ملفات وتقارير

تحول أمريكي تجاه قوات "قسد".. ما مصير اندماجها بالجيش السوري؟

تبرز الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في تحديد مستقبل قسد-جيتي
يتصاعد الجدل في سوريا حول مستقبل العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على محافظات دير الزور والحسكة والرقة وأجزاء من حلب، وبين حكومة دمشق، خصوصا بعد التقارير عن عرقلة اتفاق تنفيذ اتفاق آذار، الذي يقضي بإيجاد صيغة تفاهم بين الطرفين وسط الضغوط الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التهديدات التركية بشن عمليات عسكرية جديدة شمال سوريا، والتقارب العربي مع دمشق.

وتبرز الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في تحديد مستقبل قسد، حيث انتقلت سياستها هذا العام من الاعتماد على قسد كقوة برية في الحرب ضد تنظيم الدولة إلى الضغط لدمجها في الجيش السوري، بالتزامن مع تقليص وجودها العسكري،

وعن ذلك يقول إيان مكاري، نائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي، في معهد واشنطن، إن "التوجه الدولي سيتحول لاحقا أكثر نحو تقديم الاستشارة والمساعدة والتمكين للشركاء المحليين مثل قسد، بدلا من التركيز على العمليات القتالية المباشرة".

ومنح هذا التحول دمشق فرصة لاستعادة السيطرة على مواقع استراتيجية في الشمال، فيما أثار قلق قيادة قسد من فقدان الغطاء الأمريكي، في حين تراقب تركيا المشهد بحذر وتواصل التأكيد أن أي صيغة للحل يجب أن تنهي نفوذ الوحدات الكردية على حدودها.

وظهرت "قسد" كقوة محلية فعّالة منذ عام 2014، وعملت كذراع مسلح للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة داخل سوريا، حيث تلقت تدريبات ودعما متنوعا من الولايات المتحدة والتحالف الدولي، شمل آليات عسكرية وأسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة والتدريب التكتيكي.

مسار الاندماج مع دمشق 
أثارت دعوة المبعوث الأمريكي الخاص توماس باراك قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى الاندماج في "سوريا الجديدة" تساؤلات حول مستقبل هذه القوات التي تتلقى الدعم العسكري والسياسي من قبل الولايات المتحدة، والتي يشكل عمودها الفقري الوحدات الكردية المسلحة.

وحذر  باراك الوحدات الكردية، التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنها ستواجه مشاكل مع الحكومتين التركية والسورية إذا لم تتحرك بسرعة فيما يتعلق بقضية الاندماج في مؤسسات الدولة السورية.

وقال باراك إن "جوهر القضية هو ما إذا كان سيتم الوقوف في نفس الصف مع الجمهورية العربية السورية أم لا"، في إشارة إلى أسباب عدم تحقيق نتائج من محادثات (قسد) مع الحكومة السوريةـ مؤكدا أن "سوريا دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، هذا ما تقرره تلك الأمة، ونحن نقبل ذلك، هذه هي القضية".

والشهر الماضي قال باراك إن بلاده ليست ملزمة تجاه قوات سوريا الديمقراطية إذا لم يكن قادتها منطقيين، كما ليست مدينة بإنشاء حكومة خاصة بهم وواشنطن لن تدعم أي نتيجة انفصالية.

هل تخلت واشنطن عن قسد؟
وحول ذلك يقول الكاتب والصحفي السوري سلطان الكنج، إن الموقف الأمريكي العلني يبدو أكثر انسجاما مع دمشق، من دون أن يعني ذلك التخلي عن "قسد".

وأضاف الكنج في حديث لـ"عربي21"، أن واشنطن تسعى في المرحلة المقبلة إلى إحداث نوع من التوافق بين الطرفين، فهي تريد دولة سورية قوية، لكنها في الوقت نفسه لا تريد التفريط بـ"قسد" التي تعد ورقة مهمة.

كما شدد على أن الولايات المتحدة تميل حاليا إلى دعم دمشق في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، لكنها تدرك حجم الدور الذي لعبته "قسد" في الحرب على تنظيم الدولة، ولذلك لا تفكر بالتخلي عنها، ورأى أن واشنطن لا تثق كثيرا ببعض قيادات الجيش السوري، لكنها تبقى معتمدة بشكل رئيسي على "قسد" في منع عودة وانتشار خلايا التنظيم.

دعم مستمر
في ذات الوقت أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تخصيص 130 مليون دولار في ميزانيته لعام 2026 لدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" و"جيش سوريا الحرة"، وتمكينها من مواصلة مكافحة تنظيم الدولة.

وبررت الولايات المتحدة الأمريكية دعم قسد، بأنها ملتزمة بالهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة، من خلال دعم القوات الشريكة الموثوقة للحفاظ على الضغط المستمر على التنظيم، معتبرة أن عودة التنظيم مجددا تشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة الوطنية، ولشعوب العراق وسوريا ولبنان، وللمجتمع الدولي ككل.

ويرى الكنج عدم وجود تغير جذري تجاه قسد، لكن الملاحظ أن الموقف الأمريكي هو أكثر انسجاما مع دمشق دون التخلي عن قسد

وبيّن في حديثه لـ"عربي21" أن الخيار الأساسي أمام واشنطن هو دمج "قسد" داخل الجيش السوري، بحيث تستفيد دمشق من السيطرة على شرق الفرات ضمن الدولة السورية، من دون إهدار خبرات "قسد" التي اكتسبتها خلال الحرب على التنظيم. واعتبر أن المرحلة المقبلة ستشهد مفاوضات ومناورات سياسية بين دمشق و"قسد"، مع إدراك الطرفين أن الصراع المباشر ليس في مصلحتهما بسبب كلفته الباهظة.

اتهامات متبادلة
وكشف سنحريب برصوم، عضو وفد التفاوض مع الحكومة السورية عن قسد، أن المفاوضات بين الإدارة الذاتية (قسد) وحكومة دمشق متوقفة بعد رفض الأخيرة عقد جولة جديدة كان من المقرر أن تُعقد في باريس، مؤكداً أن الخلافات الجوهرية لا تزال عالقة، وفي مقدمتها مستقبل مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية والأمنية والعسكرية.

وأوضح برصوم، في تصريح صحفية، أن الجولات السابقة كشفت رغبة دمشق في حل جميع مؤسسات الإدارة الذاتية، معتبرة أن هذا هو التفسير العملي لفقرة "دمج المؤسسات" الواردة في اتفاقية 10 آذار.

وبشأن استئناف التفاوض مع دمشق، أكد برصوم أن الحكومة السورية رفضت المشاركة في الجولة التي كان مقررا عقدها في باريس، أدى إلى تجميد المفاوضات بشكل كامل، مشيراً إلى أنه لم يتم تحديد موعد أو مكان جديدين لأي جولة لاحقة، وأن وفد الإدارة الذاتية بانتظار رد رسمي من دمشق بهذا الشأن.

وتعليقا على ذلك يرى الكاتب السوري، أن "قسد" تمتلك أوراق قوة تتمثل في سيطرتها على جغرافيا واسعة، وتنظيمها العسكري، وعلاقاتها الدولية، فيما تملك دمشق أوراقا أخرى أبرزها الموقف التركي والعربي والإقليمي، إضافة إلى ضمانات غربية. ورجّح أن تبقى المرحلة القادمة محكومة بشد وجذب سياسي، من دون انزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.

الموقف التركي مع قسد
ومطلع الشهر الجاري، ذكرت وزارة الدفاع التركية أن ما تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تلتزم باتفاقية وقعتها مع الحكومة السورية هذا العام للانضمام إلى مؤسسات الدولة، وأن الاشتباكات الأحدث بينها وبين القوات الحكومية تُضر بوحدة البلاد.

وقال مسؤول دفاعي خلال مؤتمر صحفي بأنقرة، أنه "لم يغب عن بالنا أن صوت منظمة قوات سوريا الديمقراطية ارتفع، مدفوعا بالاشتباكات في جنوب سوريا" في إشارة إلى القتال بين عشائر عربية ومسلحين دروز بمحافظة السويداء الشهر الماضي.

وأضاف أن هجمات قسد في ضواحي منبج وحلب ضد الحكومة السورية -الأيام القليلة الماضية- تُلحق الضرر بالوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها، مشددا على أن أنقرة مستمرة في دعم دمشق بالتدريب والاستشارات في حربها ضد ما وصفتها بـ"المنظمات الإرهابية".

وأشار الكنج في حديث لـ "عربي21" عن هذه النقطة، إلى أن الولايات المتحدة ستلعب دورا أساسيا في المفاوضات، في حين يدعم الموقف التركي دمشق بشكل واضح، وأكد أن أنقرة تدرك خطورة المواجهة المباشرة، وهي تميل إلى إفساح المجال لأمريكا أمام تسوية سياسية شاملة لقضية "قسد"، رغم إبقائها الخيار العسكري مطروحا كوسيلة ضغط لدفع "قسد" إلى التنازل في المفاوضات.