مقابلات

مفتي أستراليا لنتنياهو عبر "عربي21": دماء المدنيين لا تستثمر سياسيا ولا تغطي جرائم غزة

في مواجهة التحريض بعد هجوم بوندي… مفتي أستراليا يدعو للحكمة واحتواء الصدمة - مفتي أستراليا ونيوزيلندا إبراهيم أبو محمد "فيسبوك"
في مواجهة التحريض بعد هجوم بوندي… مفتي أستراليا يدعو للحكمة واحتواء الصدمة - مفتي أستراليا ونيوزيلندا إبراهيم أبو محمد "فيسبوك"
شارك الخبر
أعاد الهجوم المسلح الذي استهدف محتفلين يهودا بعيد «الحانوكا» على شاطئ بوندي في مدينة سيدني الأسترالية، فتح النقاش حول تداعيات العنف ذي الخلفيات الأيديولوجية أو الفردية على المجتمعات متعددة الأعراق والمعتقدات.

وفي هذا السياق، شدد مفتي أستراليا ونيوزيلندا، الدكتور إبراهيم أبو محمد، على أن الإدانة الفورية التي أصدرها عقب الحادث لم تكن موقفا سياسيا أو رد فعل عاطفيا، بل انطلقت من مبدأ شرعي وإنساني ثابت يحرم الاعتداء على النفس البشرية تحريما مطلقا، بصرف النظر عن هوية الجاني أو ديانة الضحية.

وأكد أبو محمد، في حوار مع «عربي21»، أن ما جرى في شاطئ بوندي «لا يمثل دينا ولا قضية»، محذرا من محاولات توظيف الحادث سياسيا، أو ربطه بالإسلام أو بالقضية الفلسطينية أو بتغير مواقف الحكومة الأسترالية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

إدانة فورية قبل اكتمال الصورة
وأوضح مفتي أستراليا أن أجهزة الشرطة الأسترالية أبلغته بوقوع الحادث وهو في طريقه بالسيارة قادما من مكان بعيد، في وقت لم تكن فيه أي تفاصيل مكتملة حول هوية المنفذين أو طبيعة المستهدفين.

وقال: «تم إبلاغي بوجود حادث خطير دون معلومات دقيقة عن الفاعل أو الضحية، ومع ذلك أصدرت بيان إدانة فوريا، لأننا ننطلق من أصل عام لا يتغير، وهو أن الحياة الإنسانية حق مصون يجب حمايته والدفاع عنه».

وشدد على أن الإدانة لم تكن مشروطة بمعرفة الخلفيات الدينية أو العرقية، مستشهدا بالآية القرآنية: «مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».

وأشار إلى أن المعلومات الأولية التي توافرت في الساعات الأولى كانت شحيحة وملتبسة، وتحدثت عن أكثر من مهاجم واحتمال وجود مركبة تحمل متفجرات، واصفا ذلك بأنه «حادث غير مألوف» في السياق الأسترالي.


مجتمع لا يحتمل شرارة الفتنة
وتوقف أبو محمد عند طبيعة المجتمع الأسترالي، الذي يضم أكثر من 200 جنسية و121 معتقدا دينيا، محذرا من خطورة مقاربة الحوادث الأمنية من زاوية الهوية الدينية أو العرقية.

وقال: «إذا انطلقنا في التعامل مع الأحداث من منطلق الجنسية أو المعتقد، فسيكون لدينا يوميا أكثر من 200 مشكلة قومية وأكثر من 121 مشكلة دينية، وهذا كفيل بتفكيك أي مجتمع».

وأضاف أن أي أذى يصيب أي مكون من مكونات المجتمع يجب احتواؤه سريعا، لأن تركه دون معالجة يشبه «فيروسا إذا ترك انتشر وأصاب الجسد كله، وهدد النسيج الاجتماعي واللحمة الحضارية».

وأكد أن الهدف من الإدانة السريعة كان «قطع الطريق على الفتنة قبل أن تتوسع، لا البحث عن تسجيل مواقف إعلامية».

اظهار أخبار متعلقة


لا تصعيد ممنهج ضد المسلمين
وحول ما إذا كانت هناك ردود فعل عدائية ضد المسلمين بعد إعلان الشرطة أن المهاجمين أب وابنه من خلفية مسلمة، قال مفتي أستراليا إن الأوضاع لا تزال مستقرة، ولم تسجل حتى الآن أي ردود فعل عدائية ممنهجة أو سياسات رسمية تستهدف المسلمين.

وأضاف: «حتى هذه اللحظة، لم نشهد تصعيدا مؤسسيا أو مجتمعيا ضد المسلمين، وهذا أمر إيجابي».
لكنه أشار في المقابل إلى محاولات من «قوى خارجية» للربط بين الهجوم وبين مواقف أستراليا من القضية الفلسطينية، مؤكدا أن هذا الربط «باطل ولا يستند إلى أي أساس».

وقال: «لا يوجد أي رابط على الإطلاق بين الاعتراف بفلسطين أو الموقف من غزة وبين هذا الهجوم. نحن دولة مستقلة وقادرون على معالجة شؤوننا الداخلية بأنفسنا، ولا نقبل أن يملي علينا أحد ما يجب أن نفعله».

