قضايا وآراء

المغرب يشرع في التحضير للانتخابات التشريعية للعام 2026

امحمد مالكي
"الانتخابات الموسومة بنفس ديمقراطي شفاف، وإرادة جماعية متضامنة، ومشاركة مواطنة، ستعزز لا محالة السياق المغربي الوطني والدولي"- عربي21
"الانتخابات الموسومة بنفس ديمقراطي شفاف، وإرادة جماعية متضامنة، ومشاركة مواطنة، ستعزز لا محالة السياق المغربي الوطني والدولي"- عربي21
ورد في خطاب العرش ليوم 29 تموز/ يوليو 2025 عزم المغرب إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني، أي خلال خريف 2026، علما أن انتخاب أعضاء مجلس النواب الحالي، وعددهم 395 نائبا ونائبة، تم بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2021. كما أكد خطاب العاهل المغربي بوضوح على "ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية (2025)"، مكلفا وزير الداخلية بـ"السهر على التنظيم الجيد لهذه الانتخابات، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين".

لم ينتظر وزير الداخلية المغربي كثيرا ليُنفذ التوجيه الملكي، فعقد اجتماعين متوالين يوم السبت 2 آب/ أغسطس 2025 مع كافة قادة ومسؤولي الأحزاب السياسية، للتشاور في المنظومة العامة الخاصة بتنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة، محددا أجل نهاية هذا الشهر لتسلم مقترحات الأحزاب بخصوص هذا الموضوع، ليُصار بعد ذلك إلى صياغة النصوص القانونية المنظمة لهذه المنظومة، وطرحها على أنظار مجلسي البرلمان خلال دورته الخريفية لمناقشتها والتصويت عليها في بحر الدورة الخريفية المقبلة.

بشكل متوال ارتفاع معدلات العزوف عن الانخراط في الفعل الانتخابي، والمشاركة في تحمل مسؤولية التصويت في العمليات الانتخابية، وهو ما لا يجب أن يستمر في مغرب تتعاظم طموحاته يوما بعد يوم، المجالية
وتتكاثر في الآن معا تحدياته الوطنية والإقليمية والدولية

إذا كان المناخ التشاوري الذي جمع وزير الداخلية المغربي بقادة الأحزاب السياسية موسوما بالحوار الهادف والتفاعل الإيجابي، والتأكيد الجماعي على أهمية احترام دورية تنظيم الانتخابات التشريعية في وقتها الدستوري والقانوني، فإن ثمة العديد من القضايا الهامة وذات الأولوية لجعل الانتخابات المقبلة لحظة قبول وإجماع وطنيين، والارتقاء بها، وبنتائجها، إلى مرحلة نوعية في مسار التجارب الانتخابية التشريعية المغربية منذ انطلاقها عام 1963، وليس مجرد نسخة مكررة لبعض سابقاتها. ويبدو من المعلومات التي تداولتها بعض المواقع الإلكترونية، والتصريحات المدلى بها من قبل بعض مسؤولي الأحزاب التسعة الحاضرين في اجتماع وزارة الداخلية، أن ثمة وعيا واضحا بما ينتظر التجربة الانتخابية المقبلة، والرهانات التي يجب تحقيقها للتجاوب الإيجابي مع روح الخطاب الملكي، والتوجيهات المشار إليها أعلاه.

تتعلق القضية الأولى بتوفير ظروف جعل الانتخابات التشريعية المقبلة محطة جماعية لتدعيم المسار الديمقراطي المغربي، ودعامة لترسيخ ثقافة المشاركة السياسية المواطنة. والواقع أنها قضية بالغة الأهمية والاستراتيجية في الآن معا. فالمغرب الذي اعتبر الاختيار الديمقراطي رابع ثوابته الوطنية في دستور 2011، غير مسموح له بالتراجع عن روح الوثيقة الدستورية، والقيم التي استبطنتها أحكامها، وفي صدارتها قيمة الديمقراطية والمشاركة المواطنة الواسعة. لذلك، سيكون مطلوبا من الإدارة المشرفة على تنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة (وزارة الداخلية) وكافة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين؛ التكاتف والتعاضد من أجل فرض احترام إرادة الشفافية والنزاهة في تنظيم اللحظة الانتخابية وتدبير كافة مراحلها.

