62 ألفا و819 شهيدا، و158 ألفا و629 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 303 فلسطينيين، بينهم 117 طفلا.

وتاليا نص مقابلة "عربي21" مع الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين:

كيف تقيّمون حجم وخطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون في غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي وحتى اليوم؟


الصحفيون مدنيون ويجب حمايتهم على هذا الأساس. لكن، وبصفتهم صحفيين محددين بوضوح بارتداء خوذات وسترات واقية تحمل كلمة PRESS بشكل ظاهر، فإنه يتعيّن أن يحظوا بحماية خاصة؛ إذ إنهم يؤدون دورا جوهريا في ضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات. وحين تمنع إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة، فإنها تمارس الرقابة المرفوضة بالنسبة لنا، وعندما تقتل الصحفيين، فإنها ترتكب "جريمة ضد الإنسانية".

أود أن أعبر عن حزني وغضبي العميق إزاء مقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين في قطاع غزة؛ فكل مرة يُستهدف فيها الصحفيون، يكون سبب الاستهداف واضحا: كونهم صحفيين، وهناك عدد كبير من الناس الذين يُعبّرون عن قلقهم واستنكارهم لهذه الجرائم المؤسفة.

برأيكم، هل يمكن تصنيف استهداف الصحفيين في غزة ضمن "جرائم الحرب" وفقا للقانون الدولي الإنساني؟

من وجهة نظري، وكما أشرت في إجابتي على السؤال الأول، أعتبر أن هذا يُشكّل "جريمة ضد الإنسانية"، إضافة إلى كونه "جريمة ضد حرية الصحافة" و"جريمة ضد حرية التعبير"، لأن الصحفيين يشكّلون الشهود على ما يحدث في غزة، ويسجلون الأحداث ويوثّقونها بأقلامهم وكاميراتهم، لا سيما في ظل الرقابة الصارمة التي تفرضها إسرائيل على العمل الإعلامي والصحفي هناك.

كيف تقيّمون بيئة العمل الصحفي في غزة حاليا، في ظل استمرار القصف والحصار المستمرين، وهل باتت ممارسة المهنة هناك شبه مستحيلة؟

إن ممارسة الصحافة في مناطق النزاع والحروب تشكّل خطرا كبيرا بطبيعتها؛ فهي تتطلب شجاعة ومثابرة استثنائية. وعندما أقارن بين عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في أوكرانيا وعدد الصحفيين الذين قُتلوا في قطاع غزة، يتضح أن العدد في غزة أكبر بعشر مرات، رغم أن الصراع في أوكرانيا استمر لسنوات أطول، مما يعكس حجم الخطر الفادح الذي يواجهه الصحفيون في محاولتهم نقل الحقيقة وإطلاع العالم على ما يحدث هناك.

ومع ذلك، فإن هذا الخطر لم يفلح في إسكات الصحافة، فهناك صحفيون شجعان يواصلون عملهم بتفانٍ رغم التحديات الكبيرة، وبالرغم من محدودية الدعم الذي يحصلون عليه من المنظمات الدولية، يواصلون أداء رسالتهم الإنسانية والمهنية في توثيق الأحداث ونقلها للعالم، وبالتالي فإن إسرائيل لن تستطيع إسكات الصحافة.

في ضوء الاستهداف المباشر والمتكرر للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، كيف يمكن ضمان استمرار التغطية الصحفية لما يجري في غزة؟

كما ذكرت في إجابتي السابقة، لا يمكن إسكات الصحافة، فهي تمثل الشاهد الحيوي والضامن الأساسي لنقل الحقيقة حول ما يحدث في غزة. رغم المخاطر الكبيرة والتهديدات المستمرة، يواصل الصحفيون عملهم بشجاعة لتوثيق الأحداث وإطلاع العالم على الوقائع، ما يجعل دعم المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحرية الصحافة أمرا ضروريا لضمان استمرار هذه التغطية.

ما المسؤوليات الأخلاقية والقانونية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي فيما يتعلق بحماية الصحفيين في غزة؟

يجب حماية الصحفيين بصفتهم مدنيين، وعلى جميع الجيوش في العالم الالتزام بعدم استهداف الصحفيين المعرّفين بوضوح على هذا الأساس. خلال فترة رئاستي للاتحاد الدولي للصحفيين بين عامي 2016 و2019، سعينا لدى الحكومات لاعتماد إعلان على مستوى الأمم المتحدة يضمن حماية الصحفيين، ولا يزال الاتحاد الدولي للصحفيين يواصل الضغط في هذا الاتجاه. وبالرغم من ذلك، فإن المبادئ المتعلقة بحماية الصحفيين معترف بها ومكرّسة على الصعيدين الدولي والوطني، مما يضع على عاتق المجتمع الدولي واجب ضمان تطبيقها وحماية الصحفيين في مناطق النزاع والحروب.