وشدد على أن المسلمين في أستراليا «شركاء في الوطن ولسنا أتباعا»، وأن وجودهم في البلاد مرتبط بقيم الحرية والعيش المشترك.

أحمد الأحمد.. موقف قلب المعادلة
وتوقف مفتي أستراليا مطولا عند موقف المواطن الأسترالي من أصل سوري، أحمد الأحمد، الذي تصدى للمهاجم وانتزع سلاحه رغم إصابته، معتبرا أن ما قام به شكل نقطة تحول في مسار التغطية الإعلامية للحادث.

وقال: «بينما كان الناس يهربون، كان أحمد يجري في الاتجاه المعاكس ليوقف الجريمة ويمنع مزيدا من القتل».

ووصف أبو محمد موقف الأحمد بأنه «منحة إلهية في قلب محنة شديدة»، مشيرا إلى أنه أحدث توازنا مهما في الخطاب العام، وقطع الطريق على خطاب كان سيستثمر الحادث لتعميم صورة نمطية عن المسلمين وربطهم بالعنف.

وأضاف أن جهات متعددة حاولت لاحقا الادعاء بأن الأحمد ينتمي إليها، واصفا تلك الادعاءات بأنها «غير صحيحة»، كاشفا أنه تواصل شخصيا مع عائلته وأشاد بما قام به في بيان رسمي.



«معاداة السامية».. للتوظيف السياسي
وردا على اتهامات مسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للحكومة الأسترالية بـ«التساهل مع معاداة السامية»، اعتبر مفتي أستراليا أن المصطلح بات يستخدم كسلاح سياسي لإسكات أي صوت يعارض السياسات الإسرائيلية.

وقال: «مصطلح معاداة السامية أصبح يستخدم كقميص عثمان لإسكات كل صوت يعترض على الظلم أو القهر».

وأكد أن المسلمين ليسوا ضد اليهود كيهود، وأن العلاقات الاجتماعية بين الجاليتين قائمة، مشددا على أن الاعتراض ينصب على الظلم والعدوان و«الإبادة الجماعية»، لا على الدين أو العرق.

وأضاف: «نحن ضد القهر وضد أن يفترض إنسان أنه السيد وغيره عبيد، أما التعايش واحترام الإنسان لكونه إنسانا فمبدأ ثابت لدينا».

اظهار أخبار متعلقة


غزة وتحولات لم تكتمل بعد
وفي ما يتعلق بتغير مواقف بعض الدول الغربية، ومنها أستراليا، تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، رأى أبو محمد أن ما جرى كشف زيفا تاريخيا امتد لأكثر من قرن، لكنه أكد أن التحول الحقيقي «لم يبلغ ذروته بعد».

وأوضح أن جيل الشباب، ولا سيما «جيل زد»، بدأ يكتشف حجم التزييف الذي أحاط بالقضية الفلسطينية، إلا أنه لم يصل بعد إلى مواقع القرار.

وتوقع أن تتبلور التحولات الكبرى خلال العقد المقبل، مع انتقال هذا الجيل إلى مراكز التأثير السياسي والإعلامي.

المسلمون وهاجس الردة العكسية
وحول المخاوف من ردات فعل عكسية ضد المسلمين، قال مفتي أستراليا إن المسلمين اعتادوا حملات التشويه منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وإنهم باتوا أكثر قدرة على التعامل مع الصورة النمطية.

وأضاف: «نتهم منذ سنوات طويلة، لكن التجربة علمتنا الصبر والتمييز بين النقد المشروع والحملات الممنهجة، والصورة النمطية ستتآكل مع الزمن».

اعتداءات وتدنيس مقبرة إسلامية
وكشف أبو محمد أن أستراليا شهدت منذ بداية العام نحو 25 حادثة اعتداء استهدفت مساجد وكنائس، مؤكدا أن هذه الأفعال تمثل «حالات شاذة لا تعكس طبيعة المجتمع».

وفي سياق متصل، تعرضت مقبرة إسلامية في ضاحية ناريلان جنوب غربي سيدني لتدنيس عبر إلقاء رؤوس خنازير عند مدخلها، بحسب ما أفادت وسائل إعلام استرالية.

وأعلنت الشرطة الأسترالية أنها تلقت بلاغا بالحادثة، وفتحت تحقيقا رسميا بعد إزالة البقايا الحيوانية من الموقع.

حصيلة الهجوم المسلح
وكان هجوم مسلح قد وقع مساء الأحد الماضي خلال احتفالات عيد «الحانوكا» اليهودي على شاطئ بوندي في ولاية نيو ساوث ويلز، وأسفر عن مقتل أحد المهاجمين، وفق ما أعلن رئيس وزراء الولاية كريس مينز.

وأكدت الشرطة الأسترالية أن المنفذين أب وابنه، وأن الهجوم أسفر عن مقتل 16 شخصا وإصابة 42 آخرين، مشيرة إلى أن الأب (50 عاما) كان يحمل رخصة سلاح ويمتلك ستة أسلحة مرخصة، إضافة إلى ضبط ستة أسلحة أخرى في موقع الحادث.
التعليقات (0)