كتاب عربي 21

سقوط مصر ليس حلا

عبد الناصر سلامة
"أمنية وطنية، وهي أن تعي عواصم الخارج، كما المضارون في الداخل، أن إسقاط مصر ليس حلا لأي قضية"- الأناضول
"أمنية وطنية، وهي أن تعي عواصم الخارج، كما المضارون في الداخل، أن إسقاط مصر ليس حلا لأي قضية"- الأناضول
حالة من الجدل، إلى حد الصراخ، يعيشها المصريون حاليا، على وقع هاجس كبير، يتمثل في مقدمات يراها البعض، تؤدي حتما إلى سقوط الدولة المصرية، في الوقت الذي يعتبرها الفاعلون من الداخل والخارج، ضرورة بديهية لإسقاط النظام الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الممسك بزمام السلطة منذ عام 2014، في أعقاب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي الذي قضى عاما واحدا على كرسي الحكم. وهو الجدل الذي سوف تراه في الشارع، في "السوشيال ميديا"، في كل مكان تقريبا، باستثناء وسائل الإعلام، رسمية وخاصة وحزبية، على اعتبار أن الإعلام هناك يمر بحالة من نوع خاص، فلا علاقة له إلا بما يصدر من بيانات رسمية أو توجيهات أمنية.

منذ أن ظهرت إلى السطح الخلافات المصرية مع كل من المملكة السعودية ودولة الإمارات، أصبحت قضية نهاية النظام في مصر حديث الصباح والمساء، بعد أن استدعت الذاكرة المصرية التدخل الصارخ لكل من الرياض وأبو ظبي، بشكل خاص في عملية الإطاحة بالإخوان المسلمين عام 2013، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار تلويحا سعوديا واضحا في هذا الصدد، من خلال مقربين للنظام، في الوقت الذي تمتنع فيه الدولتان عن تقديم أي مساعدات لمصر خلال الشهور الأخيرة، التي تمر فيها العلاقات المصرية أيضا بمنعطف واضح مع الإدارة الأمريكية، على خلفية المواقف المتباينة من القضية الفلسطينية.

الشواهد أيضا تؤكد أن المستهدف في الحالة المصرية هو مصر أولا، بالحرائق، بالتخريب، بالتدمير، بوقف الاتصالات، بضرب السياحة، بتعطيل البنوك، بإغلاق سوق الأوراق المالية، إلى غير ذلك، مما سوف يكلف الشعب المصري سنوات طويلة من إعادة البناء والاستقرار في المستقبل، وهو أمر سوف يرفضه المصريون بمرور الوقت، ما يسقط الرهان على أي تغيير في الحالة المصرية، وهو ما فطن إليه إعلام السلطة أخيرا، أو ما فطنت إليه التوجيهات الرسمية، فأصبحنا نسمع، طوال الوقت، تحذيرا من مخططات خارجية وداخلية

كوارث مختلفة يستيقظ عليها المصريون بشكل يومي، ما بين حرائق، وحوادث طرق، وأعطال قطارات، واتصالات، وانفلات أمني، يسهل الربط بينها وبين التهديدات أو الخلافات الخارجية، ناهيك عن حالة الاستقطاب أو الانقسام المجتمعي، التي توفر وقودا كافيا من الشائعات لمزيد من الكوارث، وسط منافسة واضحة مع كتائب النظام الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإعلام تلفزيوني معارض من الخارج وأصبح يمثل حالة لا يمكن إغفالها في التأثير على الرأي العام، بعد عشر سنوات من العمل الدؤوب باتجاه إسقاط النظام.

يجب أن نعترف بأن الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، تمتلك ما يمكن أن نطلق عليه طابورا خامسا في كل دولة عربية على حدة، في كل المجالات تقريبا، السياسية والعسكرية والإعلامية والفنية والثقافية والتنفيذية والبرلمانية، يمكنها إدارته وقتما تشاء لتحقيق أهدافها، بعضهم في المواقع الأقرب للسلطة، وجميعهم من الفاعلين في المجتمع بشكل عام، إلا أن الحالة المصرية، بحكم أحداث 25 يناير 2011، وما تلاها من تفاعلات على مدى ثلاثة أعوام على الأقل، سمحت بنفاذ عواصم وأجهزة أخرى إلى الداخل المصري، خصوصا من كل من السعودية والإمارات، وهي قضية على قد كبير من الخطورة، لا يمكن إغفالها، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار التنسيق الأمني السعودي مع الولايات المتحدة، والتنسيق الأمني الإماراتي مع العدو الصهيوني.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن نعتبرهم عملاء، أو حتى دراويش إسرائيل داخل مصر، فسوف نكتشف أن صناعة القرار تواجه أزمة حقيقية، تجعل النظام في وضع لا يحسد عليه. وقد ظهر هؤلاء بشكل خاص في الآونة الأخيرة، بشكل مكثف، من خلال حوار تلفزيوني مريب ومثير للجدل، أجراه أحدهم مع شخصية إسرائيلية كبيرة، كما ظهر آخر في حديث تلفزيوني أكثر ريبة، يدافع عن الاحتلال والصهيونية أيما دفاع، بينما ظهر ثالث يكيل الاتهامات للمقاومة الفلسطينية، وآخرون على "السوشيال ميديا" وهكذا، فيما يشير إلى أن تعليمات خارجية قد صدرت لهذا الطابور تحديدا بالظهور، والعمل في هذا التوقيت تحديدا، والذي يشهد فيه الشارع ارتباكا ملحوظا.

