ملفات وتقارير

"المركزي التركي" يواصل سياسة التيسير النقدي وسط جدل حول الحد الأدنى للأجور

البنك المركزي التركي يخفض الفائدة مجددا.. والعمال يحتجون على تجميد الأجور - جيتي
أعلن البنك المركزي لجمهورية تركيا، الخميس، عن تخفيض سعر الفائدة الرئيسي، وهو سعر فائدة إعادة الشراء لأجل أسبوع، بمقدار 100 نقطة أساس، ليصل إلى 39.5%، في خطوة تأتي في إطار استمرار سياسة التيسير النقدي وزيادة السيولة في الأسواق رغم عودة التضخم للارتفاع الطفيف خلال الشهر الماضي.

وجاء في البيان الرسمي للبنك أن "الاتجاهات الرئيسية للتضخم ارتفعت في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وتشير البيانات الأخيرة إلى أن عملية خفض التضخم قد تباطأت". وأوضح البنك أن هذا القرار يهدف إلى تحريك الأسواق التي تعاني من حالة جمود قد تهدد الإنتاج والنشاط الاقتصادي.

كما قرر مجلس السياسة النقدية خفض سعر الفائدة على الإقراض الليلي من 43.5% إلى 42.5%، وسعر الفائدة على الاقتراض الليلي من 39% إلى 38%. وقال البيان إن "السياسة النقدية الصارمة ستستمر حتى يتم تحقيق استقرار الأسعار، وستعزز من خلال قنوات الطلب وسعر الصرف والتوقعات عملية خفض التضخم"، مؤكدا أن البنك سيحدد خطوات الفائدة الأساسية بما يتوافق مع الأهداف الوسيطة المطلوبة لخفض التضخم.

وأشار البنك إلى أنه سيتم دعم آلية نقل السيولة في حال حدوث أي تطورات غير متوقعة في أسواق الائتمان والودائع، مع متابعة دقيقة لظروف السيولة واستخدام أدوات إدارة السيولة بشكل فعال لضمان تحقيق هدف التضخم البالغ 5% على المدى المتوسط.

وقال مراقبون إن تخفيض الفائدة الأخير، على الرغم من ارتفاع التضخم السنوي إلى 33.29% في أيلول/سبتمبر مقارنة بـ32.95% في آب/ أغسطس، يمثل محاولة لدعم النمو الاقتصادي وتحريك الأسواق. 

وارتفعت الأسعار على أساس شهري بنسبة 3.23%، مع زيادة ملحوظة في أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.6% وتكاليف السكن بنسبة 7.85%، بحسب معهد الإحصاء التركي. وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الأخيرة، ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 36%، والسكن 51%، والتعليم 66%.

ورغم هذا التخفيض، لم ينعكس القرار بشكل كبير على سعر صرف الليرة التركية، التي افتتحت تعاملات الخميس عند 41.9874 مقابل الدولار و48.8082 مقابل اليورو. 

وأوضح الخبراء أن البنك المركزي يمكنه التدخل عبر عمليات بيع مباشرة للدولار أو أدوات احتياطية أخرى إذا لزم الأمر لإعادة التوازن النقدي وتحسين سعر الليرة، مستندا إلى الاحتياطيات القياسية من العملات الأجنبية والذهب، التي بلغت 182.953 مليار دولار حتى نهاية  أيلول/سبتمبر الماضي، منها 86.699 مليار دولار احتياطي نقدي أجنبي و96.254 مليار دولار احتياطي ذهب.

وأكد البنك الدولي مؤخرا توقعاته لنمو الاقتصاد التركي، حيث عدل معدل النمو المتوقع للعام الجاري من 3.1% إلى 3.5%، وللعام المقبل من 3.6% إلى 3.7%، مع توقع نمو الاقتصاد بنسبة 4.4% في 2027، وهو ما يعكس التفاؤل بنجاح السياسات النقدية والاقتصادية التركية على المدى المتوسط.

الحد الأدنى للأجور.. جدل مستمر
على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، تثار في تركيا نقاشات متكررة حول الحد الأدنى للأجور. حيث استضافت وزارة العمل والضمان الاجتماعي، الثلاثاء الماضي، اجتماع مجلس المشاورة الثلاثي المكون من ممثلين عن العمال وأرباب العمل والحكومة، لمناقشة سير عمل لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور لعام 2026، بعد أن شهد الاجتماع السابق تعزيز آليات التنظيم النقابي.

ويأتي الاجتماع في سياق امتعاض النقابات العمالية من آلية تحديد الحد الأدنى للأجور، حيث انتقد رئيس اتحاد العمال التركي (تُرك-إيش) إرجون أتالاي الحد الأدنى للأجور لعام 2025، واصفا اللجنة بأنها "غير عادلة منذ 50 عاما"، مؤكدا أن الاتحاد لن يشارك مرة أخرى في اللجنة ما لم يتم إجراء تنظيم عادل يضمن مشاركة فعالة ومتوازنة.

كما أشار رئيس اتحاد العمل (هاك-إيش) محمود أرسلان إلى ضرورة إعادة هيكلة اللجنة لضمان العدالة والشفافية في عملية تحديد الحد الأدنى للأجور لعام 2026، مؤكدا أن موقف النقابات يهدف إلى حماية العمال وضمان تحسين مستويات معيشتهم بما يتوافق مع ارتفاع تكاليف المعيشة.

وتم رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا مطلع العام الجاري بنسبة 30%، ليصل الحد الأدنى الشهري إلى 22,104 ليرة صافية، ما يعادل 627 دولارا وقتها. ورغم هذه الزيادة الكبيرة، اعتبرت النقابات أن الأجور لا تزال أقل من نفقات الأسر التركية، حيث يصل حد الفقر إلى أكثر من 86 ألف ليرة، تشمل السكن والملبس والمواصلات والتعليم والرعاية الصحية.

وفي سياق التقديرات، إذا تم رفع الحد الأدنى للأجور للعام 2026 بنسبة 20%، فسيصل الحد الأدنى الصافي إلى 26,524 ليرة بزيادة 4,420 ليرة، أما بزيادة 25% فسيصل إلى 27,630 ليرة، وبزيادة 30% إلى 28,735 ليرة، ما يعكس أهمية تحديد النسبة بما يتوازن مع التضخم والسياسات النقدية للدولة.

يذكر أن اللجنة المعنية بتحديد الحد الأدنى للأجور تتكون من 15 عضوا، خمسة ممثلين للعمال، خمسة لأصحاب العمل، وخمسة من الحكومة، وتتخذ القرارات بأغلبية الأصوات، مع مراعاة عدم تأثير زيادة الأجور على المعروض النقدي أو على خطط خفض التضخم واستقرار العملة.

التحدي المزدوج بين التضخم والرواتب
تشير المراقبة الاقتصادية إلى أن تركيا تواجه تحديا مزدوجا من٬ خفض الفائدة وتحفيز الاقتصاد من جهة، وضبط مستوى المعيشة للأسر من جهة أخرى. ويعكس التخفيض الأخير للفائدة سياسة الحكومة لتخفيف عبء التمويل على الشركات وتحفيز النشاط الاقتصادي، بينما يواجه العمال ضغوطا كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسكن والتعليم والخدمات الأساسية.

وتعهد نائب الرئيس التركي جودت يلماز، خلال مؤتمر صحفي بشأن موازنة 2026، بالعمل على تعزيز الاستقرار المالي وخفض التضخم إلى خانة الآحاد وتحقيق استقرار الأسعار، متوقعا انخفاض معدل البطالة إلى 8.5% في 2025 و8.4% في 2026، مع نمو اقتصادي يصل إلى 3.8% عام 2026 بعد زيادة الصادرات المتوقعة إلى 282 مليار دولار.

وبينما يركز البنك المركزي على تحريك الأسواق ودعم النمو، يطالب العمال والنقابات بإصلاح آلية تحديد الحد الأدنى للأجور لتواكب ارتفاع تكاليف المعيشة، ما يعكس التوازن الدقيق الذي تحاول الحكومة التركية الحفاظ عليه بين السياسة النقدية والعدالة الاجتماعية.

ويؤكد الخبراء أن سياسات تخفيض الفائدة المستمرة، إلى جانب متابعة ملف الحد الأدنى للأجور، تمثل اختبارا حقيقيا للحكومة التركية وقدرتها على إدارة الاقتصاد بأسلوب متوازن يحقق الاستقرار النقدي ويواكب احتياجات المواطنين، في وقت يشهد فيه الاقتصاد تحركات متسارعة على صعيد التضخم وسعر الصرف والنمو الاقتصادي المتوقع خلال الأعوام المقبلة.