تتصاعد خطوات 53
معتقلا مصريا رفضا لسياسة "التغريب" التي تتبعها السلطات الأمنية
المصرية بنقلهم من
سجون قريبة إلى "الوادي الجديد" المعروف بـ"سجن
الموت"، لتصل حد 12 محاولة انتحار، وإضرام الحريق بالمتعلقات، والإضراب عن
الطعام، ما قابلته السلطات بحشد للقوات والاعتداء على
المعتقلين بالهراوات وإصابة
عدد منهم، ثم تغريبهم قسريا.
وبدأت الإجراءات
الخميس 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، حينما قررت مصلحة السجون المصرية نقل 72 سجينا من
سجن "أبوزعبل 2"، القريب من القاهرة (30 دقيقة)، إلى سجن "برج
العرب" بالإسكندرية، وسجن "الوادي الجديد" في المحافظة النائية
التي تبعد عن العاصمة المصرية بمسافة تتراوح بين (750 إلى 850 كيلومتر) تقطعها
السيارة في 10 ساعات.
حينها أعلن المعتقلون
إضرابا مفتوحا عن الطعام حتى الموت، ملوّحين بالانتحار الجماعي حال ترحيلهم قسرا،
مشيرين إلى ما يصل مسامعهم من معاملة غير إنسانية بالوادي الجديد، واضطرار أسرهم
السفر أكثر من 1500 كيلومتر ذهابا وإيابا، مع أعباء اقتصادية خانقة، مما يؤدي
غالبا لانقطاع تواصل المعتقل وأسرته.
وأكدوا في رسالة
لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، رغبتهم في التسكين في سجون قريبة
جغرافيا من محل إقامتهم رأفة بذويهم الذين يجبرهم التغريب على السفر لمسافات
وساعات طويلة، في ظل طرق غير آمنة وظروف قاسية وتكاليف انتقال لا يتحملونها.
خديعة أمنية وتطورات
مثيرة
وتشير الأحداث التي
نقلتها الشبكة الحقوقية العاملة من لندن، إلى تعرض المعتقلين إلى خديعة من السلطات
الأمنية التي أكدت أنه سيجري نقلهم إلى "سجن المنيا" شديد الحراسة (وسط
الصعيد)، بشكل نهائي، وقامت ترحيلهم بالفعل على دفعتين، يومي الجمعة والسبت، 26
و27 أيلول/ سبتمبر الماضي.
بعد نحو أسبوع من
الترحيل إلى سجن المنيا، وجد المعتقلون أنفسهم أمام قرار ترحيل قسري جديد إلى سجن
"الوادي الجديد"، بالمخالفة للوعود السابقة.
ورصدت الشبكة المصرية
لحقوق الإنسان وقوع اشتباكات، السبت الماضي، داخل "سجن المنيا"، إثر
قيام قوات الأمن بمحاولة إجبار عشرات المعتقلين السياسيين على الخروج من زنازينهم
تمهيدا لترحيلهم قسرا لسجن "الوادي الجديد".
وعقب اقتحام قوات
الأمن الزنازين مدعومة بتعزيزات إضافية باستخدام الهراوات والعصي، تمكنت من
إجبارهم على الخروج بالقوة، ما أسفر عن إصابات عديدة للمعتقلين.
الأمر الذي دفع نحو 12
معتقلا على محاولات انتحار بقطع شرايين أيديهم وابتلاع الأدوية، احتجاجا على قرار
الترحيل القسري، وفق بيان الشبكة الحقوقية، التي أكدت أن "المعتقلين المرحلين
فور وصولهم سجن (الوادي الجديد)، أعلنوا دخولهم في إضراب كامل عن الطعام".
ومنهم: أشرف عمر
السيد، وكريم عطية، وحسن فاروق حسن، ومحمد شعبان محمود، وعبدالرحمن محمد محب،
ومحمد إمام سمير، ومحمد رمضان محمد، وعبدالرحمن محمد حسن، وصهيب عماد، وخالد مرسي.
