ملفات وتقارير

أول انتخابات لبرلمان سوريا بعد الثورة تستثني ثلاث محافظات.. ما تداعيات القرار؟

استبعاد ثلاث محافظات من انتخابات انتخابات مجلس الشعب السوري أثارت جدلا- اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري
استبعاد ثلاث محافظات من انتخابات انتخابات مجلس الشعب السوري أثارت جدلا- اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري
أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري٬ الأربعاء٬ توزيع المقاعد المخصصة لكل محافظة استناداً إلى إحصاء سكاني أُجري عام 2011، واعتبرته "الأكثر نزاهة والمتاح" بين الأرقام الرسمية، في خطوة تأتي ضمن التحضيرات لأول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، والمقررة ما بين 15 و20 أيلول/ سبتمبر المقبل.

وبحسب الإعلان الرسمي، حصلت محافظة حلب وريفها، كبرى مدن الشمال السوري، على 32 مقعداً، فيما نالت العاصمة دمشق 10 مقاعد وريفها 12 مقعداً. أما حمص وحماة (وسط البلاد) فقد خُصص لكل منهما 12 مقعداً.

وفي الشمال الشرقي، خُصص للحسكة 10 مقاعد، بينما نالت دير الزور العدد ذاته، والرقة 6 مقاعد. أما إدلب التي تضم عدداً كبيراً من النازحين السوريين فقد حصلت على 12 مقعداً. ونالت درعا 6 مقاعد، اللاذقية 7، طرطوس 5، السويداء 3، والقنيطرة 3 مقاعد.

اظهار أخبار متعلقة


ويبدو أن اللجنة منحت إدلب عدداً أكبر من المقاعد قياساً إلى التوزيع السكاني القديم، بسبب الكثافة الحالية للنازحين من مختلف المحافظات.

لكن قرار اللجنة باستثناء ثلاث محافظات رئيسية من العملية الانتخابية هي الرقة، الحسكة، السويداء٬ أثار جدلاً واسعاً وانتقادات حادة، وسط اتهامات بأن دمشق تسعى عبر هذه الخطوة إلى تكريس حالة الانقسام السياسي والجغرافي في البلاد، وإقصاء مكونات مجتمعية مؤثرة من التمثيل النيابي.

الطعون الانتخابية وضمان النزاهة
وخلال مؤتمر صحفي، أكد المتحدث الإعلامي باسم اللجنة العليا، نوار نجمة، أن لكل مواطن سوري، داخل البلاد أو خارجها، الحق بالمشاركة ضمن الهيئات الناخبة. وأشار إلى استقلالية السلطة القضائية في النظر بالطعون الانتخابية، مؤكداً أن الهدف منها "تعزيز الرقابة الشعبية وضمان نزاهة العملية".

وأوضح نجمة أن الطعون تُقدَّم حصراً على سير العملية الانتخابية وآلية التصويت وفرز الأصوات، مشدداً على ضرورة أن تتضمن أدلة دقيقة بعيداً عن الطعون الكيدية أو العشوائية. 

وأضاف أن أي مواطن يستطيع التقدم بطعن عبر وكالة قانونية رسمية، لقاء رسم رمزي قدره 100 ألف ليرة سورية، يُعاد في حال قبول الطعن شكلاً ومضموناً. وأكد أن للمنظمات المدنية دوراً "فعّالاً" في متابعة سير العملية ورصدها.

موقع إلكتروني للشفافية
كما أعلنت اللجنة العليا عن إطلاق موقع إلكتروني رسمي، يتيح للناخبين الاطلاع على تفاصيل الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد المخصصة لكل محافظة، إضافة إلى بيانات اللجان الفرعية والهيئات الناخبة٬ في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى رفع مستوى الشفافية.

وقال المشرف على الموقع، المهندس حمزة شموط، في المؤتمر الصحفي إن المنصة الجديدة تمثل "ضمانة مؤسسية" للرقابة الشعبية، مشيراً إلى أنها ستنشر القرارات والتعاميم الرسمية باللغتين العربية والإنكليزية، مع خطط لإضافة لغات أخرى لاحقاً. كما يتيح الموقع خريطة تفاعلية لدوائر الانتخاب، إضافة إلى خدمة استفسارات عبر البريد الإلكتروني.


الانتخابات الأولى بعد سقوط الأسد
وبحسب المرسوم الرئاسي الصادر في حزيران/ يونيو الماضي عن الرئيس السوري أحمد الشرع، فإن مجلس الشعب الجديد سيتألف من 210 أعضاء، يُنتخب ثلثاهم عبر هيئات ناخبة تشكّلها لجان فرعية، فيما يعيّن الرئيس الثلث المتبقي بشكل مباشر، لتلافي أي فراغ تمثيلي لمكونات أو مناطق محددة.

وفي السياق ذاته، كلّفت اللجنة العليا نقابة المحامين بتعيين مراقبين قانونيين في 60 دائرة انتخابية، للتأكد من التزام العملية الانتخابية بالقواعد القانونية والحد من الانتهاكات المحتملة.


