مدونات

الدوحة في مواجهة التاريخ فهل ستغتنم الفرصة؟

"تُركت السيادة العربية تُنتهك دون أن تتحرك أوروبا أو واشنطن إلا بعبارات فارغة"- جيتي
الصواريخ التي هزّت سماء الدوحة لم تكن حادثا عابرا ولا "عملية دقيقة" كما يحاول الكيان الصهيوني أن يبرر جرائمه، بل كانت عدوانا سافرا على سيادة دولة مستقلة، ورسالة وقحة تقول إن العواصم العربية مباحة متى شاءت إسرائيل، وكيفما شاءت.

واليوم، تقف قطر أمام خيار تاريخي: أن تصمد، وأن تتحرك قانونيا وسياسيا لتحمي سيادتها وكرامة شعبها، أو أن تترك العدوان يُعيد كتابة قواعد اللعبة الدولية على حساب العرب، ليظهر السؤال الذي يفرض نفسه: أليس من حق قطر أن تقاضي إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟

الجواب: نعم، وبقوة. فالقانون الدولي واضح؛ الاعتداء على سيادة الدول محظور بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واستهداف المدنيين جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف. إن مجرد رفع القضية كفيل بفضح الكيان وحلفائه، حتى لو رفضت إسرائيل اختصاص المحكمة أو تجاهلت أحكامها.

لكن العوائق ليست قانونية بحتة، بل سياسية في جوهرها. فالمحكمة لا تنظر أي قضية إلا إذا قبل الطرفان اختصاصها، وإسرائيل تاريخيا ترفض أي ولاية قضائية قد تقيّد جرائمها. هذا يعني أن المعركة الحقيقية ليست داخل القاعة وحدها، بل في الرأي العام العالمي وفي كشف التناقضات الصارخة بين ما يُقال وما يُفعل.

ولعل المقارنة مع أوكرانيا تُظهر حجم النفاق، فحين اجتاحت روسيا أراضيها، لم تحتج كييف أن تلجأ إلى محكمة العدل الدولية كي تُثبت حقها، بل تحركت أوروبا كلها ومعها الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى. انهالت المساعدات العسكرية والمالية، وتدفق السلاح بلا توقف، وانهالت العقوبات على موسكو كما تنهال القنابل على غزة، عقوبة بعد أخرى، حتى تحوّل الملف الأوكراني إلى "قضية مقدسة" في السياسة الغربية. أما حين قصفت إسرائيل الدوحة، فلم نجد سوى بيانات "قلق" و"إدانة"، بينما تُركت السيادة العربية تُنتهك دون أن تتحرك أوروبا أو واشنطن إلا بعبارات فارغة.

هذا التناقض يكشف أن القانون الدولي ليس سوى أداة بيد الأقوياء: شبكة عنكبوت تمسك الضعفاء وتترك الأقوياء يعبرون. لكن ذلك لا يعني الاستسلام. على العكس، مقاضاة إسرائيل اليوم ستكون بمثابة كسر لحاجز الصمت، وإجبار للغرب على مواجهة نفاقه أمام العالم. حتى لو رفضت إسرائيل اختصاص المحكمة، يكفي أن تُرفع القضية ليُقال رسميا: "إسرائيل قصفت الدوحة وانتهكت سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة"، يكفي أن يُسجَّل في التاريخ أن قطر لم تصمت.

التحرك القانوني وحده لا يكفي، لكنه بداية ضرورية لمعركة أطول: معركة الوعي والسردية. فالقضية ليست فقط في إصدار حكم ملزم، بل في كشف التناقض الغربي: لماذا تُعتبر سيادة أوكرانيا خطا أحمر، بينما تُعامل سيادة قطر كخط رمادي يمكن تجاوزه؟ لماذا يُساق الروس إلى العقوبات والمحاكم، بينما يُترك الإسرائيليون دون مساءلة؟

خطة عملية أمام قطر..
لقد آن الأوان أن تتحول الدوحة من مدينة استهدفت بالصواريخ إلى منصة تُطلق منها معركة العدالة، آن الأوان أن يسمع العالم صوتا عربيا يقول بوضوح: لسنا أقل من أوكرانيا، ولسنا أقل من أي أمة أخرى

1- رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية استنادا إلى اتفاقيات متعددة الأطراف مثل جنيف أو منع الإبادة.

2- دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب رأي استشاري من المحكمة بشأن العدوان، وهو ما سيشكل سابقة تاريخية.

3- تعبئة الرأي العام العالمي عبر الإعلام والمنظمات الحقوقية لتسليط الضوء على القضية، تماما كما فُعل مع أوكرانيا.

4- توظيف القوة الاقتصادية: قطر وحلفاؤها قادرون على ربط الطاقة والتجارة بمواقف سياسية، بما يُحدث ضغطا حقيقيا.

لقد آن الأوان أن تتحول الدوحة من مدينة استهدفت بالصواريخ إلى منصة تُطلق منها معركة العدالة، آن الأوان أن يسمع العالم صوتا عربيا يقول بوضوح: لسنا أقل من أوكرانيا، ولسنا أقل من أي أمة أخرى. وإذا كان الغرب قد صنع من أوكرانيا قضية وجودية منذ يومها الأول، فمن حق العرب أن يصنعوا من قصف الدوحة قضية عالمية تُسقط آخر أقنعة النفاق الدولي.

وهنا تكمن القيمة الاستراتيجية لهذه الخطوة: فمجرد تحرك قطر سيضع الغرب في مأزق أخلاقي أمام شعوبه، ويُحرج حتى أقرب حلفاء إسرائيل الذين يرفعون رايات القانون الدولي حين يخدم مصالحهم. سيكون الأمر بمثابة اختبار علني لمصداقية النظام العالمي، واختبار آخر لمدى قدرة العرب على تحويل العدوان إلى ورقة ضغط سياسية.

كما تكمن القيمة الرمزية في أن تتحول قطر إلى نموذج عربي يثبت أن العرب ليسوا متفرجين على قانون صُمم لإقصائهم، بل فاعلين يطرقون أبوابه ليفضحوا عواره. إن رفع الدعوى لن يكون مجرد معركة قانونية، بل صرخة في وجه التاريخ تقول: إن العدالة قد تتأخر، لكنها تبدأ بخطوة. وأول خطوة اليوم أن تُقاضي قطر الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، لتُسجّل للتاريخ أنها لم تقبل أن يكون الدم العربي أرخص من غيره، وأن السيادة العربية ليست ورقة تُداس ثم تُرمى في سلة النسيان.

فهل ستصمد قطر لتسجل اسما بارزا في التاريخ العربي، أم ستسمح للعدوان أن يُضعف مكانتها التي صنعتها بعزم وإرادة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتذوب معها كل الجهود التي وضعتها للحفاظ على سيادتها وكرامة شعبها؟