وطالب المعتقلون
بـ"تصحيح قرار تسكينهم بما يتوافق مع مواد الدستور والقانون ولائحة السجون
المصرية، التي تكفل حق النزيل في التسكين بسجن قريب من محل إقامته لتيسير التواصل
مع أسرته".
تنكيل جماعي
ووصف "مركز
النديم"، تغريب 72 معتقلا من سجن "أبوزعبل 2"، 19 منهم إلى سجن
"برج العرب" بالإسكندرية، و53 منهم إلى سجن "المنيا"، ثم نقل
المجموعة الأخيرة إلى سجن "الوادي الجديد" بأنه "تنكيل جماعي".
وأشار المركز، إلى أن
ضابط الأمن الوطني الملقب بـ"عمر عدلي"، خدع المعتقلين بوعد كاذب، ملمحا
إلى أن عدد من المرحلين أقدموا على محاولات انتحار بقطع شرايين اليد، وقام البعض
الآخر بإشعال النار في البطاطين، ليتم خداعهم مجددا ونقلهم لسجن الوادي
الجديد.
ويطلق معتقلون
وحقوقيون على "الوادي الجديد"، "سجن الموت"، ويتم تداول
معلومات حول الانتهاكات وأعداد الوفيات داخل السجن عبر تقارير وتوثيقات المنظمات
الحقوقية، ما دفع مرحلون للسجن لتفضيل الموت انتحارا على التغريب إلى هذا السجن،
وهو ما رصدته "عربي21"، في تقرير سابق لها.
الحل الأمني
الحقوقي المصري أحمد
ماهر، قال إنه "من غير المقبول أن يزيد النظام المصري من قمعه ضد المعتقلين
وذويهم بوقت ينادي فيه كثيرون بالسماع لصوت العقل والعمل على توحيد الجبهة
الداخلية في ظل تهديدات من العدو الأبدي لمصر".
وأكد
لـ"عربي21"، أن "ما نسمعه من أخبار السجون يوضح لنا أن الحل الأمني
مازال مقدما بشكل غير مفهوم، حتى مع ظروف غير عادية تمر بها مصر والمنطقة".
ماهر، أعرب عن أمنيته
أن "تصل رسالتنا كحقوقيين إلى الوطنيين المخلصين، فلا توحيد للجبهة الداخلية
ولا حل لأزمة مصر السياسية والإقتصادية إلا بحل شامل لملف المعتقلين"
برميل بارود
وفي تعليقه، على
التطورات الجديدة في ملف تغريب المعتقلين، أعرب الحقوقي المصري محمد زارع، عن أسفه
"مما يتعرض له المسجونين السياسيين من انتهاكات وأوضاع سيئة، يضاف إليها
التغريب ليفاقم معاناتهم ومعناة ذويهم الذين يضطرون للسفر مسافات طويلة لأجل لقاء
لدقائق معدودة، في عقاب لهم وللمسجونين معا".
مدير المنظمة العربية
للإصلاح الجنائي، طالب في حديثه لـ"عربي21"، بـ"مراجعة ما يثار عن
وجود مشكلات ضخمة جدا بسجن الوادي الجديد، من سوء معاملة وسوء رعاية وسوء
تغذية"، مطالبا "النائب العام بالتفتيش بما له من صلاحيات على
سجون (المنيا) و(الوادي الجديد) و(بدر3) وغيرهم، ووقف الانتهاكات
والتحقيق فيها".
وحول إقدام 12 معتقلا
على محاولات انتحار بقطع شرايين أيديهم وابتلاع الأدوية، احتجاجا على قرار الترحيل
القسري، أكد أنه "لابد أن تكون إدارة السجن نفسها أخذت إجراءات إبلاغ النيابة
العامة للتحقيق"، داعيا لـ"سماع أقوال كل المعتقلين الذين حاولوا الانتحار".