فالمفروض في الإدارة بمختلف مرافقها ومراتبها الالتزام بالحياد الإيجابي في علاقتها بإرادة الناخبين واختياراتهم، كما الالتزام بالواجب السياسي والأخلاقي عند انتقاء من ستوكل لهم وظيفة النيابة والتمثيلية، وهو ما يشترط ترجيح مبدأ الكفاءة، والنزاهة، والاستعداد الطوعي لخدمة الصالح العام، ونبذ ثقافة استغلال السياسة لجني الغنائم الشخصية والمصالح الفردية. والحقيقة أن للأحزاب السياسية مسؤولية كبرى في تنقية المجال السياسي المغربي، وتطهير ممارساته من مظاهر العفن التي علقت به منذ عقود.

فعلى الرغم من تعبير الأطراف المشاركة في اجتماع وزارة الداخلية عن أهمية الشفافية والنزاهة في موضوع الانتخابات عموما، والانتخابات التشريعية المقبلة (2026) على وجه التحديد، فإن المطلوب ربط القول بالفعل، وتحويل التصريحات المتبادلة إلى ممارسات فعلية وناجعة في موضوع الشفافية والنزاهة والحياد، وانتقاء الكفاءات الوطنية القادرة على تحمل مسؤولية التمثيلية وإنجاز المطلوب منها..

والحال، إن أي تقدم يحصل في هذا الجانب ينعكس إيجابيا وبشكل فوري على ارتفاع معدلات المشاركة والتصويت، حيث يلاحظ بشكل متوال ارتفاع معدلات العزوف عن الانخراط في الفعل الانتخابي، والمشاركة في تحمل مسؤولية التصويت في العمليات الانتخابية، وهو ما لا يجب أن يستمر في مغرب تتعاظم طموحاته يوما بعد يوم،
الانتخابات التشريعية المنتظرة، حتى وإن توفرت لها شروط الشفافية والنزاهة وتجديد النخب السياسية الحزبية، فإنها مطالبة بصياغة برامج جريئة وواقعية لتقديم أجوبة مقنعة عن تحديين اثنين وردا في خطاب العاهل المغربي الأخير، هما تحدي العدالة الاجتماعية، ومعضلة العدالة المجالية
وتتكاثر في الآن معا تحدياته الوطنية والإقليمية والدولية. لذلك، سيكون مطلوبا من الجميع العمل على تحفيز الشباب والنساء، وهم القاعدة الواسعة والصلبة للعملية الانتخابية، على الانخراط بوعي في الفعل الانتخابي، والاستعداد التلقائي لتحمل مسؤولية التمثيلية في العمل البرلماني.

تتعلق القضية الثالثة ذات العلاقة بما يجب التفكير فيه بفعالية وعقلانية، بالسياق الوطني والدولي الحاضن للعملية الانتخابية القادمة (2026). فطموحات المغرب في التنمية والتقدم وردم الاختلالات الاجتماعية والمجالية كبيرة، ورهاناته في تقديم تجربة رائدة في الألعاب الأفريقية والدولية القادمة، واضحة وضاغطة في الآن معا، كما أن الوضع الجيوبوليتيكي في جواره وفي تماسه مع العالم صعب ويحتاج إلى تكاتف الجهود بين الدولة والمجتمع. فالانتخابات الموسومة بنفس ديمقراطي شفاف، وإرادة جماعية متضامنة، ومشاركة مواطنة، ستعزز لا محالة السياق المغربي الوطني والدولي، وستعطي صورة صادقة عن اقتران الطموحات بالإنجازات، والقول بالفعل.

تلك هي القضايا الرئيسة الثلاث التي ينتظر أن تشكل دليلا ارشاديا لتنظيم العملية الانتخابية المقبلة، ليس بالنسبة للوزارة الوصية، أي الداخلية ومن في حكمها، بل بالنسبة للمجتمع السياسي بكامل مكوناته وأطيافه. ثم إن الانتخابات التشريعية المنتظرة، حتى وإن توفرت لها شروط الشفافية والنزاهة وتجديد النخب السياسية الحزبية، فإنها مطالبة بصياغة برامج جريئة وواقعية لتقديم أجوبة مقنعة عن تحديين اثنين وردا في خطاب العاهل المغربي الأخير، هما تحدي العدالة الاجتماعية، ومعضلة العدالة المجالية.. فالتنمية، كما أشار الخطاب الملكي بقوة وشجاعة، يجب ألا تسير في ربوع البلاد بسرعتين مختلفين، بل يجب أن تكون بسرعة واحدة منسجمة وموحدة.
التعليقات (0)