صحافة دولية

من الاعتراف بالخطأ إلى استعراض الصواريخ.. كيف تحاول إيران ترميم صورة الردع؟

فايننشال تايمز: طهران تراجع حساباتها العسكرية وتعيد تحصين برنامجها الصاروخي - جيتي
أقرت قيادات عسكرية إيرانية بوقوع إخفاقات تكتيكية خلال الحرب الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، في اعتراف نادر يعكس حجم الصدمة التي تعرضت لها طهران، رغم إصرارها على أن قدراتها الصاروخية ما تزال سليمة إلى حد كبير، وقادرة على فرض معادلات ردع في أي مواجهة مقبلة.

وبحسب ما نقلته صحيفة "فايننشال تايمز"، قال دبلوماسي غربي رفيع المستوى إن إيران قد تتجه إلى نقل مواقع صواريخها إلى عمق أكبر في شرق البلاد، بهدف تحصينها بعيدا عن متناول الطائرات الإسرائيلية والأمريكية، في ظل المخاوف من تكرار الضربات الجوية.

ونقلت الصحيفة عن محمد رضا نقدي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، قوله: "لم نتوقع أن يستهدفوا قادتنا وعلماءنا في منازلهم مع عائلاتهم. لقد أخطأنا التقدير ونعترف بذلك"، في إشارة إلى الاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وعلماء نوويين خلال الضربات الإسرائيلية.

ورغم تلك الخسائر، شدد نقدي على أن الاحتلال "لم يدمر حتى 3% من منصات إطلاق صواريخنا"، وفق تعبيره، في محاولة للتقليل من أثر الضربات على القدرات الاستراتيجية الإيرانية.

معرض عسكري لطمأنة الداخل
وفي سياق استعراض القوة، أقام الحرس الثوري الإيراني مؤخرا معرضا للأسلحة في حديقة طهران الوطنية للفضاء، عرض خلاله صواريخ باليستية، وأنظمة فرط صوتية، وطائرات هجومية مسيرة، في خطوة هدفت إلى طمأنة الرأي العام بعد حرب الأيام الاثني عشر مع الاحتلال والولايات المتحدة، والتي كشفت عن نقاط ضعف كبيرة في المنظومة الدفاعية الإيرانية.

ووفق فايننشال تايمز، أسفرت الغارات الإسرائيلية خلال الحرب عن مقتل عشرات القادة العسكريين وعلماء نوويين بارزين، فيما تجاوز عدد القتلى في إيران الألف شخص. وتزعم طهران أن ردها الصاروخي المكثف هو الذي أجبر خصومها على وقف القتال.

وخلال المعرض، توقفت نسرين، وهي محاسبة تبلغ من العمر 35 عاماً، أمام صاروخ “سجيل” الباليستي، مستذكرة صورا انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للسلاح وهو يحلّق في السماء أثناء القتال، وقالت: "بفضل هذه الصواريخ، ركعت الولايات المتحدة وإسرائيل أمامنا. لولاها، لكانت إيران قد أصبحت مثل غزة".

وترى الصحيفة أن هذا المعرض شكل جزءا من حملة منظمة لإظهار القوة بعد الحرب، والتأكيد للمواطنين أن الدولة ما تزال قادرة على الدفاع عن نفسها ومستعدة لأي مواجهة محتملة.

رسائل رسمية عن الاكتفاء الذاتي
من جانبه، قال العميد علي بلالي، من الحرس الثوري الإسلامي ومدير المعرض، إن الزوار "يشاهدون هذه الصواريخ والطائرات المسيرة عن كثب، ويدركون أنها أسلحة محلية الصنع للدفاع عن الوطن"، مضيفا أن "قدراتنا تضعنا ضمن مجموعة الدول المعروفة بتطويرها الكبير للصواريخ"، بحسب فايننشال تايمز.

وخلال الأشهر التي أعقبت النزاع، وصف كثير من الإيرانيين حياتهم بأنها مرحلة "لا حرب ولا سلام"، خاصة مع منع طهران مفتشي الأمم المتحدة من الوصول إلى منشآتها النووية الحساسة التي تعرضت للقصف الأمريكي، وتعثر المحادثات مع واشنطن بشأن البرنامج النووي، إلى جانب إعادة فرض عقوبات أوروبية إضافية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التطورات عززت المخاوف داخل إيران من احتمال تجدد القتال، حيث قالت سارة، وهي طالبة علم النفس بالغة من العمر 19 عاماً: "يجب أن تستمر قدراتنا الصاروخية في النمو. فالحرب قد تستأنف في أي لحظة".

