قضايا وآراء

هل علينا تصديق حتمية المواجهة بين النظام المصري والكيان الصهيوني؟

"من يهلل لنظام السيسي مدى الحياة، وأن تحركات الجيش المصري لجمت جنون السفاح الصهيوني"- جيتي
منذ الهجوم الصهيوني الغادر والفاشل على العاصمة القطرية الدوحة، يمكن للمدقق في كمية ونوعية التقارير الإعلامية المنتشرة بسرعة مريبة حول الدور المصري "الفعال "في "إنقاذ" قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الاغتيال، وهو ما تبين لاحقا أنه مجانب للصواب. وحتى وإن سلمنا جدلا بصحة ما تردد عن تحذيرات سابقة في فترات خلت للمقاومة، لكن ليس كما أشيع بعد العملية ووصف الطرف المصري بأنه "البطل المغوار" الذي بادر لتجنيب حماس الكارثة العظمى قبل وقوعها بساعات معدودة.

المدقق في تدفق التقارير التي تصب كلها في خانة واحدة، وبالأخص من كان مواظبا على متابعة الواقع السياسي والإعلامي العربي سيدرك دون الحاجة لمعدلات خارقة في الذكاء أن جهات رسمية معينة تقف خلف كل ما ينشر لغرض في "نفس عبد الفتاح" وجوقته المعلومة، فالمنطقي أن تتجه الأنظار نحو الحماقة الجديدة التي ارتكبها السفاح نتنياهو، لا سيما ونحن نتحدث عن سابقة صهيونية في استهداف بلد عربي من المفترض أنه "محصن" على الأقل لدوره القيادي في الوساطة لإنهاء الحرب. لكن ما رأيناه يبدو مثيرا للتساؤل حقا والبحث في حيثياته والأهداف الخفية التي تقف وراءه، وهل هي حمّى المنافسة للظفر أو الانفراد بمقعد الوساطة دون شريك،
ما رأيناه يبدو مثيرا للتساؤل حقا والبحث في حيثياته والأهداف الخفية التي تقف وراءه، وهل هي حمّى المنافسة للظفر أو الانفراد بمقعد الوساطة دون شريك، وبالتالي لفت الأنظار للدور "الريادي" للنظام المصري
وبالتالي لفت الأنظار للدور "الريادي" للنظام المصري الذي يعيش كوابيس لا تنتهي بعد تهميش "أبو إيفانكا" للمحروسة في زيارته الشرق أوسطية، وأيضا لتخلف الوفود الخليجية المعتادة عن زيارة قاهر المعز ومسايرة السيسي في أزماته الاقتصادية الطاحنة المتفاقمة؟

كلها تفاصيل ترتبط ببعضها البعض ولا يمكن فصلها في السياق المراد فهمه ونحن نتحدث عن ظرفية حساسة للمنطقة برمتها، وهنا نتساءل: لماذا أصبحنا نرى إصرارا على الزج بمصر في خانة العدو الأول للكيان الصهيوني؟ وكيف ذلك؟ ولماذا لا نشاهد مؤشرات على أرض الواقع حول هذا العداء "المزعوم"؟ وما هي أسبابه؟

طبعا لا داعي لاستحضار الأسطوانة المشروخة حول دور النظام في دعم أهل غزة لأننا هنا لسنا بصدد تأليف فيلم كوميدي مصري للحاق بموسم أفلام رأس السنة المقبلة، وأيضا لسنا من هواة برامج التوك شو المصرية بقيادة أحمد موسى ونشأت الديهي ومن يدور في فلكهما.

التقرير الأمريكي المزعوم:

الحكاية بدأت مع الهجوم على الدوحة، لكنها اليوم تبلغ ذروتها بعد تقرير الموقع الإخباري الأمريكي "أكسيوس" عن "شكوى" رئيس الوزراء الصهيوني لإدارة الرئيس الأمريكي حول "الأنشطة المصرية" في سيناء، مطالبا بالضغط على مصر لتقليص الحشود العسكرية لأنها تمثل "انتهاكا جوهريا لاتفاقية السلام مع الجانب الإسرائيلي الموقعة سنة 1979"، وتتولى الولايات المتحدة الأمريكية دور الضامن لها، بل إن نتنياهو استعرض خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو في القدس الأسبوع الماضي ما يقوم به الجانب المصري من نشاطات؛ على غرار إنشاء بنية تحتية عسكرية، يمكن استخدام بعضها لأغراض هجومية، في مناطق يسمح فيها بموجب الاتفاقية بحمل أسلحة خفيفة فقط.

طبعا وبدون تأخير، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بيانا نفت فيه كل ما ذكر، مشيرة أنها "تستهدف في الأصل تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب، وفي إطار التنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام، التي تحرص مصر تماما على استمرارها، في ظل أنها على مدار تاريخها لم تخرق معاهدة أو اتفاقا".

صفعة الواقع المؤلم:
لا أحد يشكك في وزن ومرجعية مصر كبلد عريق وكشعب أصيل مرتبط بقضايا أمته، لكننا نتحدث عن النظام الذي يجثم على أنفاس المصريين والذي فرط في أغلى ما تملكه البلد من أراض وظل يعبث بكنوزها الخالدة وأولها نهر النيل

الملفت أن البعض "تحمس" كثيرا لما يتردد وينشر خلال الساعات والأيام الأخيرة، وأصبحنا أمام موجة من التفاعل "الرهيب" والحماسي مع هذه "البطولات" التي يخيّل إلينا وكأنها بالفعل نجحت في إيقاف الحرب البشعة على قطاع غزة الصامد المحاصر، وبالتالي فتح معبر رفح أو وصمة العار التي ستظل على جبين كل من يهلل لنظام السيسي مدى الحياة، وأن تحركات الجيش المصري لجمت جنون السفاح الصهيوني الذي بات "يتبغدد" على مختلف العواصم العربية نهارا جهارا دون حسيب ولا رقيب، والأدهى والأمرّ أنه تخلى عن اللغة التي تعشقها الأنظمة العربية وأضحى مصرّا على استفزازها والضرب بعرض الحائط بمصطلحاتها الركيكة؛ مثل مبادرات السلام وحل إقامة الدولة الفلسطينية وغيرها من الشعارات المتهالكة.

هذه الشعارات نفسها التي يتبناها النظام المصري ولم يخرج عن سياقها السيسي في ما يسمى "القمة العربية الإسلامية" الأخيرة في العاصمة القطرية الدوحة، فعلى أي أساس يمكن أن نصدق حقا أن مصر عادت إلينا من جديد وأنها البلد العربي الوحيد القادر على قهر العدو وتمريغ أنفه في الوحل؟

قطعا لا أحد يشكك في وزن ومرجعية مصر كبلد عريق وكشعب أصيل مرتبط بقضايا أمته، لكننا نتحدث عن النظام الذي يجثم على أنفاس المصريين والذي فرط في أغلى ما تملكه البلد من أراض وظل يعبث بكنوزها الخالدة وأولها نهر النيل والفضيحة الشهيرة مع إثيوبيا، فهل حقا علينا أن نتفاءل بأنه بين عشية وضحاها تحول النظام الذي لا يُخفي عمالته؛ إلى قوة وطنية غيورة على أمنها القومي وحريصة على انتشال الأمة من القاع ومواجهة عدوها الأزلي وقهره؟

دعونا نتحلى بالواقعية والمنطق قليلا ونتعلم من دروس وأوهام حقب ليست بالبعيدة وما زالت حقائقها تنهار أمامنا وتسبب صدمات للبعض من هواة تقديس الأشخاص، ونختم بآية كريمة تلخص واقعنا المزري: "إن اللَّه لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم".