سياسة دولية

رحيل الملكة الأم سيريكيت يطوي صفحة سبعين عامًا من التاريخ والتقاليد في تايلاند

رحيل الملكة الأم لا يُعدّ حدثًا عائليًا داخل القصر الملكي فحسب، بل يمثل نهاية حقبةٍ تاريخية امتدت منذ منتصف القرن العشرين..
أعلنت تايلاند، السبت، وفاة الملكة الأم سيريكيت كيتياكارا، والدة الملك الحالي ماها فاجيرالونغكورن، عن عمرٍ ناهز 93 عامًا، لتطوي برحيلها آخر فصول جيلٍ ملكيٍّ ارتبط بذاكرة التايلانديين لأكثر من سبعة عقود، مثّل خلالها أحد أبرز رموز الاستقرار والهوية الوطنية في بلدٍ لطالما شهد تحولاتٍ سياسية واجتماعية عاصفة.

رحيل الملكة الأم لا يُعدّ حدثًا عائليًا داخل القصر الملكي فحسب، بل يمثل نهاية حقبةٍ تاريخية امتدت منذ منتصف القرن العشرين، حين كانت سيريكيت شابةً ابنةَ سفيرٍ تايلاندي في فرنسا، التقت هناك بالملك الراحل بوميبول أدولياديج أثناء دراسته في باريس عام 1950. سرعان ما نشأت بينهما علاقة حب لافتة تجاوزت البروتوكولات الملكية، وسرعان ما تُوجت بزواجٍ أسطوري جعل منها ملكة تايلاند ورفيقةً لملكٍ سيصبح لاحقًا أطول الملوك حكمًا في تاريخ البلاد، بولايةٍ امتدت سبعين عامًا شكّلت ملامح تايلاند الحديثة.

خلال عقودٍ من حكم زوجها، تحوّلت الملكة سيريكيت إلى رمزٍ للأمومة الوطنية، إذ كرّست حياتها للعمل الاجتماعي والخيري، ودعمت مشاريع تنموية لصالح النساء في الريف التايلاندي، ما منحها احترامًا عابرًا للانقسامات السياسية والإثنية. وبعد وفاة الملك بوميبول عام 2016، بقيت سيريكيت رمزًا روحيًا للنظام الملكي ومصدرًا للحنين إلى عهدٍ اعتبره كثير من التايلانديين أكثر استقرارًا وتماسكًا.

في السنوات الأخيرة، تراجعت مكانتها العامة بفعل المرض والتقدم في السن، بينما واصل نجلها الملك فاجيرالونغكورن قيادة البلاد وسط تحديات سياسية واقتصادية متزايدة، وتراجع في مكانة المؤسسة الملكية أمام موجاتٍ من الاحتجاجات الشبابية المطالبة بالإصلاح السياسي وتقليص سلطات العرش. ويُنظر إلى وفاة الملكة الأم على نطاقٍ واسع باعتبارها نهاية رمزية لآخر صلةٍ بين تايلاند المعاصرة وتاريخها الملكي الكلاسيكي الذي تداخل فيه الدين والسياسة والعاطفة الوطنية.

يذكر أن الملكة سيريكيت وُلدت عام 1932، العام ذاته الذي شهد تحوّل تايلاند من نظام الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية، ما جعل حياتها تجسّد عمليًا رحلة بلدٍ يسير بين التقاليد الراسخة وطموحات التحديث. وبرحيلها اليوم، يودّع التايلانديون "قلب العائلة الملكية" وامرأةً كانت، في نظر شعبها، تجسيدًا للأناقة والواجب والوفاء لعرشٍ شكّل أحد أركان الهوية الوطنية.