كتاب عربي 21

الفوضى طريق الاستقرار!

شريف أيمن
"المبدأ الأساسي لهذا الكيان المزروع في منطقتنا يقف على أرضية واحدة؛ أن الفوضى في الدول المحيطة به تعني استقرار الكيان"- إكس
"المبدأ الأساسي لهذا الكيان المزروع في منطقتنا يقف على أرضية واحدة؛ أن الفوضى في الدول المحيطة به تعني استقرار الكيان"- إكس
أظهر العدوانُ الصهيوني المستمر في أنحاء المنطقة حقيقة كان يعمى البعض عنها أو يتعامى، وهي أن وجودَ الكيانِ الصهيوني في المنطقة خطرٌ عليها، وغيابَه خطرٌ على الغرب، وهذه الحقيقة كان يصرخ بها الوطنيون منذ عشرات العقود، وقد باتت اليوم حقيقة متجِسَّدة مُبصَرَة.

آيةُ خطرِ زوال الكيان على الغرب، ما قاله المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن إسرائيل تقوم حاليا بـ"العمل القذر" نيابة عن الغرب بأكمله، ومن فَرْطِ ضعف مَلَكَات المستشار الألماني أنه اختار لفظ "القذر" المكافئ للسلوك الصهيوني في المنطقة، وهو -بالمناسبة- المكافئ لسلوك رعاة هذا الكيان في أوروبا وأمريكا. كما أن الدعم الأمريكي بالسلاح غير المحدود، والدعم الاستخباراتي والعسكري من الأمريكان والأوروبيين للكيان في غزة ولبنان وإيران واليمن، يُظهر مدى حرص هذه الدول -التي زرعت المرض الخبيث في المنطقة- على أن يستمر بقاء المرض وإنْ بأبهظ الأثمان، باعتباره مدافعا عن هذه الدول مباشرة لا مجرد حليف.

ما يفعله هذا الكيان المارق الخبيث أنه يزرع الفوضى في كل مكان، وفي كل قُطر، ففي غزة يسلِّح مجموعات لنهب المساعدات والمستشفيات وسرقة المنازل، وفي الضفة يزرع الفتنة بدعمه الأجهزة الأمنية المنخرطة في عمليات اعتقال وتعذيب وقتل لفلسطينيين مقاوِمين، وفي سوريا يشجِّع الانفصال ويزيد من تأزيم وضع النظام الجديد

أما آيات خطورة هذا الكيان على المنطقة، فلا أَدَلَّ عليها من عدوانها المتوسع في عدة دول في الإقليم، سواء في فلسطين أو لبنان أو إيران أو اليمن، وأخيرا سوريا التي تعرضت دوما لضربات صهيونية محدودة في حكم الأسد، وتتعرض أراضيها لاحتلال أوسع عقب رحيله، وهجمات كثيفة تشبه ساحة قتال يومية، رغم أن نظامها أبدى مرارا وتَكرارا أنه لا ينوي الانخراط في صراعات خارجية؛ بغرض بناء الدولة المنهكة من صراع مسلح داخلي دام 14 عاما، وذلك بغض النظر عن قبول هذا المنطق السوري الرسمي أو الاعتراض عليه.

لكن يمكن القول على هامش المقال إن كلمات الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في رسالته الأخيرة إلى الشعب السوري، تمثل موقفا متماسكا ومتكاملا وقلقا على المستقبل في الآن نفسه، خاصة قوله: "شعرت بخيبة أمل كبيرة أمام توجهات القيادة الجديدة سواء في سياستها الداخلية أو الخارجية، أفهم كل الضغوط التي تتعرض لها القيادة الجديدة لاقتناعي أنها موضوعة أمام خيارين أحلاهما مرّ: الاحتواء أو التدمير. المشكلة أن اختيار الاحتواء لا يعني إلغاء التدمير وإنما تأخيره (..) وحدها الديمقراطية قادرة على أن تجمع حولكم كل المكونات لتقفوا أمام كل محاولات الاحتواء والتدمير".

