تجددت الاشتباكات بين أفغانستان وباكستان خلال الأيام الماضية في أخطر مواجهة بين البلدين منذ 2021، لتتحول الحدود الطويلة والشائكة والبالغ طولها 2640 كيلومترا إلى مسرح تبادل نيران وضربات جوية وإغلاق معابر، قبل أن تتفق كابول وإسلام آباد أخيراً على وقف إطلاق نار مؤقت مدته 48 ساعة وسط وساطة إقليمية.
وفي التقرير التالي نشرح جذور الأزمة، وأسباب اندلاع الصراع في تسلسل زمني للأحداث الأخيرة، والآثار المحتملة على الاستقرار الإقليمي:
لماذا تفجرت الأزمة؟ الأسباب الجذرية
حركة «طالبان ـ باكستان» والاتهامات المتبادلة
حجر الزاوية في التوتر الحالي هو اتهام باكستان المستمر لكابول (التي تحكمها حركة طالبان الأفغانية) بتقديم ملاذات أو دعم لقيادات ومقاتلي حركة «طالبان ـ باكستان» المسؤولة عن هجمات داخل الأراضي الباكستانية.
ترى إسلام أباد أن وجود هذه الحركات على الأراضي الأفغانية يشكل تهديدا مباشرا لأمنها ويبرر عمليات عسكرية ضد معسكرات الميليشيات أو استهداف شحنات تسلل عبر الحدود. بينما تنفي كابول أن تكون ملاذا رسميا لحركة «طالبان ـ باكستان» وتحمل الحكومة الباكستانية مسؤولية بعض التصعيدات.
الخلفية التاريخية لعدم الاعتراف بخط «دوراند»:
ويعد الخط الحدودي (دوراند) الذي فرضته بريطانيا في 1893 ولم يعترف به رسميا من أفغانستان، وهو مصدر دائم للاحتكاكات؛ فقبائل متداخلة تعيش على جانبي الحدود تسهل حركة المسلحين والمهربين، بينما تحاول باكستان «تقنين» الحدود ببناء سياج وتعزيز نقاط تفتيش. وهذا الإطار التاريخي يضاعف حساسية أي اشتباك عسكري.
تحولات السياسة الإقليمية والاصطفافات الدولية:
ويضاف إلى ذلك تحسن علاقات كابول مع نيودلهي، ووجود تباينات في مواقف قوى إقليمية (
الهند ـ باكستان ـ الصين ـ الولايات المتحدة) مما أدى إلى تعقيد مسارات الوساطة والمصالح. كما أدت زيارة وزير خارجية طالبان إلى نيودلهي ورفع مستوى العلاقات إلى فقد إسلام أباد ثقتها وأدت إلى ردود فعل حادة، لا سيما أن أي تعاون أفغاني ـ هندي ينظر إليه تاريخيا على أنه يستهدف المصالح الباكستانية.
التداخل بين ملفات داخلية وباكستانية:
تعاني باكستان ضغطا اقتصاديا وأمنيا من هجمات داخلية، وموجات عنف في أقاليم خيبر بختونخوا وبلوشستان، ما يدفعها إلى تبني لهجة أمنية صارمة وحساسية تجاه أي تهديد عابر للحدود. وأدى هذا المناخ الداخلي إلى ميل القيادة في إسلام أباد للرد العسكري بقوة.
تسلسل الأحداث الأخيرة
أيام ما قبل التصعيد (طوال 2024–2025): تصاعد حوادث عبر الحدود، من هجمات متفرقة داخل باكستان منسوبة إلى «طالبان ـ باكستان»، وضغط إسلام أباد على كابول لوقف أنشطة هذه الجماعات. كما تتهم تقارير أممية فصائل أفغانية بتوفير دعم لوجستي أو تسهيلات.
بدايات التصعيد الحالي — أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2025
سجلت اشتباكات متصاعدة على طول الحدود في مناطق جبلية شديدة الوعورة، مع تبادل قذائف ومدفعية وعمليات محلية بين عناصر من الجانبين. أعلنت إسلام أباد أن هجمات داخلية أوقعت عشرات القتلى خلال العام، متهمة شبكات من داخل أفغانستان.
