ملفات وتقارير

بين المسيّرات والصمت الأممي.. من يحمي أسطول الصمود من القصف الإسرائيلي؟

تغلق دولة الاحتلال الإسرائيلي جميع المعابر المؤدية إلى غزة- جيتي
في وقت تواصل فيه عشرات السفن المدنية إبحارها في عرض المتوسط باتجاه قطاع غزة، ضمن "أسطول الصمود العالمي"، تصاعدت التحذيرات من استهداف إسرائيلي وشيك، وسط دعوات متكرّرة من النشطاء المشاركين، لحكوماتهم، بالتدخل العاجل لحمايتهم، جرّاء ما يصفوه بـ"تزايد المؤشرات على نية الاحتلال اعتراض السّفن بالقوة".

فجر الخميس، أكّدت إدارة الأسطول، أنّ: حكومات عدة دول قد وجّهت تحذيرات إلى رعاياها المشاركين بشأن "هجوم محتمل"، غير أنّها لم تتخذ إجراءات لحماية مواطنيها، ما اعتبره مشاركون: "خذلانًا رسميا في لحظة اختبار حقيقي للإرادة السياسية والإنسانية".

رغم ذلك، أصرّ الناشطون على مواصلة المسار، مؤكدين أنّ: "مهمتهم إنسانية بحتة"، وأنهم "يمثلون صوت الشعوب الحرة في وجه الحصار المفروض على أكثر من مليوني إنسان في غزة منذ 18 عامًا".


إيطاليا وإسبانيا تتحركان.. وتناقض في المواقف الأوروبية

في تحرك لافت، أرسلت كل من إيطاليا وإسبانيا سفنا تابعة لبحريتهما العسكرية إلى موقع الأسطول، في خطوة فسّرها المراقبون بأنها محاولة لحماية مواطنيهم في ظل "التهديد الإسرائيلي"، بعدما تعرّضت عدة سفن لهجمات بطائرات مسيرة، أدّت إلى أضرار متفاوتة.

وأعلن وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروزيتو، أنّ: بلاده سترسل سفينة ثانية "لتأمين الدعم اللازم"، معتبرا أنّ: "المهمة إنسانية غير عدائية". فيما شدّد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، من نيويورك، على أنّ بلاده "قلقة جدا، وسترسل سفينة بحرية لإجلاء مواطنيها عند الضرورة".

وكانت هذه التطورات، قد دفعت الشارع الإيطالي، للانتفاض، والضغط على حكومته المتهمة بمساندة دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث وافقت رئيسة الوزراء، جورجا ميلوني، على إرسال سفينة عسكرية للإنقاذ نحو جزيرة كريت لتكون قريبة من قوارب بلادها المشاركة في الأسطول.

إلا أن دولا أوروبية أخرى، بينها قبرص واليونان، تبنّت مواقف متباينة، بين دعم صامت للأسطول وبين اقتراحات بتحويل المساعدات إلى جهات ثالثة، وهو ما رفضه المشاركون، واعتبروه "محاولة لتفريغ المبادرة من مضمونها والإنساني".


مواقف مغاربية.. من تونس والجزائر إلى المغرب
الناشطون على متن سفينة "عمر المختار"، التي ما تزال تبحر، مُنفردة، بغية اللّحاق بالأسطول، أكدوا، أول أمس الأربعاء، أنّ: ثلاث طائرات مسيرة كانت تحلق فوقهم في ما وصفوه بـ"عملية مسح استخباراتي"، تزامنا مع رصد انفجارات قرب تسع سفن أخرى، يُعتقد أنها ناتجة عن استهداف مباشر من طائرات تابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي دون طيار.

وفي المغرب، أدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر بيان، وصل "عربي21" نسخة منه، ما وصفته بـ"العربدة الصهيونية"، واعتبرت الهجمات المتكررة ضد الأسطول "خرقا للقانون الدولي وقرصنة بحرية"، مطالبة الدولة المغربية، بـ"التدخل لحماية المواطنين المغاربة المشاركين، وتحميل الدولة اليونانية مسؤولية ضمان سلامتهم أثناء وجودهم في مياهها".

أما في الجزائر، فقد طالبت التنسيقية الشعبية لنصرة فلسطين، والتي تشارك بأربع سفن ضمن الأسطول المغاربي، الحكومة الجزائرية، باتّخاذ "الخطوات اللازمة لحماية رعاياها"، بما في ذلك دعوة البعثة الجزائرية في الأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، لوضع حد لما وصفته بـ"الاعتداءات الممنهجة على قوافل الإغاثة".

