مصر
تتعرض لمؤامرة، وإلى حرب، وقد بدأت الأولى والثانية!
هذا
هو هتاف نفر من الإعلاميين المحسوبين على النظام المصري هذه الأيام، وهم يُرجعون
الحرائق التي بدأت بسنترال رمسيس، وبحوادث الطرق والقطارات، إلى أنها جزء من هذه
المؤامرة التي تستهدف إحداث فوضى، يتم استغلالها في الدعوة لانتخابات رئاسية
مبكرة، يقوم من خلالها الخارج بفرض إحدى الشخصيات لحكم مصر، وأن الخارج هذا يتآمر
على الرئيس
السيسي، الذي رفض الانصياع له، من أول قبول التهجير، إلى تمسكه
باستقلال القرار الوطني. فماذا هناك؟!
في
بداية هذه الحوادث، لم يتم التطرق إلى أنها بفعل فاعل، والمؤسف أن جهات التحقيق لم
تعلن أسبابها، لا سيما حريق سنترال رمسيس، الذي لا يصلح بشأنه التجاوز أو ترك
الأمور تجري في أعنّتها، ولا يجوز الاحتماء بما يقوله البعض بهدف طمأنة الناس إلى
أن هذا موسم الحرائق، كما كان يحدث في كل عام، لأن حرائق هذه المرة مختلفة،
فالحرائق القديمة كانت في زمن القطاع العام، الذي لم يتبق منه سوى القليل من
الشركات، وتم التخلص منه بالبيع منذ سياسة الخصخصة في سنة 1991، وكانت الحرائق
تهدف إلى التغطية على الفساد، ويحدث هذا للملفات والمخازن التي تتعرض للجرد،
بانتهاء السنة المالية في 30 حزيران/ يونيو من كل عام!
أكبر
حريق سياسي في مصر:
لدى المصريين دائما هواية المقارنات، وقد ذكّرنا البعض بحريق القاهرة، أضخم حريق سياسي عرفته مصر، والذي مهد لحركة ضباط الجيش للاستيلاء على السلطة في تموز/ يوليو 1952، ولم يتم التوصل إلى الجاني حتى الآن
وهذا
يجعلنا أمام حرائق من نوع مختلف، وقد انتشرت في كثير من الأماكن، بل انتقلت إلى
بعض المشروعات في محافظات أخرى، مثل مصنع الإسفنج في محافظة دمياط، وفي زمن القطاع
العام يُرجع الحريق إلى الماس الكهربائي، لكن الآن لا نعرف أسبابه. ولدى المصريين
دائما هواية المقارنات، وقد ذكّرنا البعض بحريق القاهرة، أضخم حريق سياسي عرفته
مصر، والذي مهد لحركة ضباط الجيش للاستيلاء على السلطة في تموز/ يوليو 1952، ولم
يتم التوصل إلى الجاني حتى الآن، ويدور الاتهام الإعلامي والسياسي بين الوفد
والملك، وبعد انتهاء المرحلة الناصرية، فإن الاتهام طال الضباط الأحرار أنفسهم!
ولأن
جهات التحقيق لم تعلن سببا عن هذه الحوادث، فإن إعلاميين محسوبين على النظام
أرجعوا هذا إلى أن الحرب قد بدأت، مع القول إن هناك أدوات لإشعال حرائق جاءت من
الخارج عبر مطار القاهرة الدولي، ضمن مخطط إشاعة الفوضى لإسقاط الحكم الوطني في
مصر، وأن دور المصريين هو أن يلتفوا حول قائدهم لمواجهة هذه التحديات!
كل
هذا الكلام على خطورته هو لإعلاميين، وليس منسوبا لأحد في السلطة، أو لأي جهة
أمنية، أو جهة من جهات التحقيق، والمدهش أنه لم تنفهِ أي جهة من هذه الجهات، بمن
في ذلك السلطة نفسها، فهل السكوت علامة الرضا؟! لأنه في الأجواء العادية، وفي حالة
ما إذا كان هذا كلام غير صحيح، فإنه يضع من يروجه تحت طائلة القانون!
وتزامنت
هذه الرسالة الإعلامية، عن المؤامرة والحرب التي بدأت، مع تسويق أحد الأبواق
الإعلامية (إبراهيم عيسى)، لمظالم للشعب ارتكبها هذا النظام، هي ليست جديدة، عندما
يقارن بين الأسعار في عهد مبارك والأسعار الآن، فسعر الدولار لم يصل البارحة إلى
خمسين جنيها، ولكنه وصل لذلك قبل سنوات.. فما الجديد؟!
