نشر موقع «
ميدل إيست آي» مقالا تحليليا للصحفي شون ماثيوز، تناول فيه دلالات ترشيح الدبلوماسي البلغاري ووزير الدفاع السابق نيكولاي
ملادينوف لتولي منصب رفيع في إدارة قطاع
غزة بعد الحرب، باعتباره ممثلا لـ«مجلس السلام» الذي شكله الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، في خطوة تعكس – وفق المقال – مدى اعتماد الولايات المتحدة وإسرائيل المتزايد على دولة
الإمارات في إدارة ملف غزة.
ويأتي طرح اسم ملادينوف كبديل محتمل لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بعد موجة رفض واستنكار واسعَين أثارا حرجا لواشنطن وتل أبيب، ودفعا للبحث عن شخصية أقل إثارة للجدل وأكثر قبولا إقليميا.
من احتجاجات صوفيا إلى صالونات أبوظبي
يلفت المقال إلى التناقض اللافت بين المشهدين السياسيين اللذين يحيطان بملادينوف؛ ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خرج آلاف المتظاهرين في
بلغاريا احتجاجا على الفساد وارتفاع تكاليف المعيشة، مطالبين بإسقاط الحكومة، بينما كان وزير الخارجية البلغاري السابق، في الوقت ذاته، يشارك في أبوظبي في الإشادة بمحادثات وصفها بـ«التاريخية» حول اتفاق اقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والإمارات.
هذا التباين، بحسب ميدل إيست آي، يعكس كيف نجح ملادينوف في ترسيخ مكانته داخل دوائر النفوذ في الشرق الأوسط، بعيدا عن حالة الشلل السياسي في بلاده الأم.
مرشح مقبول… ولكن
يقول سياسي فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة للموقع، تعليقا على اسم ملادينوف: «إنه أفضل بكثير من البديل»، في إشارة إلى توني بلير. غير أن مسؤولا غربيا عبر عن موقف أكثر تحفظا، معتبرا أن «القضية لا تتعلق بشخص ملادينوف بقدر ما تتعلق بمن يسيطر على العملية برمتها».
وأضاف المسؤول: «أيا كان من سيختار، فسيحاسب، لكن ملادينوف متأثر بشدة بالإمارات، وبالتالي بإسرائيل».
وأشار الموقع إلى أنه حاول التواصل مع ملادينوف عبر منصة «لينكدإن» للحصول على تعليق، دون أن يتلقى ردا حتى وقت النشر.
خلفية سياسية معقدة
ولد نيكولاي ملادينوف عام 1972 في صوفيا، في عائلة مرتبطة بالنخبة الحاكمة خلال الحقبة الشيوعية؛ فوالده كان عضوا في جهاز المخابرات البلغاري، المكافئ لـ«كي جي بي» السوفيتي، بينما شغل عمه منصب سفير.
ويقول الصحفي البلغاري سفيتوسلاف تودوروف إن ملادينوف ينتمي إلى جيل من السياسيين «الذين كانت لهم جذور عائلية في النظام الشيوعي، ثم أعادوا تموضعهم سياسيا نحو اليمين في التسعينيات، لقيادة عملية التحول بدلا من الارتباط بالماضي».
وفي عام 1999، أسس ملادينوف «المعهد الأوروبي» في صوفيا للدعوة إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، ثم عمل مستشارا للبنك الدولي، والمعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني.
من الدفاع والخارجية إلى الأمم المتحدة
تقلد ملادينوف مناصب بارزة، بينها وزير الدفاع (2009–2010) ووزير الخارجية (2010–2013)، إضافة إلى عضويته في البرلمان الأوروبي بين عامي 2007 و2009. كما ورد اسمه في تسريبات «وثائق باندورا» عام 2021، التي كشفت تأسيسه شركة في سيشيل عام 2013، وهو ما قال لاحقا إنها «لم تكن نشطة».
بعد مغادرته الحكومة البلغارية، شغل منصب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط قرابة ست سنوات، وهو منصب رفيع لم يشغله سوى تسعة أشخاص منذ اتفاقيات أوسلو.
وحظي خلال هذه الفترة بإشادة من أطراف متناقضة، بما فيها السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وحماس. وقال خليل الحية، القيادي في حركة حماس، لصحيفة نيويورك تايمز عام 2021: «نحن فخورون بمعرفتنا له».
“أنا من البلقان”
عزا ملادينوف نجاحه في التعامل مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى جذوره البلقانية، قائلا في مقابلة وداعية مع نيويورك تايمز: «نحن في البلقان عرفنا تغير الحدود والحروب على الأماكن المقدسة واللغات… هذا صراع عاطفي لا يمكن حله برسم خط فاصل».
وينسب له دور في تعزيز مكانة مبعوث الأمم المتحدة، لا سيما في وساطته عام 2018، بالتعاون مع مصر، للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين الاحتلال وحماس في غزة.
الإمارات في الواجهة
يربط المقال بين صعود اسم ملادينوف والدور المتنامي للإمارات في غزة، في ظل تراجع أو تحفظ أدوار خليجية أخرى. فبينما كانت قطر في طليعة دعم غزة قبل حرب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، باتت الآن على خلاف مع الاحتلال٬ في حين أبدت السعودية ترددا في تمويل إعادة الإعمار.
في المقابل، برزت الإمارات بوصفها أكبر مانح لغزة، مع وقوفها عموما إلى جانب تل أبيب منذ بدء الحرب.
قرب من كوشنر واتفاقيات أبراهام
نقل ميدل إيست آي عن مسؤول غربي أن ملادينوف يجري محادثات مع مسؤولين أمريكيين مقربين من جاريد كوشنر، صهر ترامب، بشأن دوره المحتمل. وإذا تم تعيينه، فسيتولى دور الوسيط في «مجلس السلام» الذي شكله ترامب لإدارة غزة بعد الحرب.
وأشار الموقع إلى أن ملادينوف بنى علاقات قوية مع كوشنر خلال مفاوضات «اتفاقيات أبراهام» عام 2020، التي طبعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع إسرائيل. وكان كوشنر قد قال لـ"نيويورك تايمز" إن الإدارة الأمريكية «استشارت» ملادينوف خلال تلك المفاوضات، وأخذت بملاحظاته «البنّاءة».
غزة بعد الحرب… تحت أي وصاية؟
يخلص المقال إلى أن ترشيح ملادينوف لا يمكن فصله عن مساعي إدارة ترامب لإدارة غزة من خارجها، عبر شبكة من المعينين المقربين من كوشنر، في ظل غياب توافق دولي أو عربي على شكل الحكم أو الأمن في القطاع.
وبينما يرى أنصار هذا المسار أنه «براغماتي»، يحذر منتقدون من أنه يعكس نقل مركز القرار من الفلسطينيين إلى عواصم إقليمية، وعلى رأسها أبوظبي، بما يخدم – في نهاية المطاف – المصالح الأمريكية والإسرائيلية أكثر مما يلبي تطلعات سكان غزة المنكوبة.