كشف
هجوم مسلح
استهدف قوات أمريكية في وسط
سوريا عن التحديات الأمنية المعقدة التي تواجه القيادة
السورية الجديدة، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى بسط الاستقرار، ومحاربة تنظيم
الدولة، وإعادة ترتيب علاقاتها مع واشنطن والتحالف الدولي، وسط مخاوف من تداعيات
قد تعيد خلط الأوراق سياسيا وعسكريا.
ونشرت صحيفة
"
نيويورك تايمز" مقالا للصحفيين عبد اللطيف ضاهر وإريك شميت قالا فيه إن
الهجوم على القوات الأمريكية في سوريا يزيد من تعقيد جهود الرئيس السوري أحمد الشرع
لتوحيد البلاد وإعادة بناء العلاقات مع المجتمع الدولي.
وأضاف المقال أنه عندما
قتل مسلح منفرد، قال الرئيس ترامب إنه مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية، ثلاثة أمريكيين
في وسط سوريا يوم السبت، كشف ذلك عن التحديات الأمنية المتزايدة والوضع الهش الذي يواجه
الزعيم الجديد للبلاد.
وتابع المقال أنه منذ
الإطاحة بالدكتاتور السوري، بشار الأسد، قبل عام، اضطر الشرع إلى التعامل مع المهمة الشاقة المتمثلة في
استعادة السيطرة على دولة ممزقة بشدة. سعت حكومته إلى إعادة بناء قوة عسكرية موحدة.
ومع ذلك، فقد أسفر العنف الطائفي، الذي شاركت فيه القوات الحكومية، عن مقتل المئات،
مما يعيق إحراز تقدم حقيقي نحو المصالحة الوطنية. وقد أدى تصاعد التوترات مع الميليشيات
الكردية، التي تسيطر بشكل كبير على شمال شرق البلاد، إلى تعقيد جهود الحكومة لدمجها
في البنية السياسية والعسكرية الجديدة في سوريا.
وأضاف أن الشرع اضطر
إلى التعامل بحذر مع ترامب - الذي رحّب به علنا - وسط تساؤلات حول مستقبل القوات الأمريكية
في سوريا. وتتواجد القوات الأمريكية هناك منذ سنوات لمحاربة تنظيم الدولة (داعش)، ومواجهة
النفوذ الإيراني، وحماية المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، بما في ذلك حقول النفط.
وقد ظلّ خطر الإرهاب المستمرّ يلوح في الأفق بينما يحاول الشرع مواجهة هذه التحديات.
وتابع أنه خلال العام
الماضي، استغلّ تنظيم داعش الثغرات الأمنية، لاستهداف المدنيين وقوات الشرع. ثم، يوم
السبت، أسفر هجوم مسلح عن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني كان يشارك في جهود مكافحة
الإرهاب. كما أصيب ثلاثة عسكريين أمريكيين واثنان من قوات الأمن السورية في الهجوم
الذي وقع في تدمر، وفقا لمسؤولين أمريكيين ووسائل الإعلام السورية الرسمية.
وكانت وزارة الداخلية
السورية، قد أعلنت في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أن القوات
الحكومية اعتقلت خمسة أشخاص في مداهمات بمدينة تدمر. وأفادت سانا بأن العملية نُفذت
بالتنسيق مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولم يتبنَّ تنظيم الدولة
(داعش) مسؤولية الهجوم الذي وقع يوم السبت، والذي يُعد أول عملية قتل لأمريكيين في
سوريا منذ الإطاحة بالرئيس الأسد. وقالت وزارة الداخلية السورية في بيان لها مساء الأحد
إن شخصا ينتمي إلى التنظيم هو المسؤول عن عمليات القتل. كما ذكرت يوم السبت أنها حذرت
نظيرتها الأمريكية من هجمات محتملة لتنظيم داعش على القوات الأمريكية.
وأوضحت وزارة الداخلية
أن عنصر داعش تسلل إلى اجتماع عُقد يوم السبت بين القوات السورية في المنطقة ووفد من
قوات التحالف الدولي، حيث كانا يناقشان سبل مكافحة التنظيم المتطرف.
ولم ينفِ مسؤول عسكري
أمريكي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل عملياتية، التحذير
السوري، وقال إن هذا هو سبب تأمين
الجنود الأمريكيين للاجتماع. قال المسؤول:
"كان هذا مسلحا منفردا ينتمي لتنظيم داعش، وقد حالفه الحظ".
وامتنع مسؤولون أمريكيون،
يوم الأحد، عن تحديد طبيعة الاجتماع، وما إذا كان مسؤولون أمريكيون قد حضروه، ولماذا
استدعى الأمر وجود جنود الحرس الوطني لتأمين التجمع، بحسب المقال.
وأضاف المقال أن المحللون
قالوا إن الهجوم يمثل نكسة لحكومة الشرع، ويعقد جهوده الرامية إلى إرساء سلام دائم
في بلد لا يزال يعاني من عقود من الحكم الاستبدادي وحرب أهلية مدمرة، حيث قال بسام
برابندي، المحلل السياسي في العاصمة السورية دمشق: "هذه لحظة بالغة الصعوبة بالنسبة
للرئيس".
وأضاف أن الشرع
"لا يملك ترف الخيارات، فليس أمامه خيار سوى تحقيق الاستقرار في سوريا، وإعادة
إعمارها، وجعلها أرضا خالية من أي وجود للمنظمات الإرهابية".
