ملفات وتقارير

فرح جماعي واحتقان مؤجل.. ما الذي كشفه إنجاز "أشبال الأطلس" عن جيل Z المغربي؟

أحاديث مُتفرّقة رصدتها "عربي21" من وسط أجواء الفرح- جيتي
"نفرح لأشبال الأطلس بكأس العالم، وسنعود للاحتجاج" هكذا عبّر عدد من شباب "جيل Z 212" عقب هتافات الفرح التي دوّت في شوارع الرباط والدار البيضاء وعدد من المدن، التي أتت جرّاء تتويج المنتخب المغربي للشباب بكأس العالم.

وبين أصوات الغضب التي خفتت مؤقتا بعد أسابيع من الاحتجاجات، يعيش المغرب اليوم مفارقة توصف بـ"الدّقيقة" تختزل علاقة جيل كامل بوطنه؛ إذ أن تتويج المنتخب المغربي للشباب بكأس العالم، لم يكن مجرد انتصار رياضي، بل تحوّل إلى حدث وطني استثنائي استدعى مشاعر الانتماء، ووحّد ملايين المغاربة خلف راية واحدة.

لكن هذا المشهد المفعم بالبهجة والأمل لا يخلو من أسئلة أعمق، فتحها شباب "جيل Z 212" على منصة "ديسكورد" وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحتجّون رقميا بأسماء مُستعارة: "هل امتصّ الفرح الوطني غضب الشارع؟ أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون هدنة عاطفية قصيرة قبل أن تعود الأصوات إلى الشوارع من جديد؟".


احتفالات على أنقاض الغضب
على طول شارع محمد الخامس وسط العاصمة المغربية الرباط، تجمّعت حشود من مختلف الأعمار، يرفعون العلم المغربي ويهتفون بأسماء اللاعبين؛ وذلك بعد فترة طويلة من التوتر، كان قد عاش على إيقاعها الشارع نفسه، المؤدي إلى مبنى البرلمان.

ووسط الزغاريد والأهازيج، رصدت "عربي21" بعض الوجوه تحمل شيئا من التأمل أكثر من الفرح؛ فيما قال ياسين (22 ربيعا)، وهو طالب جامعي من حيّ يعقوب المنصور، بينما يلوح بعلم المغرب: "نشجع المنتخب من القلب، لكن فرحتنا محدودة بزمن المباراة؛ غدا نعود لنفس الواقع، نفس الأسعار، ونفس القلق من المستقبل".

على غرار ياسين، أحاديث مُتفرّقة رصدتها "عربي21" من وسط أجواء الفرح، تلخّص ما يمكن وصفه بـ"شعور جيل كامل يعيش بين الانفعال الجماعي المؤقت، والخذلان الاجتماعي الدائم. جيلٌ يرفع علم الوطن من قلب الفرح، لكنه في الوقت نفسه يشعر بأنه بعيد عن قراراته ومستقبله".


من الشارع الرياضي إلى الشارع الاجتماعي
لم يكن بعيدا عن أجواء الاحتفالات أن تعود للذاكرة مشاهد التجمّعات الاحتجاجية الأخيرة، التي شهدتها مدن مغربية عدّة، خاصة بين صفوف الشباب المتأثرين بغلاء المعيشة وتراجع فرص التشغيل، والمطالبين بحرية جميع معتقلي الرأي، وبتحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية.

يشار إلى أنّ الاحتفالات بالكأس العالم، جاءت بعد أسابيع من احتجاجات قادها ناشطون من "جيل Z" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا فيها بلائحة من المطالبة التي يصفها البعض بـ"المشروعة" فيما يقول عنها البعض الآخر، إنّها: "باتت فضفاضة والتغيير الحقيقي يجب أن يتم من قلب المؤسسات، لا عبر حركات احتجاجية شبابية ترفض الاندماج في الفعل السياسي".

ويرى عدد من الشباب من "جيل Z 212" في حديثهم لـ"عربي21" (مفضّلين عدم الكشف عن هوياتهم) أنّ: "الرياضة في المغرب تحوّلت إلى مساحة نفسية لتصريف الغضب الجماعي، لكنها في الوقت نفسه تُظهر كمّ الطاقة الوطنية الكامنة لدى الشباب حين يجدون رمزا يستحق الالتفاف حوله".

فـ"أشبال الأطلس"، كما يضيف الشباب المحتجّين: "نجحوا في تقديم نموذج جيل مغربي قادر على الانجاز حين تتوفر له الثقة والدعم، وهي الرسالة التي يجب أن تلتقطها الدولة جيدا".

وكانت السلطات المغربية قد أعلنت عن إصابة 263 فردا من عناصر الأمن، و23 مدنيا، على هامش الاحتجاجات التي شابها العنف. فيما انتشر مقطع فيديو مدته حوالي 5 دقائق، لمشاهد التقطتها كاميرات مراقبة داخل وخارج مركز الدرك في القليعة بإقليم أغادير جنوبي المملكة. 

لاحقًا، أعلنت وزارة الداخلية سقوط 3 قتلى "خلال تصدي قوات الدرك لاقتحام مسلح". وحتى الأول من تشرين الأول/ أكتوبر كان هناك 409 أشخاص قيد تدابير الحراسة بتعليمات من النيابة العامة في المغرب، بحسب وزارة الداخلية المغربية.

في أول تعليق رسمي له، قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، الخميس الماضي، إن حكومته "تعلن تجاوبها مع مطالب التعبيرات الشبابية واستعدادها للحوار والنقاش"، وتابع بأنّ: "التطورات المؤسفة التي وقعت خلال اليومين الماضيين بعدد من مدن المملكة والتي عرفت تصعيدًا خطيرًا مس بالأمن والنظام العامين وأدى إلى إصابة المئات من أفراد القوات العمومية وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة".

وأكّد أخنوش أنّ: "الأجهزة الأمنية قامت بأداء واجبها الدستوري خلال التظاهرات"، مبيّنا أنّ: "التدخلات النظامية لمختلف الهيئات الأمنية تواصل أداء واجبها الدستوري في حماية الأمن والنظام العامين وصون الحقوق والحريات الفردية والجماعية".


ورفع المغرب، جراء احتجاجات الشباب، موازنة قطاعي الصحة والتعليم إلى حوالي 140 مليار درهم (15.2 مليار دولار) ضمن مشروع قانون مالية 2026 بزيادة 21 مليار درهم (أكثر من ملياري دولار)، مقارنة بموازنة عام 2025، حسبما أعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح علوي.

وقالت الوزيرة خلال تقديم المشروع في البرلمان، مساء أمس الاثنين، إنّ: "الحكومة ستستحدث 27 ألف فرصة عمل في هذين القطاعين خلال العام المقبل". فيما علّقت حركة "جيل Z 212" عبر بيان لها، بالقول إنّ: "التفاعل الإيجابي مع نبض الشارع هو أولى خطوات بناء الثقة المفقودة"، موجهة الشكر في الوقت نفسه إلى شباب جيل زد والشعب المغربي، ولكل من تظاهر في الأسابيع الأخيرة، وأردفت: "بفضل ضغطكم الواعي ارتفعت ميزانية التعليم والصحة في المغرب".


"جيل Z 212".. أبناء الفرح والغضب
"جيل Z 212" أولئك الذين وُلدوا بعد عام 1997، هو جيل متّصل دائما بالشبكة، متحرّر من الأطر التقليدية، لا ينتظر الأحزاب أو النقابات لتقوده، بل يصنع رأيه في فضاء مفتوح عبر "الهاشتاغ" و"الترند".

هذا الجيل كان في مقدمة صفوف الاحتجاجات، لكنه أيضا أول من يملأ الساحات بالأعلام عند كل إنجاز وطني. مبرزين أنّهم: "لا يتعاملون مع الدولة كخصم، بل كفاعل ينتظر منه أداء أفضل. جيل نقدي، ومرتبط وجدانيا بالمغرب، لكنه في الوقت نفسه لا يقبل بالوعود غير المنجزة".

