في خطوة تصعيدية جديدة
ضد حكومة بنيامين نتنياهو، أعلن حزب "
شاس" الإسرائيلي الخميس انسحابه من
مناصبه الحكومية ومن لجان
الكنيست، احتجاجًا على محاولات فرض الخدمة العسكرية الإلزامية
على المتدينين اليهود "الحريديم"، في أزمة تهدد استقرار الائتلاف الحاكم
وتعيد فتح ملف حساس لطالما تجنبت الحكومات الإسرائيلية مواجهته.
تصعيد ضد الحكومة
وأكد الحزب في بيان
له أنه قرر الانسحاب من مناصبه الائتلافية داخل الكنيست، تنفيذًا لتوجيه سابق من مجلس
حكماء التوراة في تموز / يوليو الماضي، الذي ألزم الحكومة بتمرير قانون ينظم وضع طلاب
المدارس الدينية قبل افتتاح الدورة الشتوية للكنيست.
لكن الحكومة لم تلتزم
بهذا التعهد، ما دفع نواب الحزب، وبينهم رئيس لجنة التعليم يوسي طيب، ورئيس لجنة الصحة
يوني مشريكي، إلى تقديم استقالاتهم رسميًا إلى رئيس الكنيست أمير أوحانا.
ويأتي القرار بعد أشهر
من توتر متصاعد بين أحزاب الائتلاف اليميني، خاصة بعد انسحاب حزب "يهدوت هتوراه"
من الحكومة، وسط ضغوط المحكمة العليا لإلزام جميع المواطنين بالخدمة العسكرية، بمن
فيم المتدينون المعفون منها منذ قيام الدولة العبرية.
أزمة التجنيد
يعد ملف تجنيد المتدينين
"الحريديم" أحد أكثر الملفات حساسية داخل
الاحتلال الإسرائيلي، إذ يرى هؤلاء
أن الخدمة العسكرية تتعارض مع التفرغ الكامل لدراسة التوراة وحفظ الشريعة اليهودية.
ومنذ عقود، يحصل طلاب
المدارس الدينية على إعفاءات خاصة من الخدمة، لكن قرار المحكمة العليا في حزيران /
يونيو 2024 بإنهاء هذه الإعفاءات، ومنع الدعم المالي للمؤسسات الدينية الرافضة للتجنيد،
أشعل أزمة سياسية لا تزال تتفاعل حتى اليوم.
وتواجه حكومة
الاحتلال معضلة مزدوجة: من جهة تخشى تفكك الائتلاف الديني القومي الذي يقوده نتنياهو،
ومن جهة أخرى تواجه ضغوطًا قضائية وشعبية للمساواة في واجب التجنيد، خصوصًا في ظل
تداعيات الحرب على غزة التي استنزفت القوات النظامية على مدى عامين متتاليين.
من هو "شاس"؟
وتأسس حزب "شاس"
عام 1984 على يد الحاخام العراقي الأصل عوفاديا يوسف، ممثلًا لليهود الشرقيين (السفارديم)
الذين شعروا بتهميش سياسي واجتماعي من النخب الأشكنازية المهيمنة على الدولة العبرية.
واسم الحزب مأخوذ من
التلمود ويعني "الأوامر الستة"، وهو يعكس التزامه بالتقاليد الدينية الصارمة،
حيث يتبنى الحزب أيديولوجيا يمينية دينية تمزج بين المحافظة الاجتماعية والدعم الاقتصادي
للفئات الفقيرة، مع رفض واضح لتجنيد الفتيات أو طلاب المعاهد الدينية.
وسياسيا، يمثل
"شاس" القوة الدينية الأولى بين السفارديم، وغالبًا ما يلعب دور "صانع
الملوك" في تشكيل الحكومات الائتلافية، وقد شارك في معظم حكومات الاحتلال الإسرائيلي
منذ منتصف الثمانينيات، ونجح في انتزاع حقائب وزارية مهمة أبرزها الداخلية والعمل والصحة.
ويقود الحزب حاليًا
السياسي آرييه درعي، المعروف بقدرته على الموازنة بين الخطاب الديني المحافظ والبراغماتية
السياسية، رغم ملاحقته في قضايا فساد سابقة.
مسيرة طولية من الانسحابات والشروط
منذ دخول حزب شاس المشهد السياسي الإسرائيلي، وضع شروطًا صارمة لدخول أي ائتلاف حكومي،
ففي عام 1992، اشترط الحزب على حكومة إسحاق رابين ألا يلغى أي تشريع ديني أو يسن إلا
بموافقة جميع الكتل، وأن تنشأ شعبة للتعليم والثقافة الحريدية داخل وزارة التربية والتعليم
على نفس مستوى التعليم الديني الرسمي، ومع ذلك، انسحب الحزب من الحكومة عام 1994 بعد
محاكمة وزير الداخلية أرييه درعي بتهم فساد مالي، في أول اختبار لاستقلاليته السياسية.
وعلى مدى السنوات التالية،
حافظ "شاس" على حضور بارز في الكنيست، فحصل في انتخابات 1996 على 10 مقاعد
وشارك في الائتلاف الحكومي، وزاد العدد إلى 17 مقعدًا في 1999، متحكمًا بحقائب وزارية
مهمة شملت الداخلية والعمل وشؤون القدس والصحة، ولكنه اتخذ مواقف معارضة قوية في قضايا
استراتيجية، مثل رفضه المشاركة في مفاوضات كامب ديفيد 2000 وخطة الانسحاب من قطاع غزة
صيف 2005.
ورغم حصوله على 11
مقعدًا في انتخابات 2003، لم ينضم إلى حكومة أرييل شارون، لكنه عاد بقوة في 2006 ليصبح
القوة الدينية الأولى في إسرائيل والسياسية الثالثة، بمقاعد تصل إلى 12، محتلا مع حزب
الليكود مرتبة ثالث أكبر كتلة برلمانية.
ومع بداية العقد الثاني
من الألفية، شهد الحزب تراجعًا نسبيًا، فحصل على 11 مقعدًا في 2009 و2013، وغيّر استراتيجيته
السياسية بعدم الانضمام لحكومة نتنياهو، الذي وصفه زعيم الحزب آرييه درعي بـ"الفاشل
في التعامل مع الأزمات"، ومع انتخابات 2015 و2019، حصل شاس على 7 و8 مقاعد على
التوالي، قبل أن يرتفع العدد إلى 9 مقاعد في 2021، ليصبح ثاني أكبر حزب بعد "الليكود"،
الذي يقود الائتلاف اليميني والديني.
تداعيات الانسحاب
ولا يعني انسحاب
"شاس" من لجان الكنيست بالضرورة خروجه الكامل من الائتلاف، لكنه يوجه ضربة
رمزية قوية لنتنياهو في وقت حرج، فالحزب ترك الباب مفتوحًا للعودة متى ما تم تمرير
قانون يعالج وضع طلاب المدارس الدينية، ما يشير إلى أنه يستخدم الورقة البرلمانية للضغط
لا للقطيعة الكاملة.
ومع تداعيات الحرب
على غزة وتراجع الثقة الشعبية بالحكومة، تخشى حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة
بنيامين نيتياهو من أن يؤدي تفكك التحالف مع الأحزاب الدينية إلى انتخابات مبكرة، أو
إلى اضطرار نتنياهو لتقديم تنازلات إضافية للحريديم تثير غضب المؤسسة العسكرية والمعارضة
العلمانية.