وفي تونس، نظّمت تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، وقفة تضامنية، وسط العاصمة، عبّرت خلالها عن "الدعم الكامل للأسطول"، لا سيما بعد تعرّض 11 سفينة لهجمات مباشرة.
رفض دولي لتحويل وجهة الأسطول..

في بيان صادر عن الوفد الإيطالي ضمن الأسطول، عبّر المشاركون عن رفضهم لاقتراح تحويل المساعدات إلى قبرص، وذلك تمهيدا لتوزيعها من خلال الكنيسة اللاتينية، معتبرين أن "المهمة واضحة: كسر الحصار، لا تجميله".


البيان نفسه، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، شدّد على أنّ: "أي عرقلة للأسطول تُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وللأمر المؤقت الصادر عن محكمة العدل الدولية، والذي يُلزم إسرائيل بعدم عرقلة إدخال المساعدات إلى غزة".

من جهتها، دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إلى وقف الهجمات، مطالبة بتحقيق "مستقل وشفاف"، فيما طالبت المقررة الأممية الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية بحشد "أساطيل دولية" للمرافقة وضمان وصولها الآمن.

مدنيون من 44 دولة.. وتهديدات مستمرة
يتكوّن "أسطول الصمود العالمي" من نحو 50 سفينة مدنية، على متنها أكثر من 500 ناشط إنساني، من بينهم: أطباء، حقوقيون، فنانين، ومحامون من 44 دولة. أبحر الأسطول من تونس مطلع الشهر الجاري، عقب سلسلة من التّأجيلات، محمّلا بمساعدات طبية وغذائية، في خطوة وصفت بكونها: "أضخم تحرك بحري تضامني مع غزة منذ بدء الحصار".

إلى ذلك، أكّد المشاركون، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، أنّ: "المهمة ليست فقط إنسانية، بل رمزية أيضا، وترسل رسالة مفادها أن العالم لن يصمت أمام الإبادة في غزة".


وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة لها، التزمت دولة الاحتلال الإسرائيلي، الصمت، لكنها أعلنت سابقا أنها "لن تسمح بخرق الحصار البحري المفروض على قطاع غزة"، واعتبرت على لسان وزير خارجيتها أنّ: "رفض المشاركين اقتراح تحويل المساعدات إلى قبرص يدلّ على نيتهم الاستفزازية"، متوعدة بمنع السفن من دخول "منطقة القتال".

وقال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" إنّ: "رفض الأسطول للمقترح الإيطالي يظهر أن هدفهم الحقيقي هو الاستفزاز وخدمة حماس". وتابع "لن تسمح إسرائيل للسفن بدخول منطقة قتال نشطة، ولن تسمح بخرق حصار بحري قانوني".

أي إحاطات قانونية؟
المحامية الفلسطينية، لميس الديك، أوضحت في ندوة قانونية أنّ: "الحصار المفروض على غزة لا يستند إلى أي شرعية قانونية، وهو مخالف للقانون الدولي، واتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بحرية الملاحة". كما اعتبرت أنّ: "إسرائيل أعلنت مسبقا عن نيتها استخدام العنف، ما يجعل أي هجوم محتمل جريمة مكتملة الأركان".

وأكدت الديك، أنّ: "السيطرة على المياه الإقليمية للقطاع أو محيطه: غير قانونية، وأي اعتراض محتمل للأسطول هو: قرصنة"؛ فيما دعت أيضا إلى: "توثيق الانتهاكات تمهيدا للتقاضي أمام المحكمة الجنائية الدولية".

أصوات من الجنوب العالمي..
في كلمة له، وجّه حفيد الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، ماندلا مانديلا، تحية شكر إلى جميع المشاركين في الأسطول، مؤكدا أنّ: "استهدافهم يظهر مستوى اليأس الإسرائيلي"، ومضيفا: "هذه لحظة اختبار لضمير الإنسانية".

وفي الاتجاه ذاته، طالبت الناشطة الهندية عن مجموعة لاهاي، فارشا غانديغوثا، بوقف صادرات الأسلحة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وربطت بين الشركات التي تدعم العدوان في غزة والمسؤولية الجنائية الدولية.

وأوضحت غانديغوثا: "لا يمكننا الاستمرار في التظاهر بأن المؤسسات الدولية، من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، كافية لوقف الفظائع، ليست كذلك".


ويهدف الأسطول إلى: "فتح ممرّ إنساني، وكسر الحصار المفروض على القطاع"، الذي يعيش على إيقاع حرب مدمّرة منذ أكثر من 23 شهرا، تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ضد المدنيين العزل، تحت ذريعة القضاء على حركة حماس.

ومنذ 2 آذار/ مارس الماضي، تغلق دولة الاحتلال الإسرائيلي جميع المعابر المؤدية إلى غزة مانعة أي مواد غذائية أو مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده.