دخل مشروع
"
تركيا خالية من الإرهاب" مرحلة جديدة مع حفل رمزي أقيم بالقرب من مدينة
السليمانية العراقية، يوم الجمعة الماضي، لإعلان بدء عملية نزع سلاح حزب العمال
الكردستاني. وشارك في الحفل عدد من قادة التنظيم الإرهابي وعناصره، وسلَّموا
أسلحتهم، وتم إحراق تلك الأسلحة بحضور سياسيين وصحفيين. ويتوقع أن تستمر العملية
أربعة أو خمسة أشهر، وفقا لتصريحات المسؤولين.
تخلي حزب العمال
الكردستاني عن الإرهاب وتسليم سلاحه خطوة تاريخية لن تلقي بظلالها على تركيا فحسب،
بل على المنطقة برمتها، كما أن مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" يهدف إلى
طي صفحة الإرهاب الانفصالي في تركيا ودول الجوار، مثل سوريا والعراق. وهو مشروع
يخدم أمن المنطقة واستقرارها، وبالتالي، ينزعج منه كل من يستغل الإرهاب ويستفيد
منه ويعلق عليه آماله لاستمرار حالة الفوضى والاقتتال وتقسيم المقسَّم ضمن خطة
سايكس بيكو الجديدة.
هناك منزعجون كثر في داخل تركيا وخارجها من الخطوة التاريخية التي تقدمت بها الحكومة التركية لإنهاء الإرهاب الانفصالي الذي استنزف طاقات البلاد لأكثر من أربعة عقود، وتعزيز الروابط الأخوية بين الأتراك والأكراد والعرب، وسحب الملف الكردي من أيدي القوى الدولية والإقليمية التي تستغله لتحقيق مصالحها على حساب أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها
رئيس الجمهورية
التركي رجب طيب
أردوغان، قال في تعليقه على الانتقال إلى مرحلة جديدة في مشروع
"تركيا خالية من الإرهاب": "عندما تحالفنا نحن الأتراك والأكراد
والعرب نشرت رياح خيولنا النسمات الباردة من بحر الصين إلى البحر
الأدرياتيكي"، مضيفا أن الأتراك والأكراد والعرب حين تحالفوا لم يستطع أحد
مقارعة حضارتهم وفنّهم وعلمهم ومستوى ازدهارهم، ولكنهم عندما تفرقوا وتباعدوا عن
بعضهم حلت عليهم الهزيمة والحزن، ودمرت جيوش المغول البلدان الإسلامية بلا رحمة،
كما اعتدى الصليبيون عليها. ولفت، في كلمته خلال اجتماع استشاري لحزب العدالة
والتنمية في العاصمة أنقرة، السبت، إلى أن التاريخ يعيد نفسه اليوم ليتعانق
الأتراك والأكراد والعرب بمحبة دون حواجز، وتتشكل من جديد روح ملاذكرد، وتحالف
القدس، ونواة حرب الاستقلال.
هناك منزعجون كثر
في داخل تركيا وخارجها من الخطوة التاريخية التي تقدمت بها الحكومة التركية لإنهاء
الإرهاب الانفصالي الذي استنزف طاقات البلاد لأكثر من أربعة عقود، وتعزيز الروابط
الأخوية بين الأتراك والأكراد والعرب، وسحب الملف الكردي من أيدي القوى الدولية والإقليمية
التي تستغله لتحقيق مصالحها على حساب أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها. وأكثر
من ينزعجون من مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" هم العنصريون العلمانيون
الكماليون الذين يرفضون تخلي حزب
العمال الكردستاني عن سلاحه، ويرغبون في استمرار
الاقتتال بين التنظيم الإرهابي الانفصالي والقوات التركية.
أسباب انزعاج
هؤلاء عديدة، منها أنهم يرون أن نجاح المشروع سيخدم الحكومة التركية في ظل تأييد
شعبي له تتجاوز نسبته 75 في المائة، كما يعرفون أن توقف
استنزاف طاقات البلاد سيحسن الاقتصاد، وسيؤدي إلى صرف الأموال لمشاريع تخدم
المواطنين بدلا من صرفها لمكافحة الإرهاب. إلا أن السبب الأهم هو أن مشروع
"تركيا خالية من الإرهاب" سيعزز دور مفهوم الأمة على حساب القومية
العنصرية، وهو ما أعرب عنه رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزل، حين ذكر أن
أردوغان يشير دائما إلى الأتراك والأكراد والعرب، ويريد أن يؤسس مظلة سياسية جديدة
مبنية على وعي الأمة بدلا من وعي المواطنة، وتحالفا جديدا مبنيا على الإسلام
السني.
معركة ملاذكرد
التي يشير إليها أردوغان في كلماته، انتصر فيها جيش المسلمين بقيادة السلطان
السلجوقي ألب أرسلان، على جيش البيزنطيين بقيادة الإمبراطور البيزنطي رومانوس
الرابع، عام 1071، وفتحت أبواب الأناضول أمام
السلاجقة. ويشهد التاريخ أن السلاجقة
لهم فضل كبير في تصدي المسلمين لفتنة البويهيين والفاطميين الباطنيين وحملات
الصليبيين. وكانت الدولة السلجوقية دولة آسيوية وشرق أوسطية عاش فيها الأتراك
والأكراد والعرب في وئام، وقاتلوا تحت رايتها.
وسائل الإعلام الغربية كثيرا ما تتحدث عن عودة الدولة العثمانية أو رغبة أردوغان في إحياء الإمبراطورية العثمانية، في إشارة إلى تصاعد نفوذ تركيا في المنطقة، إلا أن كل المؤشرات تشير إلى الرغبة في عودة روح السلاجقة
مجلس الوزراء
برئاسة أردوغان اجتمع في آب/ أغسطس الماضي في مدينة أخلاط شرقي البلاد، بمناسبة
الذكرى الـ953 لانتصار ملاذكرد، كما أقيمت فيها فعاليات بذات المناسبة شارك فيها
مع أردوغان حليفُه رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي. وكانت مدينة أخلاط من
المدن الأولى التي افتتحها السلاجقة في الأناضول، ونقطة انطلاق الجيش السلجوقي
بقيادة ألب أرسلان في معركة ملاذكرد، والمعارك الأخرى التي خاضها الجيش السلجوقي
لافتتاح مدن أخرى في الأناضول. كما أنها تحتضن مقابر تاريخيّة تعود إلى القادة والجنود
السلاجقة. وبسبب رمزيتها، تم إنشاء مجمع رئاسي فيها لتعزيز روابط مواطني تركيا
الحديثة بأجدادهم السلاجقة الذين جعلوا الأناضول وطنا لهم.
وسائل الإعلام
الغربية كثيرا ما تتحدث عن عودة الدولة العثمانية أو رغبة أردوغان في إحياء
الإمبراطورية العثمانية، في إشارة إلى تصاعد نفوذ تركيا في المنطقة، إلا أن كل
المؤشرات تشير إلى الرغبة في عودة روح السلاجقة كي تتصدى للحملات الصليبية الجديدة
وفتنة الباطنيين الجدد. ومن اللافت أن أردوغان أشار في تصريحاته إلى الأتراك
والأكراد والعرب، ولم يذكر الفرس ضمن تحالف الشعوب الذي سيحمي المنطقة من التشرذم
والتدخلات الخارجية.
x.com/ismail_yasa