قضايا وآراء

ضمّ يلوح في الأفق: السلطة الفلسطينية والمشروع الوطني

"الواقع يطرح سؤالا حاسما حول قدرة السلطة على الاستمرار كإطار وطني حي، أم أنها ستتحول إلى جهاز إداري يخدم ترتيبات الاحتلال"- جيتي
مع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، تتزايد في إسرائيل المناقشات حول خطوة قد تُعيد رسم خريطة الصراع، وهي فرض "السيادة" على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ضغوط قادة المستوطنين على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تتنامى، فيما يواصل اليمين الإسرائيلي بقيادة بتسلئيل سموتريتش الدفع نحو إعلان أحادي يقطع الطريق أمام أي مسار دولي للاعتراف بدولة فلسطينية.

تتعدد السيناريوهات المطروحة وفق تقارير صحيفة يديعوت أحرونوت، بدءا من ضم الكتل الاستيطانية الكبرى وصولا إلى مناطق مصنفة "C"، وصولا إلى ما يُسمّى بالأراضي المفتوحة وغور الأردن. في المقابل، يبقى نتنياهو حذرا، متريثا أمام الرأي العام الإسرائيلي ومواقف الخارج، لا سيما أوروبا التي لوّحت بمعارضة قوية لأي خطوة أحادية، إلا أن هناك توافقا واسعا داخل الطيف السياسي الإسرائيلي على أن أي اعتراف دولي بدولة فلسطينية سيقابله رد إسرائيلي أحادي.

بالنسبة للسلطة الفلسطينية، يمثل أي ضم حتى لو كان جزئيا تهديدا وجوديا وليس مجرد خرق للقانون الدولي، إذ سيؤدي إلى تجريدها من دورها السياسي كجسر نحو الدولة وتحويلها تدريجيا إلى إدارة مدنية محدودة الصلاحيات. هذا الواقع يطرح سؤالا حاسما حول قدرة السلطة على الاستمرار كإطار وطني حي، أم أنها ستتحول إلى جهاز إداري يخدم ترتيبات الاحتلال.

تكشف احتمالات الضم هشاشة المشروع الوطني الفلسطيني، حيث فشلت المراهنة الطويلة على المفاوضات والوعود الدولية في إيقاف فرض الوقائع الميدانية الإسرائيلية

تكشف احتمالات الضم هشاشة المشروع الوطني الفلسطيني، حيث فشلت المراهنة الطويلة على المفاوضات والوعود الدولية في إيقاف فرض الوقائع الميدانية الإسرائيلية. ومع عودة إدارة ترامب وتراجع الضغوط الأوروبية، ترى إسرائيل أن هذه اللحظة تمثل نافذة سياسية لتسريع خططها. وفي المقابل، يواجه الفلسطينيون تحديا وجوديا، يتمثل في إعادة تعريف السلطة كإطار مقاوم للضم عبر أدوات القانون الدولي وحشد الاعترافات الدولية إلى خطوات عملية، أو القبول بانزلاق تدريجي نحو "سلطة بلا وطن".

أمام السلطة الفلسطينية ثلاثة مسارات متوازية تتعلق بالدبلوماسية والقانون والسياسة الداخلية والمجتمع الفلسطيني. فمن الجانب الدبلوماسي والقانوني يمكن تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية، بما فيها الرأي الاستشاري الأخير الذي اعتبر استمرار الاحتلال غير شرعي، بينما يتعلق البعد السياسي الداخلي بإصلاح بنية السلطة وتعزيز شرعيتها عبر شراكة وطنية أوسع، لإعادة بناء الثقة الوطنية ومواجهة الهزات السياسية. أما البعد الميداني والمجتمعي فيتطلب دعم صمود الفلسطينيين في المناطق المهددة مثل الأغوار و"E1" لمنع التهجير والحفاظ على التواصل الجغرافي للأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، تبقى كل هذه المسارات رهينة موقف العواصم الأوروبية وقدرتها على تحويل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية إلى أدوات رادعة فعالة ضد أي ضم.

لم يعد الضم مجرد ورقة انتخابية داخل إسرائيل، بل أصبح مشروعا تطبيقيا يتجذر على الأرض ويتجه نحو شرعنة قانونية. وفي هذا السياق، تقف السلطة الفلسطينية والمشروع الوطني على مفترق خطير؛ إما التحول إلى جهاز إداري محدود الصلاحيات تحت الاحتلال، أو إعادة التموضع كإطار نضالي ودبلوماسي يواجه الضم ويعيد تعريف معنى الدولة الفلسطينية.