استبعاد الرقة والحسكة والسويداء
غير أن اللجنة أعلنت استثناء ثلاث محافظات رئيسية هي الرقة، الحسكة، السويداء من العملية الانتخابية المقبلة، معللة ذلك بـ"التحديات الأمنية والسياسية"، على أن تبقى مقاعدها محفوظة حتى تتوفر الظروف الملائمة.

وأوضح نوار نجمة أن اللجنة واجهت خيارين: إما المضي في الانتخابات وحرمان أبناء هذه المحافظات من التمثيل، أو تأجيلها لضمان حقوقهم لاحقاً. وأضاف: "اخترنا الخيار الثاني حفاظاً على مبدأ العدالة".

وتخضع الحسكة وعموم شمال شرقي سوريا، بما فيها الرقة وأجزاء من دير الزور وحلب، لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). أما السويداء، فقد خرجت عملياً عن سيطرة الحكومة منذ 17 تموز/يوليو الماضي، إثر أحداث دامية قادتها فصائل محلية مرتبطة بشيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري، الذي أعلن رفض التعامل مع دمشق.

اظهار أخبار متعلقة


انتقادات ورفض شعبي
قوبل قرار الاستبعاد برفض في محافظتي الرقة والحسكة، حيث اعتبرت فعاليات سياسية ومجتمعية أن حرمان أبنائهما من المشاركة "يرسخ الانقسام الجغرافي والسياسي"، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى خطوات تعزز الوحدة الوطنية.

أما الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التابعة لقسد، فأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن الانتخابات البرلمانية المقبلة "غير ديمقراطية ولا تعبّر عن إرادة السوريين"، متهمة دمشق باللجوء إلى "ذريعة باطلة" عبر الحديث عن غياب الأمن.

وأكد البيان أن مناطق شمال وشرق سوريا "أكثر أماناً من غيرها"، داعياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بالانتخابات، باعتبارها مخالفة للقرار الدولي 2254. وشددت الإدارة على أن الحل في سوريا "لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مسار سياسي شامل يضمن الديمقراطية والتعددية واللامركزية".

اظهار أخبار متعلقة


دلالات سياسية
يرى مراقبون أن استبعاد ثلاث محافظات استراتيجية مثل الرقة والحسكة والسويداء يعكس حجم المأزق السياسي والأمني الذي تواجهه دمشق. فالرقة تمثل مركزاً جغرافياً حساساً، بينما تعد الحسكة خزّاناً بشرياً واقتصادياً غنياً، أما السويداء فهي المعقل الرئيسي للدروز.

ويرى آخرون أن إصرار دمشق على المضي في الانتخابات رغم غياب هذه المحافظات يعكس رغبة النظام الجديد في تثبيت شرعيته أمام الداخل والخارج، حتى ولو جاء ذلك على حساب شمولية العملية الانتخابية ومصداقيتها.

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد كامل أنّ إجراء الانتخابات في محافظة السويداء ومناطق شرق وشمال سوريا أمر مستحيل في الظروف الراهنة، لغياب الحد الأدنى من مقومات الأمن والحرية والحياد. وقال في حديثه لـ"عربي21": "إنّ إدخال الطحين إلى السويداء يكاد يكون معضلة، فكيف يمكن تنظيم انتخابات نزيهة فيها؟"٬ مضيفًا أن المشهد لا يختلف كثيرًا في الشرق والشمال السوريين، حيث تسيطر "قوات قسد" المدعومة من واشنطن، وهو ما يشبه بحسب تعبيره "إجراء انتخابات تحت الاحتلال الأجنبي".

وأوضح كامل أنّ الانتخابات لا يمكن أن تُجرى مطلقًا في مثل هذه الظروف، لكنه شدد في المقابل على أنّ هذا الواقع لا يعني تعطيل الاستحقاق في عموم البلاد، قائلاً: "السويداء تضم نحو 150 ألف نسمة، أي أقل من 1% من الشعب السوري، بينما يعيش في شرق وشمال سوريا ما بين 6 و7% من السكان، أي أن المجموع لا يتجاوز 10%. فهل يُعقل أن نُحرم أكثر من 90% من السوريين من الانتخابات بسبب أوضاع أقلية من المناطق؟"

وأضاف: "المطلوب هو تنظيم الانتخابات في المناطق التي تتوافر فيها الظروف ولو بالحد الأدنى، أي في 90% من الجغرافيا السورية، على أن تُستكمل العملية لاحقًا في السويداء وشرق وشمال سوريا عندما تسمح الأوضاع أو يتم التوصل إلى تسوية سياسية"، مشددًا على أنّ الانتخابات الحرة التعددية والنزيهة لا يمكن أن تكون شاملة إلا عند استقرار الأوضاع، لكن تعطيلها بالكامل ليس خيارًا منطقيًا.
التعليقات (0)

خبر عاجل