ويرى أن "الكرة
في ملعب النيابة العامة"، مطالبا إياها بـ"القيام بدورها بشكل محايد
وقانوني للتأكد من معاملة المسجونين بشكل قانوني وأن أي انتهاكات تعرضوا لها لابد
التحقيق فيها ومعرفة أسبابها"، معتقدا أنه "لا حديث غير وجوب تطبيق
القانون وقيام كل الجهات بدورها".
في نهاية حديثه أعرب
زارع، عن أمنيته بـ"تهدئة الأوضاع، وإنهاء أزمة المعتقلين، بقرار
سياسي"، مؤكدا أنه "لابد أن يكون هناك من الحكمة والحصافة لدى من يديرون
مصر لتهدئة الأوضاع، أما أن تظل بهذا الشكل فكأننا نجلس على برميل بارود".
إرهاق الأسر وتدمير
المعتقلين
بالحديث مع أحد
المهتمين بملف المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، وهم النسبة الغالبة من الذين
قام النظام المصري باعتقالهم إثر الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح
السيسي، منتصف 2013، أكد "أنها معاناة كثيرين ممن أتابع قضاياهم لأكثر من 12
عاما".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أوضح المحامي المصري، أنه "لا شكوى لأسر المعتقلين أشد
قسوة من تغريب ذويهم"، ملمحا إلى أننا "في شرق الدلتا، أقرب إلى سجون
الزقازيق والعاشر من رمضان، ولكن هناك من جرى تغريبهم إلى وادي النطرون بالبحيرة
(غرب الدلتا)، وبرج العرب بالإسكندرية (شمال غرب)، والمنيا في الصعيد".
وذكر أن "زوجة
معتقل تقوم بزيارة زوجها في سجن (بدر 3) وتقوم بزيارة أخرى لنجلها إلى سجن
المنيا"، ملمحا إلى أن "الأمن الوطني، قام بتغريب أب وابنه بعد
اجتماعهما في حبس مركز شرطة واحد بعد أيام قليلة"، ملمحا إلى أن "الهدف
هو إرهاق أسر المعتقلين وتقليل الزيارات وإصابة المعتقلين باليأس".
ويشير إلى أن
"تكلفة سيارة إلى سجن بدر 3 أو سجن العاشر القريبين تصل 2000 جنيه، ذهابا
وإيابا، أما لو كانت نفس الزيارة إلى سجن برج العرب أو سجن المنيا فإن أجرة السيارة
لن تقل عن 5 آلاف جنيه، هذا إلى جانب تكلفة الزيارة، والضغط النفسي والإرهاق
البدني".
تعتيم وإرهاب وتخويف
وحول شكاوى الأهالي
للجهات الرسمية من التغريب، يؤكد أن "بعض الأسر، تتقدم بشكاوى إلى إدارة
السجن عن سوء المعاملة أثناء الزيارة، ولكنها تظل عاجزة عن اتخاذ إجراءات قانونية
كمطالبة النائب العام بمنع التغريب بحق ذويهم".
ويؤكد أنه "خلال
الزيارات يجري التضييق بشدة على أهالي المعتقلين في السجون التي تخرج منها شكاوى
حقوقية، أو الكشف عن انتهاكات أو جرائم ومخالفات يرتكبها الأمن، بحق المعتقلين، ما
يزيد من مخاوف الأهالي من التنكيل بهم وبذويهم المعتقلين الذين يطالهم جانبا من
التخويف والتهديد بالعقاب والحرمان من الزيارة أو المنع من ساعة التريض أو الوضع
في الحبس الانفرادي".
ويلفت هنا الحقوقي
المصري أحمد العطار، إلى أنه "في كل مخالفة حقوقية نرصدها نقوم بوضع إشارة
إلى وزارة الداخلية، والنائب العام المصري، كي تصلهم تلك المخالفات، للتحقيق فيها
والكشف عن مرتكبيها ومحاسبتهم، ووقفها وتحسين أحوال المعتقلين"، ملمحا لـ"عربي21"،
أن من "بين تلك الأمور ما يجري من عمليات تغريب للمعتقلين بالمخالفة للقوانين".