وتولى الشرع السلطة
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد أن حققت قواته تقدما سريعا في أنحاء سوريا، وأطاحت
بحكم عائلة الأسد الذي دام خمسة عقود، كان زعيما سابقا للفرع السوري لتنظيم القاعدة،
وقد سُجن سابقا على يد القوات الأمريكية في العراق، ورُصدت مكافأة قدرها 10 ملايين
دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه، قطع علاقاته مع تنظيم القاعدة عام
2016، وأعاد تسمية جماعته لتصبح أكثر اعتدالا، وألغت الولايات المتحدة المكافأة المرصودة
لقتله في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ومنذ توليه الرئاسة،
سعى الشرع إلى بناء علاقات دولية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة. وقد التقى بترامب
في البيت الأبيض، وألقى خطابا في الأمم المتحدة، وحظي بدعم قوي من عدة دول عربية مجاورة.
وفي الشهر الماضي، انضمت حكومته أيضا إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة
داعش، مؤكدة بذلك التزامها بمكافحة التنظيم.
جاء الهجوم في تدمر
في وقت شن فيه تنظيم داعش هجمات في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، وفي ظل تصعيد السلطات
لعملياتها ضد التنظيم، حيث قال المحللون إن هجوم يوم السبت يُسلط الضوء بشكل حاد على
التدخل الأمريكي في سوريا، وسيختبر علاقة الشرع بترامب والتحالف الأوسع.
وقال كولن كلارك، محلل
مكافحة الإرهاب في مجموعة صوفان، وهي شركة استخبارات وأمن عالمية مقرها نيويورك، إن
الهجوم قد يُعطي ترامب دافعا لتسريع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
تتواجد الولايات المتحدة
بنحو ألف جندي في مواقع متقدمة شمال شرق سوريا وفي قاعدة التنف جنوب شرق البلاد، أي
ما يقارب نصف العدد الإجمالي للقوات الأمريكية التي كانت في البلاد عند تولي ترامب
منصبه في كانون الثاني/ يناير.
وقال كلارك:
"هذا تحديدا ما يأمل تنظيم داعش تحقيقه، وهو انسحاب أمريكي متسرع يمنح التنظيم
مساحة أكبر للمناورة".
كما يُبرز هجوم تدمر
الحاجة المُلحة المتزايدة لحكومة الشرع لمعالجة علاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية
(قسد)، وهي فصيل مسلح يقوده الأكراد ويسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا.
وأردف المقال أنه لسنوات،
كانت قوات سوريا الديمقراطية الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في حربها ضد داعش، حيث
سيطرت على أراضٍ خلال الحرب الأهلية. كما تشرف هذه القوات على معسكرات اعتقال وسجون
تضم آلافا من مقاتلي داعش وعائلاتهم.
وفي آذار/ مارس، وقّعت
قوات سوريا الديمقراطية اتفاقية مع الحكومة السورية تلتزم بموجبها بالاندماج في الدولة
الجديدة بحلول نهاية العام. لكن هذا لم يتحقق بعد، بحسب المحللين والمسؤولين السوريين،
وقد اشتبك الطرفان في الأشهر الأخيرة.
عقب هجوم يوم السبت،
أكدت الجماعة الكردية أن قواتها لم تكن جزءا من الدورية المشتركة مع القوات الأمريكية
في منطقة تدمر، معلنة في الوقت نفسه استعدادها للولايات المتحدة لمواصلة محاربة داعش.
وقال فرهاد شامي، المتحدث
باسم القوات الكردية، على مواقع التواصل الاجتماعي: "نؤكد مجددا استعدادنا لملاحقة
داعش في تلك المناطق وهزيمته، في حال التوصل إلى اتفاق مع التحالف الدولي".
وقبيل هجوم يوم السبت،
اتهم متحدث باسم وزارة الداخلية السورية الجماعة برفض الالتزام بالاتفاق مع الحكومة
واستخدام القتال ضد داعش كوسيلة للحفاظ على سلطتها. إن مواجهة التنظيم الإرهابي تُمكّن
قوات سوريا الديمقراطية من إضفاء الشرعية على سلطتها في المناطق التي تسيطر عليها،
والحفاظ على سيطرتها على حقول النفط والغاز القيّمة، وترسيخ مكانتها كحليف أساسي للولايات
المتحدة.
قال المتحدث باسم وزارة
الداخلية، نور الدين البابا، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: "إن القضاء على
الإرهاب وتنظيم داعش يعني نهاية قوات سوريا الديمقراطية سياسيا وماليا".
ويرى محللون أن على
الشرع مواجهة كل هذه التحديات في الأيام المقبلة، إلى جانب التعامل مع ضغوط أمنية واقتصادية
وسياسية متعددة. كما سيحتاج إلى إدارة أي تداعيات محتملة من الولايات المتحدة، في ظل
تحقيق البنتاغون في حادثة إطلاق النار وتعهد الرئيس ترامب بالرد.
وقلّل المسؤول الأمريكي
الرفيع من احتمالية شنّ حملة قصف واسعة النطاق أو عمليات كوماندوز ضد داعش في سوريا،
مؤكدا على ضرورة اتباع نهج حذر لتجنب زعزعة استقرار الوضع السياسي الهش للشرع.
وقال برابندي، المحلل
السياسي في دمشق، إن حكومة الشرع ستؤكد على الأرجح أنها تبذل قصارى جهدها، على الرغم
من محدودية الموارد والخبرات والقدرات على الأرض.
وقال: "ستكون
رسالتهم هي إظهار كيف أنهم يبذلون قصارى جهدهم وأنهم ما زالوا شريكا موثوقا به على
الرغم من مواجهتهم للعديد من العناصر التي لا تريد أن تكون سوريا مستقرة".