وكانت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد أبدت انشغالها بما تعرفه عدة مدن مغربية منذ أواخر شتنبر 2025 من احتجاجات سلمية دعا إليها شباب مغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن: "مطالب اجتماعية مشروعة تتعلق أساسا بالحق في التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية والمجالية ومحاربة الفساد".

وسجّلت العصبة، في بيان لها، وصل "عربي21" نسخة منه: "لجوء السلطات العمومية إلى تدخلات غير متناسبة مع الطابع السلمي لمجموعة من الاحتجاجات، نتج عنها توقيفات واعتقالات عشوائية تمس بحقوق مضمونة دستورياً وقانونيا"، مؤكدة أنّ: "الحق في التظاهر السلمي شكل من أشكال المشاركة المواطِنة المكفولة بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب".

وأضافت: "لقد أجمع جل الحقوقيين والديمقراطيين في المغرب على أن هذه الاحتجاجات تمثل فرصة حقيقية أمام الدولة والحكومة للإصغاء لنبض الشباب، والاستجابة لمطالبهم عبر سياسات عمومية منصفة تركز على تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية، والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية، ومحاربة الفساد واقتصاد الريع".

وتابعت: "هو ما أكد عليه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، من دعوة إلى الجدية والمسؤولية في خدمة قضايا المواطنين، وفعلته المؤسسة الملكية عبر قرارات اتخذ معظمها في اجتماع المجلس الوزاري الأخير، ما يؤشر على  أن التجاوب مع مطالب الشباب هو الضامن الحقيقي للاستقرار والسلم الاجتماعي".

الفرح كاستراتيجية تهدئة؟
تاريخيا، كان للرياضة في المغرب، دورٌ مزدوج، ما بين: توحيد الشارع، وفي الوقت نفسه امتصاص الاحتقان الاجتماعي. ومع كل إنجاز كروي، تُعاد الأسئلة ذاتها: هل الفرح الوطني وسيلة لتأجيل الغضب؟ أم أنه تعبير أصيل عن تماسك المجتمع رغم الأزمات؟.

في الأيام التي تلت التتويج، انتشرت منشورات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، تربط بين الحشود المحتفلة في الشوارع، وصور التجمّعات الاحتجاجية السابقة في المدن نفسها.

إحدى الناشطات كتبت على موقع "إكس": "جميل أن نحتفل، لكن الأجمل أن نرى نفس العدد يخرج للمطالبة بحقوقه"؛ فيما يرى عدد من المحللين أن الفرح لا ينبغي اعتباره "أداة تلهية"، بل فرصة لبناء الثقة من جديد.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والكاتب المغرب، حسن أوريد، أنّ: "المغرب كان مسرحا لمظاهرات عمّت مختلف المدن المغربية، الكبرى منها والمتوسطة والصغرى، وحتى في القرى، دعا لها جيل "زد" أو جيل الثورة الرقمية، الذي يحدَد سلمه العمري ما بين 13 و28 سنة، على خلفية مطالب اجتماعية تهم الصحة والتعليم".

وتابع عبر تقرير له: "كان الوضع الاجتماعي محتقنا عرّته سلسلة من الأحداث، منها مسيرة لآلاف من مختلف الأعمار في جبال الأطلس الكبير، لأكثر من مئة كيلومتر من آيت بوكماز في يوليو/ تموز الماضي، من أجل مطالب أولية، منها طبيب في مستوصف، واعتصامات ما يسمى باحتجاجات العطش في الأطلس المتوسط، للتنديد بضعف الربط بالماء الجاري (أغسطس/آب المنصرم)، ووقفات احتجاجية أمام مستشفى بأكادير جراء وفاة ثماني نساء أثناء الوضع (سبتمبر/أيلول)".

"تأرجح التعامل مع المظاهرات في هذا الزمن بين السلاسة والفظاظة، أو ما أسماه خبير أمني، أو لسان حال السلطة، بـ"تدخل متوازن"، وتزاوجت صور تفاهم وتواطؤ بين المتظاهرين ورجال الأمن أحيانا، مع صور احتكاكات وتشنجات في حالات أخرى" وفقا لتعبير أوريد.

واسترسل بالقول: "أما الزمن الثالث، فكان بدءا من 30 سبتمبر/ أيلول، وما طبعه من انفلات، مع أعمال التخريب والمساس بالممتلكات والنهب، وهو الأمر الذي اندلع في جماعة قروية "آيت عميرة" من ضواحي أكادير، منها حرق مقر البريد، وكسر ساحة تجارية في إنزكان، وبلغ الشَغب ذروته في أول أكتوبر/ تشرين الأول مع محاولة اقتحام مركز الدرك في القليعة التابعة لجهة أكادير".

"من خلال إحراق الواجهة وكسر السياج، وإضرام النار في مواد مثيرة للدخان؛ لدفع عناصر الدرك إلى المغادرة تحت تأثير الاختناق، لوضع اليد على السلاح، مما كان سيشكل خطرا على الأمن، اضطرت فيه قوى الدرك إلى إطلاق النار" بيّن الكاتب المغربي.

وأضاف: "عمّت أعمال التخريب والنهب مدنا أخرى، مثل إنزكان وسلا، وحتى مناطق من الهامش لم يكن لها، تاريخيا، سوابقُ احتجاجية، عرفت أعمال عنف، كما الرشيدية أو ورززات أو زاكورة من الجنوب الشرقي.. وهو الأمر الذي يشي بتغيير جغرافية الاحتجاج في المغرب، في مناطق كانت تعرف بكونها مسالِمة".
من صناعة الأبطال إلى صناعة الأمل

المنتخب الشاب الذي رفع راية المغرب في المحافل العالمية أثبت أن الأبطال يمكن أن يكونوا من أبناء الأحياء الهامشية، وأن الاستثمار فيهم هو استثمار في طاقة مجتمع بأكمله. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تملك الدولة الإرادة لتحويل هذا الزخم المعنوي إلى مشروع وطني متكامل للشباب؟.

يقول مدرب سابق في الفئات الصغرى للمنتخب لـ"عربي21": "الجيل الحالي يحتاج أكثر من تصفيق، يحتاج رؤية تربط بين الرياضة والتعليم والتشغيل. الأبطال لا يُصنعون في الملاعب فقط، بل في السياسات".

الواقع أن مشاهد الاحتفال في المدن المغربية لم تكن مجرّد رد فعل على الفوز، بل كانت مرآة لعطش جماعي إلى الأمل. لكنّ هذا الأمل، كما يرى عدد من المختصين في عدّة تصريحات إعلامية، أنّه: "سيبقى هشًّا ما لم تُترجم فرحة "أشبال الأطلس" إلى برامج ملموسة تمسّ حياة الشباب، من التعليم إلى العمل إلى المشاركة السياسية".

إلى ذلك، قد تكون الاحتفالات الكبيرة التي عمّت البلاد قد منحت الشارع المغربي استراحة قصيرة من الغضب، لكنها لم تُنهِ الأسئلة الكبرى. "جيل Z 212" الذي رقص واحتفل في الشوارع هو نفسه الذي دوّن هاشتاغات الغلاء، وصوّر الاحتجاجات بهاتفه، وكتب عبارات الأمل على جدران العالم الافتراضي.

"إنها هدنة عاطفية أكثر منها مصالحة اجتماعية، لكنّها تكشف عن جيل لا يزال يؤمن بأن المغرب يستحق الفرح، ويستحق أكثر من ذلك: العدالة والكرامة وفرص الحياة" هكذا ختم ياسين (22 ربيعا)، وهو طالب جامعي، حديثه لـ"عربي21".