إن
الجديد هو تحول الموقف الخارجي من داعم للنظام إلى مخطط للفوضى، التي تنتهي إلى
الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، عندما يأتي الرئيس الجديد عبر القوات المحمولة
جوا إلى العاصمة المصرية القاهرة لمعاقبة مصر على استقلال قرارها الوطني، ورفضها
للتهجير!
مصر..
إلى العزلة:
هناك
إجماع على أن مصر في طريقها للعزلة التامة، وحتى دور الوساطة في الحرب على غزة صار
هامشيا، وعندما دعا الداعي للقاء في البيت الأبيض، حضرت قطر وغابت القاهرة، وبنجاح
ترامب كان النظام المصري من الأنظمة الأكثر سعادة بذلك، فلكم أبدى الفائز إعجابه
بديكتاتوره المفضل في ولايته الأولى، ومثّل أكبر الداعمين له، لكنه في هذه المرة
جاء للمنطقة وإذا بقبلته هي الخليج، وليس القاهرة، وإذا بالرئيس السوري مدعو
للرياض، بينما لم توجه الدعوة للرئيس المصري، وإذ شارك الرئيس التركي في القمة عن
بعد، فلم يُدعَ الجنرال لمشاركة كهذه!
ليس
سرا أن العلاقات المصرية
السعودية ليست على ما يرام، والقصف الإعلامي المتبادل عبر
السوشيال ميديا هو تعبير عن ذلك، مع ملاحظة هنا أراها ضرورية، هي أن الجانب المصري
مثّله في هذه المعركة اللجان الإلكترونية، وصغار الإعلاميين الذين يتنافسون على
إظهار مهاراتهم المهنية في الرد والتحقير، بينما قرأنا منشورات لصحفيين كبار في
المملكة، ولا أحد يريد من أبواق النظام الكبرى أن يُحسب عليه أنه هاجم المملكة ولو
بشطر كلمة، مع تدخل شخصية مسؤولة في الحملة مثل الوزير السعودي آل الشيخ!
وهذا
الصمت المهين مسؤول عن رواية المؤامرة التي تبدو ناقصة، عندما يُطرح السؤال: من
يقود المخطط ضد مصر؟! فإنه كاشف عن عدم اليقين في فشل مخطط تغيير النظام، عن طريق
الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، كما يروج الملأ في الإعلام المصري، وكما فهم الناس
من تحول البوق السابق الذي سبقت الإشارة إليه!
الإخوان
والسعودية:
يبدو
الإقليم وقد ملّ سياسة الاستنزاف، من خلال الطلب الذي لا يتوقف للمساعدات، وإذا
كان في فترة من الفترات يخشى نجاح تجربة الإخوان المسلمين في الحكم، أو أي تجربة
تنتجها الثورة الشعبية، فإنه الآن يدرك أن حلم الإخوان في العودة قد انتهى، وهم
يحتاجون لعشرين سنة من الهدنة لمعالجة جراحهم، وقد يكون ما حدث طوى ملف الحلم
بالرئاسة مدى الحياة، فهل هذا الشحن الإعلامي ضد الإخوان يستهدف رسالة للإقليم بأن
الإخوان لا يزالون يمثلون قوة مركزية في المعادلة المصرية؟!
إن
هذا جزء من
الأزمة، فقد ملّ الخليجي من هذه النظرة المصرية، والتي عبرت عنها
تسريبات سابقة، فيما يخص المال (عندهم فلوس زي الرز)، ويبدو أنها امتدت لتصور أن
الخليجيين قد يقتنعون فعلا بالدعاية التي تضخم من وضع الإخوان، وكأنها دول بدون
أجهزة استخبارات، مع تجاهل تام بأن الإخوان أقرب للسعودية بالذات من أي دولة أخرى،
من حيث إمكانية قراءتهم وسبر أغوارهم، حتى في ظل العداء الذي كان من طرف واحد، وفي
أي مرحلة لو أشار النظام السعودي للإخوان للبوا النداء كالبرق الخاطف أو الريح
المرسلة!
ولهذا
فإن المملكة لم تدفع ريالا على مراكز أبحاث لدراسة الحالة الإخوانية، كما أنها لم
تتبنَّ من يقدمون أنفسهم على أنهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم عن الإخوان، وغيرهم
تبنى هذه الشخصيات، وهي هزيلة على المستوى المعرفي!