لكن لماذا يفشل العالم في حماية الصحفيين الفلسطينيين؟ وهل تعتقدون أن هناك ازدواجية في المعايير لدى المجتمع الدولي في تعامله مع جرائم إسرائيل ضد الصحفيين مقارنة بصراعات أخرى؟

إن هذا السؤال يستحق التفكير مليا؛ فهو يثير قضية حساسة ومهمة. ومع ذلك، لا أجرؤ على الإجابة عليه بالإيجاب؛ إذ هناك العديد من الصراعات في العالم التي لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام.

لكن من الواضح أنه لو سُمح للصحفيين الغربيين أو الأجانب بالذهاب إلى غزة، وربما لو تعرّضوا للقتل هناك، لكان رد الفعل من الحكومات حول العالم أشد قوة وغضبا مما نشهده حاليا. ومع ذلك، أكرر أن العديد من الدول غاضبة وقد تفاعلت بالفعل مع أفعال إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها لم تعد تحتمل ما تقوم به إسرائيل.

هل يسعى الاتحاد الدولي للصحفيين أو منظمات أخرى إلى رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الصحفيين؟

لست متأكدا تماما مما إذا كان الاتحاد الدولي للصحفيين أو منظمات أخرى يمكنها مقاضاة دولة مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ يتطلب ذلك توثيقا دقيقا وشاملا للقضية. ومع ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه نتيجة الأفعال والجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، وكذلك ضد قادة حركة حماس، بسبب قتل حماس لمواطنين إسرائيليين وأخذ رهائن في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي أفعال تُصنّف كجرائم ضد الإنسانية. وبمجرد بدء الإجراءات أمام المحكمة، يمكن للاتحاد الدولي للصحفيين والمنظمات المعنية الانضمام إلى القضية لدعم المسار القانوني وضمان محاسبة المسؤولين.

وكان بإمكان الاتحاد الدولي للصحفيين والاتحاد الأوروبي للصحفيين دعوة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات، ومن الصعب عليّ أن أستوعب سبب غياب رد فعل أقوى حتى الآن تجاه هذه الانتهاكات.

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الصحفيون حول العالم للضغط من أجل حماية زملائهم في فلسطين؟ ولماذا تبدو ردود فعل المؤسسات الإعلامية الغربية باهتة تجاه ما يرتكبه الاحتلال بحق الصحفيين؟

لا يمكن القول إن الإعلام الغربي يتجاهل تماما مقتل الصحفيين الفلسطينيين، لكنه غالبا لا يمنح هذه القضية الاهتمام الكافي. أما سبب ذلك، فهو أمر يصعب تحديده بدقة، وربما يعود إلى ما يُعرف بـ"قاعدة الموت حسب الكيلومترات"، التي تشير إلى أن موت شخص واحد قريب يبدو أكثر تأثيرا وملفتا للانتباه مقارنة بمئة حالة وفاة تقع على بُعد آلاف الكيلومترات. هذا يجعل من الضروري للصحفيين حول العالم أن يواصلوا الضغط والتوعية لضمان حماية زملائهم وتسليط الضوء على هذه الجرائم.

ما الرسالة التي تودون توجيهها لعائلات الصحفيين الضحايا وللزملاء الذين يواصلون عملهم رغم المخاطر؟

رسالتي تحمل مزيجا من الحزن والغضب. إن أقارب هؤلاء الصحفيين هم أبطال حقيقيون في عالم الصحافة، ولم تذهب حياتهم ضحية عبثا. لقد عدت أمس الثلاثاء من تظاهرة احتجاجية أقيمت في بروكسل بمشاركة العديد من النقابات الصحفية، وذُكرت خلالها جميع أسماء الصحفيين الضحايا، وكان الهدف من هذه التظاهرة الضغط على الحكومة البلجيكية والمؤسسات الأوروبية الموجودة في العاصمة، للتأكيد على ضرورة حماية الصحفيين وضمان سلامتهم أثناء أداء رسالتهم المهنية والإنسانية، بالإضافة إلى مطالبتهم بالتحرك الفوري لمحاولة وقف هذه الجرائم المستمرة، خاصة أن الصحفيين يستطيعون التعبير عن غضبهم.

أرى أن الخطوة الأهم للتصدي لجرائم قتل الصحفيين في غزة يجب أن تكون سياسية بالدرجة الأولى، وقد لاحظت أن عددا متزايدا من الدول بدأ يعبر عن استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويبدو أن هذا الأمر أثار غضب نتنياهو بشكل واضح.

كيف ترون مستقبل حرية الصحافة في الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال المستمر وسياسة إسرائيل في استهداف الصحفيين؟

طالما أن الصحفيين يرفضون أن يُسكتوا، يظل هناك مستقبل للصحافة في الأراضي الفلسطينية. من الضروري أن يستمر الضغط وبشكل أكبر على السلطات الإسرائيلية لوقف استهداف الصحفيين، وفي الوقت ذاته يجب على السلطة الفلسطينية أن تعمل على إيجاد آليات فعّالة لحماية صحفييها. كما يقع على عاتق المجتمع الدولي وجميع المنظمات المعنية بحرية الصحافة دور أساسي في دعمهم، لأن الصحافة الحرة تمثل الضمان الأساسي لاطلاع الجمهور على الحقائق، وهو حق يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
التعليقات (0)