قضايا وآراء

استهداف سفن أسطول الصمود: لماذا يصرون على تغطية الشمس بالغربال؟

"لم يعد مجديا اليوم "التستر" على المجرمين"- إكس
بمجرد اطلاعي على الأخبار الواردة من "سيدي بوسعيد" الجميلة البهية؛ التي تفيد باستهداف مسيرات للسفن الراسية في مينائها في تونس، وهي تتأهب للإقلاع صوب القطاع المحاصر الصامد في نطاق "أسطول الصمود" العالمي؛ عادت بي الذاكرة إلى سنة 2016 وتحديدا في شهر كانون الأول/ ديسمبر، حين استيقظنا على خبر اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري قرب منزله في مدينة صفاقس؛ قبل أن تتناسل الأخبار والمعطيات حول هذه الشخصية "المجهولة" للجميع، دون أن يدور في خلدنا أننا أمام عبقري من الطراز النادر؛ سخّر علمه وموهبته في المكان الصحيح وقطع المسافات والأميال لينضم للمقاومة في قطاع غزة الأبي.

لاحقا حين نعت كتائب القسام الشهيد الزواري تعرفنا على دوره الفعال في صنع مسيرات "الأبابيل" التي تمتاز بصغر الحجم والبصمة الحرارية القليلة، مما يصعب على الرادارات كشفها ويمنحها فرصة الاقتراب من الهدف وتدميره، كما بإمكان هذه الطائرات حمل أسلحة مثل الصواريخ أو القنابل الصغيرة، كما تستخدم في الحرب النفسية والمعنوية، عبر تخويف العدو بإسقاط منشورات أو إرسال رسائل صوتية. ظهرت هذه المسيرات لأول مرة في معركة "سيف القدس" سنة 2021 ولاحقا في "طوفان الأقصى"، وأطلقت عليها المقاومة مؤخرا اسم "الزواري" تيمنا وتقديرا لما بذله المهندس التونسي قبل استشهاده.

الموساد يسرح ويمرح كما يحلو له في تونس الخضراء أيضا، أسوة بالعديد من الدول العربية الأخرى التي تصدر خطابات جوفاء و"عنترية" لكنها في الوقت ذاته عاجزة عن حماية مواطنيها وحدودها في واضحة النهار

لست هنا بصدد إعادة سرد مسيرة هذا المهندس الذي يهوى الظل لدرجة أنه أحدث صدمة عنيفة في نفوس المقربين منه حين انتشر خبر استشهاده وجابت صوره القنوات التلفزيونية، لكن ما أرمي الوصول إليه أن الموساد يسرح ويمرح كما يحلو له في تونس الخضراء أيضا، أسوة بالعديد من الدول العربية الأخرى التي تصدر خطابات جوفاء و"عنترية" لكنها في الوقت ذاته عاجزة عن حماية مواطنيها وحدودها في واضحة النهار.

أعذار واهية:

حين التهمت النيران سفينة "فاميلي" في ميناء سيدي بوسعيد؛ لم تتوان الإدارة العامة للحرس الوطني في إصدار بيان عاجل لدرء كل ما ينشر، وقالت إن "المعاينات الأولية، تشير إلى أن سبب الحريق الذي تعرضت له إحدى السفن التابعة للأسطول، يعود إلى اندلاع النيران في إحدى سترات النجاة على متن الباخرة المذكورة، نتيجة اشتعال ولاعة أو عقب سيجارة، ولا وجود لأي عمل عدائي أو استهداف خارجي".

آمنا وسلّمنا بصحة الفرضية أو التحقيقات الأولية؛ لكن ما لم تتوقعه السلطات التونسية أن هذا "الكرم" في النفي سيقابل بتكرار شنيع وبالتالي وضعهم في مأزق حقيقي، حيث أقدمت الجهة المعلومة إياها على إرسال مسيّرة ثانية وهذه المرة اشتعلت النيران في سفينة "ألما" الإسبانية الكبيرة؛ فهل ما زالت ذريعة "سترات النجاة" والولاعات صالحة للتداول يا ترى؟ ولماذا تصرون على التستر على عدوان غاشم أقر به القاصي والداني ووثقته هواتف الشباب المتواجد هناك وصرحت به جهات ذات مصداقية ويُشهد لها بالشجاعة؛ على غرار المقررة الأممية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز وغيرها؟

الخطاب المتهالك:

نعود لواقعة استشهاد محمد الزواري في صفاقس، حينها "تفشى" نفس الخطاب الرسمي المتهالك والمعلب حول فتح التحقيق ورصد المجرمين المتسللين للوطن وغيرها من المصطلحات التي تغطي حقيقة ساطعة واحدة انتشرت في كل المنابر الإسرائيلية، وحتى المقاومة الفلسطينية أعلنت أن الموساد يقف خلف العملية؛ بل تباهى الإعلام الصهيوني بالواقعة وجهز عنها أفلاما وثائقية أماطت اللثام عن معلومات مهمة عن شخصية علمية فذة مهمشة محليا وعانت ويلات النفي أثناء حكم نظام بن علي، وتاهت بحثا عن لقمة العيش الكريمة.

عنجهية وعربدة نتنياهو وزمرته من المجرمين ستتواصل وبوقاحة لا مثيل لها، وكل من كان يعتقد واهما أن غزة وأهلها هم الهدف الوحيد فقد تبين أنه كان يسبح في خياله المريض

شخصيا تشرفت حينها بمحاورة زوجة الزواري في حوار صحفي كشفتْ فيه المضايقات التي تعرضت لها من لدن الأمن التونسي في كل حركاتها، وأيضا الصعوبات الجمة التي تعترضها من أجل حق الحصول على جنسية زوجها، وشبح الترحيل الذي يطاردها؛ لتكشف زيف وخداع من يدعي دعم القضية الفلسطينية في العلن ويحارب من ضحّوا في سبيلها ويحرم أهلهم من أبسط حقوقهم المشروعة.

اللعب على المكشوف:

المؤكد اليوم أن المعطيات تغيرت منذ السابع من أكتوبر؛ وما حدث باستهداف قيادات حماس في قلب العاصمة القطرية الدوحة، وأيضا حرب 12 يوما مع إيران، وحتى هجوم المسيّرات على أسطول الصمود في سيدي بوسعيد؛ كلها مؤشرات تفيد بأن عنجهية وعربدة نتنياهو وزمرته من المجرمين ستتواصل وبوقاحة لا مثيل لها، وكل من كان يعتقد واهما أن غزة وأهلها هم الهدف الوحيد فقد تبين أنه كان يسبح في خياله المريض.

لم يعد مجديا اليوم "التستر" على المجرمين وادعاء أنكم في مأمن؛ فلا أحد "معفي" من حماقات الكيان الصهيوني الذي يرتع كالثور الهائج، وآن الأوان بل تأخر الوقت في إدراك أن زمن بيانات الشجب والإدانة قد ولّى، ولا شيء غير الأفعال ووحدة الصف وتجاوز الخلافات يمكن أن تلجم العدو وتضع حدا لجنونه..

فهل ما زال هناك متسع من الوقت للاستيقاظ؟