موجة عنف مكثفة (وقفات عنيفة خلال أسبوع التصعيد)
تبادل الطرفان اتهامات وادّعا كل منهما خسائر كبيرة؛ أفغانستان أعلنت مقتل 58 جندياً باكستانياً في مواجهات ردا على ضربات قالت إنها باكستانية استهدفت مواقع داخل أراضيها، بينما قالت باكستان إنها قتلت مئات من مقاتلي «طالبان» الأفغانية أو الحليفة لها. كما أعلنت باكستان إغلاق معابر حدودية رئيسية مثل (تورخام، شامان) وتعليق التجارة.
محاولات وساطة (سعودية ـ قطرية)
تفجر التصعيد بين كلا البلدين أدى إلى تدخل وساطات إقليمية؛ عملتا السعودية وقطر على احتواء التوتر ودفع الأطراف نحو هدنة مؤقتة لتجنب انزلاق شامل. كما دعت تصريحات دولية لضبط النفس وفتح قنوات الحوار.
إعلان وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 48
أفادت وزارة الخارجية الباكستانية وتأكيدات من طالبان الأفغانية بأنه تم الاتفاق على تهدئة مؤقتة تبدأ مساء الأربعاء ولمدة 48 ساعة، على أن يجري خلال تلك الفترة إجراء محادثات لحل النزاع عبر الحوار، بعد ضغط وساطات وإقليمية ودولية. وأعرب الطرفان عن التزامهما المبدئي بالتهدئة ما لم يحدث خرق.
شهادات وأرقام متضاربة
اختلفت أرقام الضحايا والخسائر بين الطرفين٬ فكلاهما أعلن أرقاما مرتفعة لصالح روايته، فيما تكتفي وكالات الأنباء الدولية بتأكيد وقوع عشرات القتلى مع صعوبة التحقق المستقل. وتشير التقارير إلى سقوط جنود ومدنيين على جانبي الحدود، ونزوح قرويين من مناطق التماس. كما أغلقت عدة نقاط حدودية رئيسية وتوقفت حركة التجارة العابرة.
من هم اللاعبون الرئيسيون؟
حكومة طالبان في كابول: تمثل السلطة الفعلية في أفغانستان منذ 2021، وتدار سياسيا وعسكريا من قيادة طالبان، التي تنفي أنها موطئ قدم رسمي لحركة «طالبان ـ باكستان» لكنها في المقابل تواجه صعوبة السيطرة التامة على كل الميليشيات والأفواج العابرة للحدود.
باكستان (الجيش والحكومة): الجيش الباكستاني جهة فاعلة مركزية، ويعتبر أن الأمن القومي يتعرض للخطر من وجود مسلحين معادين على الجانب الأفغاني. الجيش له تجارب تاريخية في التأثير على السياسة الأفغانية.
حركة «طالبان ـ باكستان» : جماعة مسلحة باكستانية تسعى لزعزعة الأمن داخل باكستان، وتتهمها إسلام أباد بالتخطيط لشن هجمات كبيرة داخل أراضيها.
قوى إقليمية ودولية: السعودية وقطر أبدتا دور وساطة محلية، بينما تلعب الهند والباكستان لعبة نفوذ إقليمية مع تأثيرات في الحسابات المحلية؛ كما تراقب أيضاً الولايات المتحدة الأوضاع عن كثب خشية تفاقم عدم الاستقرار.
قد تخفف الهدنة المؤقتة التوتر مؤقتا وتمنح فرصة للحوار، لكنها لا تعالج الأسباب الجذرية٬ مثل وجود مجموعات مسلحة عبر الحدود، عدم ثقة بين الطرفين، والتحالفات الإقليمية المتباينة. كما يحذر خبراء من دوامة ردود الفعل من أي هجوم أو عملية انتقامية قد تشعل جولة جديدة أسرع مما يتوقع.