ما يفعله هذا الكيان المارق الخبيث أنه يزرع الفوضى في كل مكان، وفي كل قُطر، ففي غزة يسلِّح مجموعات لنهب المساعدات والمستشفيات وسرقة المنازل، وفي الضفة يزرع الفتنة بدعمه الأجهزة الأمنية المنخرطة في عمليات اعتقال وتعذيب وقتل لفلسطينيين مقاوِمين، وفي سوريا يشجِّع الانفصال ويزيد من تأزيم وضع النظام الجديد حتى لا يتخطى حدود الدور المطلوب منه؛ قطع الإمداد عن حزب الله، وصِلة إيران بمحور المقاومة في فلسطين ولبنان، وفي إيران استهدف رؤساء السلطات الثلاث فضلا عن القادة العسكريين الكبار؛ ليغرق البلد في فوضى ويسهل تدمير مشروعه السياسي والعسكري والنووي، وفي اليمن يستهدف البنية التحتية والموانئ لزيادة معاناة اليمنيين.

وقبل هذه الاعتداءات الدموية والمفتقدة لأدنى قواعد الأخلاق، ساهم هذا الكيان في دعم الانقلاب العسكري في مصر لتغرق البلد في فوضى بدل بناء الديمقراطية، وكذا فعل في العراق إبان الاحتلال الأمريكي له، وفي لبنان خلال اجتياحه في الثمانينيات، وفي مصر وسوريا والأردن وفلسطين عام 1967، وفي عموم فلسطين منذ بدء مشروع الاستيطان وحتى عام 1949، ويستمر الأمر في فلسطين حتى يومنا هذا.

استقرار المنطقة مطلب القوى الاجتماعية في كل أنحائها، أما الفوضى فهي مطلب الاحتلال الصهيوني، ومطلب المستبدين على السواء، فكلاهما ينحاز لأوامر القوى الكبرى، ولا خروج للمنطقة من أزماتها إلا بإنهاء الوكالة للقوى الكبرى التي تسلطت على المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى، سواء كانوا وكلاء محليين أو الوكالة الصهيونية. وهذان المساران لا يمكن التنازل عنهما معا

إن المبدأ الأساسي لهذا الكيان المزروع في منطقتنا يقف على أرضية واحدة؛ أن الفوضى في الدول المحيطة به تعني استقرار الكيان، واستقرارها يعني إزالة الكيان.

المفارقة أن هذا الموقف يأخذه حكام المنطقة منذ بدء التخلص من الاستعمار عقب الحرب العالمية الثانية، فأي تماسك اجتماعي ورخاء اقتصادي وحرية رأي (استقرار)، يعني زوال هذا النظام إما بالصندوق أو الاحتجاج (فوضى) بنظر هذه الأنظمة، فباتت تَعْمد هذه الأنظمة إلى فعل العكس، فتزرع الفوضى الداخلية لتحقق استقرار حكمها!

وحتى مع افتراض أن بعض هذه الأنظمة وطني فإنها قدمت خدمات للمشروع الصهيوني لم يكن يتصورها بتفكيك المجتمعات وإرهاقها اقتصاديا، وتحويلها من مجتمعات تكافلية إلى مجتمعات تبحث عن الحلول الفردية وتنحو بشكل أكبر نحو النزعة الفردية أو الأنانية أحيانا، فضلا عن تعظيم المشاعر المحلية الوطنية على حساب الانتماء الثقافي الأوسع سواء للعروبة أو للإسلام، لتفكيك الروابط الأكبر، وهو المبدأ الاستعماري القديم والراسخ؛ "فرِّقْ تَسُدْ".

إن استقرار المنطقة مطلب القوى الاجتماعية في كل أنحائها، أما الفوضى فهي مطلب الاحتلال الصهيوني، ومطلب المستبدين على السواء، فكلاهما ينحاز لأوامر القوى الكبرى، ولا خروج للمنطقة من أزماتها إلا بإنهاء الوكالة للقوى الكبرى التي تسلطت على المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى، سواء كانوا وكلاء محليين أو الوكالة الصهيونية. وهذان المساران لا يمكن التنازل عنهما معا، فزوال الأنظمة المستبدة في وجود الاحتلال سيعيدها مرة ثانية؛ كما انتكست ثورات الربيع العربي، وزوال الاحتلال غير ممكن دون زوال الموانع الداخلية المقاوِمة للديمقراطية والانحياز لخيارات الشعوب، لذا لا بد من السعي إلى تحقيق الأمرين لعودة الهدوء والاستقرار إلى شعوبنا ومنطقتنا التي عانت كثيرا من الاستبداد، وعانت أكثر من الاحتلال على مدى أكثر من قرنين، بتنوّع جنسيات المحتلين، وللمصادفة كانوا جميعا أوروبيين أو أمريكيين!
التعليقات (0)

خبر عاجل