رغم الترحيب
الإسرائيلي بصفقة التبادل واتفاق
وقف إطلاق النار في قطاع
غزة، لكن القناعة المتزايدة يوما بعد يوم هي أن دولة
الاحتلال تمرّ بمنعطف حرج بسبب هذا الاتفاق، لأن تراكم نفوذ "الجهات المعادية" لها في القطاع، بجانب تدخلاتها من وراء الكواليس، قضيا على فرصة إضعاف حركة
حماس بشكل كبير، ما قد يحول الاتفاق إلى "حقل ألغام سياسي".
وأكد محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "
يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشاع، أنه "لا يمكن لمن خططوا للاتفاق مع حماس أن يستغربوا هذه النتيجة، ومفادها أنها تُؤخّر إعادة جثامين القتلى الاسرائيليين إليها، والسبب بسيط أنه لم يُحدّد إطار زمني لإعادة جميعها، مما يطرح السؤال: كيف وُقّع اتفاق كهذا، وفيه ثغرة كبيرة كهذه، مع أن الحركة استقبلت بالفعل 2000 أسير محرر، دون وضع تسلسل هرمي يُلزم إسرائيل بربط إطلاق سراحهم بإعادة الجثث، وليس فقط الرهائن الأحياء".
وأضاف يهوشاع في مقال ترجمته "عربي21" أنه "ليس بالضرورة أن تكون خبيرًا كبيرًا في شؤون الشرق الأوسط لتفهم عدم توقّع أن تبذل حماس أقصى جهد لإعادة جثامين القتلى الإسرائيليين، لأنها خلال المفاوضات أعلنت معرفة مكان نصفهم، بينما أشارت تقديرات إسرائيلية إلى عدد أكبر، وفي اقتراحها قبل عام، حددت أماكن 18 جثة، وكان التقدير أنها ستعيد عددًا من خانة واحدة، وقد يصل إلى 15 جثة على الأقل، خلال 72 ساعة، لكن في الواقع، لم يُعاد سوى أربعة جثث، وبعد أن ضغط إسرائيل على الوسطاء، سُجِّل بعض التقدم مع ضربة أخرى".
وأوضح أن "إسرائيل صحيح أنها حققت إنجازًا كبيرًا باستعادة جميع الرهائن أحياءً دفعةً واحدة، لكن النقاط الرئيسية الأخرى، وفي مقدمتها تفكيك حماس، ونزع سلاحها، وإبعادها عن السلطة، لم تتحقق بعد، ولا يزال الجيش متمركزًا في عمق القطاع، وليس فقط في محيطه، وتسمح إسرائيل الآن لتركيا ومصر وقطر، وجميعها لديها مصلحة في نجاح الجزء الأول من الاتفاق، بمواصلة العملية، أما بالنسبة للاستمرار، خاصة نزع سلاح الحركة في غزة، فمن المشكوك أن تساعد هذه الدول في إنجازه".
وأشار إلى أن "تركيا وقطر لهما مصلحة واضحة ببقاء حماس، بعد موافقة إسرائيل على مشاركتهما في المفاوضات لإعادة جميع الرهائن أحياءً بضربة واحدة، الآن، تسعى قطر، التي موّلت الحركة لسنوات، للحفاظ على مكانتها كوسيط إقليمي رئيسي؛ وترى تركيا، بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غزة كمركز نفوذ استراتيجي وأيديولوجي، ورغم المعارضة الإسرائيلية للتدخل التركي بإعادة إعمار غزة، انطلقت فرق هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) من جميع أنحائها للمساعدة في التعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة".
وأكد أن "النتيجة مفادها اليوم أن وراء هذه العناوين المتفائلة تختبئ ثغرات عميقة قد تُحوّل "تفكيك حماس" إلى مجرد إعلان فارغ، ويكمن القلق في أنها تلقت ضمانات غير رسمية من قطر وتركيا للحفاظ على قوتها الأساسية: السياسية والاقتصادية، بل وحتى العسكرية، تحت غطاء مدني جديد، وطالما بقيت زمام الأمور في أيدي الوسطاء، فإن إسرائيل تفقد قدرتها على تشكيل الواقع في قطاع غزة، وتُخاطر بإعادة حماس لمركز الصدارة، وإن كان تحت مسمى مختلف".
وأضاف أنه "مع مرور الوقت، تُعيد حماس ترسيخ وجودها السري، ويُشكّل الجمع بين الوجود التركي في غزة، والتدخل القطري المستمر تهديدًا مزدوجًا بإسرائيل، مفاده عودة النفوذ الإسلامي للقطاع، والتسلل السياسي للمنافسين الإقليميين لمنطقة يتحمل مسؤولية أمنية مباشرة عنها، لذلك، يقف الآن عند منعطف حرج: وإذا لم يُعِد تعريف قواعد اللعبة، ويضع خطوطًا حمراء واضحة للتدخل الخارجي، فقد يتحول الاتفاق الحالي من رافعة لإعادة إعمار القطاع، إلى لغم سياسي سينفجر لاحقًا".
وزعم أن "حماس تستغلّ الوضع للضغط على إسرائيل وتحقيق مكاسب إنسانية، لاسيما في مجالات إعادة الإعمار، ولا تُضيّع الوقت، فهي تسعى لإعادة تنظيم قواتها وبنيتها التحتية المدنية، وأمرت بتعبئة الآلاف من قواتها الأمنية للسيطرة على المناطق التي أخلاها الجيش مؤخرًا، وفي الوقت نفسه عيّنت محافظين جدد، وهكذا تُرسّخ سيطرتها، وتقضي على منافسيها، ممن تحدّوها، بل وساعدوا إسرائيل بعد أن أعطاها الرئيس ترامب ما يشبه "الضوء الأخضر" للتعامل معهم، رغم مطالبته بنزع سلاحها".