ملفات وتقارير

بشور لـ"عربي21": فلسطين كانت ولا تزال الهاجس والمحرك في المشروع القومي العربي

أكد بشور أن المؤتمر القومي العربي حافظ على استقلاله السياسي والفكري رغم الضغوط التي واجهها من أنظمة حاولت محاصرته أو السيطرة عليه..
أكد الأمين العام السابق للمؤتمر معن بشور في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال الهاجس والمحرك الأساسي في مسيرة المشروع القومي العربي، مشيرًا إلى أن فكرة تأسيس المؤتمر وولادته الفكرية والسياسية جاءت في سياقٍ تاريخيٍ كانت فيه انتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 1987 تعبّر عن لحظة وعي قومي جديد حرّك الضمير العربي وأعاد الاعتبار لقضية التحرر والوحدة.

وأوضح بشور، عشية انعقاد الدورة الـ35 من المؤتمر القومي العربي، أن فلسطين كانت دومًا نقطة الالتقاء بين التيارات القومية والوحدوية العربية، ومركز الإلهام الذي دفع المفكرين والقوميين العرب إلى البحث عن صيغةٍ تنظيميةٍ تتجاوز الانقسامات الحزبية والقطرية. وأضاف أن هذه الفكرة تبلورت بدايةً داخل مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، حيث برزت الحاجة إلى إطار فكري وحركي يجمع المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي ويمنحهم مرجعية مشتركة للحوار والعمل المشترك.

وأشار بشور إلى أنه تلقّى حينها دعوة من المفكر الراحل خير الدين حسيب لإعداد ورقة نقاش حول "الحركة العربية الواحدة"، طُرحت في لقاءٍ وطني واسع جمع رموز الفكر الوحدوي العربي في الذكرى الحادية والثلاثين للوحدة بين مصر وسوريا عام 1989، مضيفًا أنه دعا في ورقته إلى تجنّب إطلاق حزب وحدوي عربي قبل إنضاج الظروف الفكرية والتنظيمية، واقترح بدلًا من ذلك تأسيس مؤتمر قومي عربي يكون مظلة جامعة للحوار والتفاعل بين المفكرين والسياسيين والنقابيين والإعلاميين المؤمنين بالوحدة والنهضة، دون الوقوع في أمراض التعصب والانغلاق التي أضعفت الحركة القومية في مراحل سابقة.

وبيّن بشور أن انتفاضة الحجارة في فلسطين والحرب اللبنانية التي سُمّيت بـ"حرب التحرير" عام 1989، منحت المشروع القومي العربي زخمًا جديدًا، إذ كشفت تلك الأحداث عن حاجة الأمة إلى فكرٍ وحدويٍ جامع يتجاوز التجزئة الضيقة، ويواجه المشروع الصهيوني–الاستعماري الذي يستهدف الأمة بأسرها، لافتًا إلى أن المؤتمر القومي العربي وُلد من رحم هذا الإدراك العميق لمسؤولية النخب العربية تجاه فلسطين ومستقبل الأمة.

وأضاف بشور أن المؤتمر القومي العربي، ومنذ تأسيسه في تونس عام 1990، لم يكن مجرد إطار نخبوي، بل تحوّل إلى منصة حوار وفعل عربي ساهمت في تأسيس عشرات الهيئات والمبادرات الموازية، مثل مخيم الشباب القومي العربي، ومنتديات التواصل الفكري الشبابي، وملتقى الشباب العربي، معتبرًا أن الاهتمام بجيل الشباب كان من أبرز أولويات المؤتمر لتأمين تواصلٍ فكريٍ وسياسيٍ بين أجيال الأمة.

وأشار بشور إلى أن المؤتمر لم يكتفِ بالعمل الفكري والسياسي، بل كان وراء تأسيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الذي أطلق مبادرات وملتقيات دولية واسعة في دعم القضية الفلسطينية والمقاومة العربية، منها: المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين، الذي ترأسه فخريًا وزير العدل الأمريكي الراحل رامزي كلارك، وملتقيات القدس الدولي (إسطنبول 2007)، والعودة (دمشق 2008)، والجولان (القنيطرة 2008)، ودعم المقاومة (بيروت 2009)، ودعم الأسرى والمعتقلين (الجزائر 2010)، والدفاع عن وحدة السودان (2011)، ومقاطعة العدو (تونس 2012).