محاولة لطمس نقاط الضعف
وبينما يؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم أعادوا بسرعة بناء الجاهزية العسكرية، ترى فايننشال تايمز أن المعرض العسكري كان أيضاً محاولة لتحويل الأنظار عن الإخفاقات التي ظهرت بوضوح في بداية الحرب، حين نجحت إسرائيل في تنفيذ هجوم افتتاحي مباغت قضى على عشرات القادة العسكريين وعلماء الذرة.

وتقول طهران إنها أطلقت أكثر من 600 صاروخ خلال الرد، في ما وصفته الصحيفة بأكبر قصف تتعرض له تل أبيب في تاريخها.

ويرى مسؤولون إيرانيون، بحسب الصحيفة، أن تقييم الحرب لا ينبغي أن يقتصر على عدد الضحايا، بل يجب أن يشمل أيضا الكلفة المالية الباهظة التي تحملها الاحتلال والولايات المتحدة لاعتراض الصواريخ الإيرانية منخفضة الكلفة نسبيا، وتنفيذ عمليات جوية بعيدة المدى باستخدام ذخائر دقيقة باهظة الثمن.

طائرات “شاهد” والاعتراف بالمفاجأة
وعرضت طائرات “شاهد” المسيّرة، التي استخدمتها روسيا في حربها ضد أوكرانيا، بشكل بارز في المعرض، إلى جانب طائرات مسيّرة أخرى جرى عكس هندستها من نماذج أمريكية وإسرائيلية استولت عليها إيران.

لكن الجمهورية الإسلامية لم تُخف إخفاقاتها، إذ فشلت أنظمة الرادار المحلية في منع الطائرات المقاتلة والمسيّرة الإسرائيلية من ضرب أهداف داخل طهران. وفي مقابلات على موقع “يوتيوب” مع الإعلامي جواد مقوي، أقر وزراء وقادة عسكريون بأن التكتيكات الإسرائيلية فاجأتهم.

وقال محمد رضا نقدي مجددا: "لقد فوجئنا بطريقة عمل العدو… أخطأنا التقدير ونعترف بذلك".

وتعتبر الصحيفة أن اللحظة الأكثر إحراجا لطهران تمثلت في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في تموز/يوليو 2024، حين امتنعت إيران عن الرد. ويعترف مسؤولون اليوم بأن ذلك لم يكن ضبط نفس استراتيجيا، بل نتيجة إدراكهم نقص القدرة على الرد الفعال والحاجة إلى وقت لإعادة البناء.

إعادة بناء الردع ونقل الصواريخ شرقا
وبحسب فايننشال تايمز، قال العميد علي محمد نائيني، المتحدث باسم الحرس الثوري، إن إيران عملت خلال الأشهر اللاحقة على تحسين دقة وفعالية صواريخها، مضيفا: "نعمل على مدار الساعة للوصول إلى مستوى جديد من الجاهزية".

وأكد نائيني أن الصواريخ الباليستية بعيدة المدى قصرت أمد الحرب، قائلا: "لولا هذه الصواريخ، لاستمرت الحرب ثماني سنوات وليس 12 يوما".

وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي أن إيران قد تنقل مواقع صواريخها إلى عمق شرق البلاد لتعزيز الحماية، فيما قال نقدي: "إذا أبقينا أهداف العدو بعيدة عن متناوله، فلن تكون هناك حرب أخرى".

ترقب غربي ودعم محتمل
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن دبلوماسيين غربيين يراقبون عن كثب ما إذا كانت إيران تسعى للحصول على دعم خارجي لإعادة بناء قوتها العسكرية، خصوصا من دول مثل روسيا والصين وباكستان.

بالنسبة لزوار المعرض، تبدو الرسالة واضحة: مستقبل إيران لا يعتمد على حماية برنامجها الصاروخي فحسب، بل على تعزيزه. ويقول كيوان، مهندس حاسوب يبلغ 27 عاماً: "إذا تخلينا عن برنامجنا الصاروخي، فسنتعرض لهجوم أشد في المرة القادمة. بعد الحرب، ندرك أكثر من أي وقت مضى أهمية هذه الصواريخ".