قمع وانتهاكات لا
تنتهي
وتواصل السلطات
الأمنية المصرية انتهاكاتها بحق عموم المصريين، كما تستمر سلطات أمن السجون في نهج
الانتهاكات المستمرة للحقوق الأساسية داخل السجون وأماكن الاحتجاز.
وفي 20 أيلول/ سبتمبر
الماضي، وجهت عائلات المعتقلين السياسيين طلبا للأمم المتحدة بتشكيل لجنة دولية
للتحقيق بالانتهاكات المرتكبة بحق ذويهم.
كما تقدمت مجموعة من
المعتقلين، في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، بخطاب للمجلس الأعلى للقضاء، يكشف حجم
المعاناة والانتهاكات التي يتعرضون لها، كاشفين عن غياب ضمانات العدالة، وافتقادهم
أبسط الحقوق بالمحاكم الاستثنائية و"دوائر الإرهاب".
وكشف مركز
"النديم" في تقريره "حصاد القهر" عن أيلول/ سبتمبر الماضي،
ارتكاب قوات الأمن 7 جرائم قتل بحق مواطنين بأسيوط وأسوان بالصعيد، وحالتي وفاة
إحداهما نتيجة التعذيب بمركز منيا القمح محافظة الشرقية، والثانية بسبب الإهمال
الطبي لإبراهيم عيد صقر بسجن "وادي النطرون".
وذلك إلى جانب 11 حالة
تعذيب فردي ارتكبتها السلطات، طالت بعضها شخصيات برلمانية وحقوقية ووزراء سابقين،
بينهم: الدكتور محمد البلتاجي، ونجله المعتقل أنس البلتاجي، والحقوقي محمد
أبوهريرة، ووزير التموين الأسبق باسم عودة.
وفي 9 أيلول/ سبتمبر
الماضي، كشفت رسالة استغاثة من معتقلي سجن "وادي النطرون 440"، حجم
الانتهاكات الممنهجة وسوء الأوضاع الصحية والمعيشية ونقص الأدوية، وتقليص زمن
الزيارة لثلث ساعة فقط، قائلين: "إحنا بنموت واحد ورا واحد"، مطالبين
المهتمين بالملف الحقوقي بالحديث عنهم.
وكشفت رسالة ثانية من
سجن "العاشر من رمضان" للنساء، في ذات التاريخ، عن سلسلة انتهاكات منها:
الحرمان من التريض، والمكوث في الشمس، والخلط مع الجنائيات ما يشكل خطرا وتهديدا
لأمنهن، والتضييق في الزيارات، ومنع إدخال الاحتياجات الأساسية، وتقليص مدد الزيارة
بشكل تعسفي.
وفي استغاثة ثالثة، في
24 أيلول/ سبتمبر الماضي، كشف المعتقلون السياسيون في "سجن بدر 3" (قطاع
2) عن الانتهاكات المستمرة بحقهم بدءا من المحاكمات التي تفتقد أدنى ضمانات
العدالة، مرورا بالحبس الانفرادي في زنازين مغلقة 24 ساعة لعقد كامل دون شمس أو
مقومات حياة آدمية، وانتهاء بالحرمان من الزيارة منذ سنوات".
ويعيش أكثر من 60 ألف
معتقل مصري أوضاعا نفسية سيئة، كشفت عنها مؤخرا زيادة أعداد من اتخذوا قرارا
بالإضراب عن الطعام حتى الموت في سجن "بدر3"، وبين من اتخذوا قرارا
بالانتحار بقطع شرايين اليد، وغيره من الوسائل، نتيجة فقدان الأمل وغياب الثقة.
وهو ما يتمثل في بعض
ما رصدته "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، عبر سلسلة فيديوهات تسلط
الضوء على المعاناة النفسية والعقلية للسجناء نتيجة تعرضهم لأنواع مختلفة من
الانتهاكات بينها المنع من الزيارة والحبس الانفرادي.