ولفت بشور إلى أن تلك الملتقيات جمعت مناضلين عربًا وأجانب، كثيرٌ منهم يشاركون اليوم في الانتفاضة العالمية المتصاعدة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وتنديدًا بالجرائم الصهيونية، مؤكدًا أن "المؤتمر القومي العربي كان ولا يزال منبرًا للوحدة ومختبرًا للمقاومة الفكرية والسياسية، حتى في أصعب مراحل الحصار السياسي والمادي".

وأكد بشور أن المؤتمر القومي العربي حافظ على استقلاله السياسي والفكري رغم الضغوط التي واجهها من أنظمة حاولت محاصرته أو السيطرة عليه، مشددًا على أن القيمين عليه اختاروا نهج التوازن بين وضوح الموقف القومي وتجنّب الصدام المباشر مع الأنظمة العربية، من خلال إصدار بيانات ومواقف مبدئية وترك مهمة التنفيذ للقوى الشعبية والنقابية والسياسية في كل ساحة عربية.

وأشار الأمين العام السابق إلى أن المؤتمر القومي العربي، رغم الصعوبات، واصل مسيرته النضالية من أجل قضايا الأمة وفي طليعتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وحرص خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد عملية "طوفان الأقصى"، على تخصيص دورتيه الـ33 والـ34 بالكامل لفلسطين وغزة، تأكيدًا لموقع القضية الفلسطينية كـ"بوصلة الأمة ومحرك ضميرها الجمعي".

وختم بشور حديثه لـ"عربي21" بالتأكيد على أن انعقاد الدورة الـ35 للمؤتمر القومي العربي يأتي في ظرفٍ تاريخي دقيق يتطلب استنهاض الفكر القومي والنهضوي العربي، وتجديد التزام النخب العربية بمركزية فلسطين كقضية تحرر وعدالة وإنسانية، مشددًا على أن "فلسطين لم تكن يومًا قضية شعبٍ واحد، بل قضية أمة بأكملها، وهي ما تزال هاجسها ومحركها نحو الوحدة والتحرر".

وتنعقد الدورة الخامسة والثلاثون للمؤتمر القومي العربي في بيروت لمدة ثلاثة أيام، ما بين 7 و9 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، في ظلّ تحولات عربية ودولية عاصفة، وفي لحظة يُعاد فيها رسم موازين القوى في المنطقة على وقع العدوان الإسرائيلي على غزة وعودة الاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية باعتبارها بوصلة الصراع في المنطقة.

ووفق بيان "المؤتمر"، سيناقش المجتمعون بعد الجلسة الافتتاحية التقرير السياسي حول غزة وفلسطين والعالم، فيما يُخصَّص يوم كامل لبحث أربعة محاور رئيسية تتعلق بـ"مستقبل الصراع العربي ـ الصهيوني في ظل طوفان الأقصى". كما سيتناول المؤتمر في جلسة خاصة موضوع "نهضة الأمة: آفاق جديدة للمشروع النهضوي العربي"، إلى جانب القضايا التنظيمية الداخلية، بما في ذلك انتخاب أمين عام وأمانة عامة جديدة، وفق النظام الداخلي الذي ينص على إجراء الانتخابات كل ثلاث سنوات.

ومنذ انطلاقته الأولى في تونس عام 1990، تولى الأمانة العامة للمؤتمر عشرة من الشخصيات القومية البارزة، هم: الدكتور خير الدين حسيب (العراق)، عبد الحميد مهري (الجزائر)، ضياء الدين داود (مصر)، معن بشور (لبنان)، خالد السفياني (المغرب)، عبد القادر بن غوقة (ليبيا)، عبد الملك المخلافي (اليمن)، الدكتور زياد حافظ (لبنان/الولايات المتحدة)، مجدي المعصراوي (مصر)، والأمين العام الحالي حمدين صباحي (مصر).

ويُكرّس المؤتمر في دورته الجديدة نقاشاته حول "فلسطين كمحرك للنهضة والوحدة ومصدر لتجديد المشروع القومي"، مع تركيز خاص على آليات تفعيل العمل العربي المشترك، ودور الشباب، وإعادة الاعتبار للمقاومة باعتبارها الركيزة المركزية في المشروع القومي العربي.