الشواهد الكثيرة من حولنا، توضح أن الاستهداف الأمريكي لأي شخصية في المنطقة أيا كانت ليس أمرا صعبا، حتى لو كان زعيم إحدى الدول، إلا أن الشواهد أيضا تؤكد أن المستهدف في الحالة المصرية هو مصر أولا، بالحرائق، بالتخريب، بالتدمير، بوقف الاتصالات، بضرب السياحة، بتعطيل البنوك، بإغلاق سوق الأوراق المالية، إلى غير ذلك، مما سوف يكلف الشعب المصري سنوات طويلة من إعادة البناء والاستقرار في المستقبل، وهو أمر سوف يرفضه المصريون بمرور الوقت، ما يسقط الرهان على أي تغيير في الحالة المصرية، وهو ما فطن إليه إعلام السلطة أخيرا، أو ما فطنت إليه التوجيهات الرسمية، فأصبحنا نسمع، طوال الوقت، تحذيرا من مخططات خارجية وداخلية، وما شابه ذلك.

لا جدال على أن هناك موقفا مصريا مغايرا للموقفين السعودي والإماراتي، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقطاع غزة تحديدا، حيث ترفض مصر تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير شعب غزة، كما أن هناك موقفا مصريا مناوئا للموقف الأمريكي فيما يتعلق بشعب غزة، أو تواجد قواعد عسكرية أمريكية في مصر أو على السواحل السعودية في البحر الأحمر، كما أن هناك خلافا مصريا- إسرائيليا مؤجلا حول مدى الانتشار العسكري المصري في سيناء، وهي أمور تحسب جميعها للنظام في مصر، على المستوى الشعبي، على الرغم من تحفظ الرأي العام على الموقف السلبي من قضية إدخال المساعدات للشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع، أو الموقف من إسرائيل بشكل عام، خصوصا ما يتعلق منه باستمرار العلاقات السياسية أو التبادل التجاري، على الرغم من حرب الإبادة التي يرتكبها على مدار الساعة.

قد لا يدرك النظام في مصر خطورة ما وصلت إليه الأوضاع في الشارع، أو يتغافل عنها، كما كل الأنظمة الديكتاتورية التي تظل تكابر إلى أن يأتي الطوفان، وهو ما يستوجب ضغط النخبة المصرية، التي انزوت في السنوات الأخيرة بعد أن فقدت احترام الآخرين لها، ليس ذلك فقط، بل فقدت احترامها لنفسها

في كل الأحوال، أعتقد أننا يجب أن نضع في الاعتبار أن كيان الاحتلال استطاع أن يستبيح الأراضي العربية بالقصف بشكل يومي، في كل من لبنان وسوريا والعراق ناهيك عن فلسطين، إضافة إلى استباحة أجواء هذه البلدان وغيرها أخرى، للعدوان على كل من اليمن وإيران، وهو ما يمنح مصر خصوصية يجب الحفاظ عليها، لئلا نصل إلى ذلك اليوم الذي تستباح فيه الأراضي المصرية هي الأخرى، كبداية لتحقيق الهدف الصهيوني الأكبر والأهم، وهو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، التي يشير إليها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو طوال الوقت، والتي حددتها النبوءات التوراتية من النيل إلى الفرات.

هي أمنية وطنية، وهي أن تعي عواصم الخارج، كما المضارون في الداخل، أن إسقاط مصر ليس حلا لأي قضية، ذلك أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية، ومن كيان الاحتلال يجب الحفاظ عليه، هو موقف ثابت، لا يتعلق بهذا النظام أو ذاك، أو هذا الرئيس أو ذاك، كما أن التعويل على أنظمة عميلة لإنقاذ المصريين من أزماتهم، أمر مثير للسخرية في حد ذاته، ويبقى التعويل على النظام في مصر أن يسارع بإصلاحات جوهرية، سياسية واقتصادية واجتماعية، قبل فوات الأوان، وتستهدف في المقام الأول لم الشمل المصري، وتقطع على الآخرين طريق التآمر والخيانة.

بالفعل، مصر في حاجة إلى مبادرة مجتمعية، يمكن أن يتبناها سياسيون أو حزبيون أو مثقفون، أيا كانوا، تحمل على عاتقها إنقاذ البلاد من مجهول لا يرحم، ذلك أن كل دول المنطقة التي سقطت دون استثناء لم تقم لها قائمة، في وجود عدو صهيوني متغلغل إلى حد النخاع، من المحيط إلى الخليج، يجد في ذلك دعما أمريكيا- غربيا، بكل الوسائل، التكنولوجية والعسكرية والمادية.

وقد لا يدرك النظام في مصر خطورة ما وصلت إليه الأوضاع في الشارع، أو يتغافل عنها، كما كل الأنظمة الديكتاتورية التي تظل تكابر إلى أن يأتي الطوفان، وهو ما يستوجب ضغط النخبة المصرية، التي انزوت في السنوات الأخيرة بعد أن فقدت احترام الآخرين لها، ليس ذلك فقط، بل فقدت احترامها لنفسها، في أعقاب أدوار مخجلة في الماضي القريب، آن الأوان لأن تستفيد من دروسه، وأولها: أن سقوط الدولة المصرية ليس حلا لأي شيء، وأن الديمقراطية هي الحل الأمثل.
التعليقات (0)

خبر عاجل