وعلى
جانب آخر، فإن ترامب هذه المرة ليس هو ترامب في ولايته الأولى، ويُحسب للنظام
المصري رفضه لسياسة التهجير التي يتبناها الرئيس الأمريكي، ولعل ما آلمه الآن هو
تغير السياسة المصرية من الموافقة على صفقة القرن إلى رفضها، لأن القبول بها لا
يمثل فقط خطرا على الأمن القومي المصري، ولكن على النظام نفسه بجانب هذا، ولا يمكن
للجيش القبول بها!
وإلى
الآن يتحدث ترامب ونتنياهو عن التهجير، على نحو كاشف بأن الفكرة لم تمُت، والموقف
المصري سيمثل داعما رئيسا للموقف الأردني في الرفض، وبشكل يوحي بأن الأزمة ستزداد
تعقيدا!
لم يعد لديه ما يقدمه للناس، فلا بد من افتعال حرب دون الدخول فيها، واختلاق أزمة كونية لم تبدأ بعد. ثم إن دق الطبول يأتي بعد محاولة جس النبض من أحد الإعلاميين المقربين من النظام بضرورة تعديل الدستور، لضمان استمرار السيسي في الحكم، وقد تبين أن حجم المعارضين لها أكبر من المتصور، فلا مانع من الذهاب بعيدا إلى حديث المؤامرة، والمخطط الغربي
والحال
كذلك، فلن يجد الرئيس الأمريكي نفسه مضطرا للاستمرار في علاقات مع القاهرة، وقد
يتجه إلى حرمانها من ملف إعمار غزة، إن لم يفرض وجودا دوليا على معبر رفح، كما كان
الحال عليه قبل سقوط حركة فتح في الانتخابات. وملف الإعمار هو ربما الورقة الأخيرة
في تجاوز العزلة، ولا يبدو أن الرياح ستجري بما تشتهي السفن!
أزمة
الداخل المصري:
ويزيد
من حدة الموقف، أن الداخل ليس راضيا عن مجمل السياسات، وأن أزمة اقتصادية طاحنة لا
أمل في تجاوزها؛ تعيشها مصر، وقد توقفت المساعدات الخليجية أو كادت، وهي المساعدات
التي بنى النظام سياساته على أنها نهر يتدفق بلا انقطاع، وفي المقابل يسير النظام
بنفس الإجراءات مع الاستحقاق الانتخابي الذي بدأ بانتخابات مجلس الشيوخ ويتبعها
مجلس النواب، حيث سياسات الإقصاء وتخليق حالة سياسية لم تعرفها مصر من قبل، الأمر
الذي يمتد بالاحتقان السياسي إلى أحزاب الموالاة، بل وإلى دولة مبارك نفسهاز وهذا
مكمن الخطر، وليس لأن الإخوان يمارسون تمرينات الصباح الرياضية للقفز على السلطة
من جديد!
ومع
هذا، ومع تأزم العلاقات الخارجية، فلا أعتقد أن هناك خططا تُرسم، أو أن دعوة
للفوضى يعمل الخارج على تنفيذها للوصول لانتخابات رئاسية مبكرة!
فقط،
فإن من يدقون طبول الحرب يعرفون أن النظام لم يعد لديه ما يقدمه للناس، فلا بد من
افتعال حرب دون الدخول فيها، واختلاق أزمة كونية لم تبدأ بعد. ثم إن دق الطبول
يأتي بعد محاولة جس النبض من أحد الإعلاميين المقربين من النظام بضرورة تعديل
الدستور، لضمان استمرار السيسي في الحكم، وقد تبين أن حجم المعارضين لها أكبر من
المتصور، فلا مانع من الذهاب بعيدا إلى حديث المؤامرة، والمخطط الغربي، وهؤلاء
الذين يرفضون استقلال مصر بقرارها، إذن هيا بنا نعدل الدستور لبقاء الرئيس الذي
يكرهه الغرب المستعمر!
تمنيت
لو كان في مصر مراكز جادة لاستطلاعات الرأي، ليكتشف القوم أن الرسالة لم تغير من
الناس، فأسلوب الستينات لم يعد صالحا للاستهلاك المحلي الآن!
وهذا
لا ينفي أنهم في أزمة ولا بد من حل، لكن ليس على قواعد الستينات وما أدراك ما
الستينات!
وإذا
كان المطلوب انتخابات رئاسية مبكرة، فلماذا لم يتم التعجيل بها؛ بيدي لا بيد عمرو،
حتى لا يكرروا خطأ الرئيس محمد مرسي!
بسيطة!
x.com/selimazouz1