ملفات وتقارير

شباب "جيل زد" المغربي يطالبون الملك بإقالة الحكومة ومحاسبة الفاسدين

في الوقت الذي أكّدت فيه الوثيقة التزام الحركة بسلمية الاحتجاجات- جيتي
في خطوة تعكس تصاعد الغضب الاجتماعي وفقدان الثقة في المؤسسات السياسية، وجّهت حركة "جيل زد" الشبابية في المغرب، أمس الخميس 02 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وثيقة مطالب مباشرة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، تطالبه فيها بالتدخل العاجل لإنقاذ البلاد مما وصفته بـ"الاختناق المؤسساتي، والإخلال بالتزامات الدستور". 

الوثيقة التي اطلعت عليها "عربي21"، وصفت بكونها تعكس تحوّلاً في الخطاب الشبابي المغربي، إذ أعلن الموقعون أنهم اختاروا مخاطبة الملك بشكل مباشر بعد "فقدان الثقة في الحكومة، والبرلمان، والأحزاب"، معتبرين أنّ: "هذه المؤسسات تحوّلت من أدوات للتنمية والديمقراطية إلى عوائق حقيقية أمام التقدم"، وفق تعبيرهم.


وثيقة احتجاجية
في مستهل الوثيقة، قال شباب الحركة:  "نحن شباب المغرب، حملة رسالة الوطن، الذين يتألمون من صعوبة الأوضاع المعيشية، ومن الفجوة الكبيرة بين الحقوق الدستورية المنصوص عليها والممارسة اليومية، نتوجه إليكم بهذه الوثيقة الشعبية المليئة بالأمل والإيمان بأن مجلس العرش سيظل الضامن لأمن الوطن واستقراره وصون كرامة شعبه".

"لقد جاء دستور المملكة بإنجازات مهمة، منها ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان حقوق التعبير والمشاركة والمساواة، لكن التطبيق العملي لهذه المبادئ شابته ثغرات وتجاوزات، ما يستدعي تجديد الثقة بين المواطن والمؤسسات. ومن واجبنا أن نرفع صوتنا، طالبين من جلالتكم التدخل لإصلاح عميق وعادل يعيد الحقوق، ويحاسب الفاسدين، ويجدد عهد المسؤولية والشفافية" وفقا للوثيقة.


إلى ذلك،، أكّدت الوثيقة على المطالب الأساسية، وعلى رأسها إقالة الحكومة الحالية، حيث أوضح الشباب أنه استنادا إلى الفصل 47 من الدستور، الذي يمنح الملك صلاحية تعيين وإعفاء رئيس وأعضاء الحكومة، فإنهم يطالبون بإقالة حكومة، عزيز أخنوش، لفشلها في حماية القدرة الشرائية وضمان العدالة الاجتماعية.

أيضا، دعوا إلى إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين، مشيرين إلى الفصل الأول من الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ومطالبين بتفعيل آليات المراقبة ضد كل من ثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع، بغضّ النظر عن موقعه.

وطالبوا كذلك، بحل الأحزاب المتورطة في الفساد، استنادا إلى الفصل السابع من الدستور الذي يحدد دور الأحزاب في تأطير المواطنين وخدمة المصلحة العامة، وأكدوا ضرورة حل أي حزب يثبت تواطؤه مع شبكات الريع أو تورطه في الفساد.



كما شددت الوثيقة على ضرورة تفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في الفصل 13، عبر ضمان فرص متكافئة للشباب في التعليم، الصحة، والشغل، "بعيدا عن الزبونية والمحسوبية".

وطالبت إلى جانب ذلك، بتعزيز حرية التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، استنادًا إلى الفصل 19 من الدستور، داعية إلى "وقف التضييق على الشباب والطلبة والنشطاء وضمان حقهم الدستوري في التعبير".

ولفت الشباب إلى ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية، استنادًا إلى الفصل 29 الذي يكفل حرية الاجتماع والتظاهر، وأوضحت أن ممارسة هذا الحق لا يجب أن تكون سببًا في المتابعة أو السجن، وفي المقابل، شدد الشباب على أن المسؤولية الفردية قائمة في حق كل من ثبت تورطه في التخريب أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مميزين بوضوح بين من مارس حقه المشروع في التظاهر ومن لجأ إلى العنف.

كما طالبوا في السياق نفسه بـ"الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والانتفاضات الشعبية والحركات الطلابية"، استنادا إلى الفصل 23 من الدستور الذي يحظر الاعتقال التعسفي ويضمن المحاكمة العادلة، معتبرين أنّ: "هؤلاء لم يفعلوا سوى التعبير السلمي عن مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة".

ومن بين المطالب أيضًا، عقد جلسة وطنية علنية للمساءلة، برئاسة الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة واستقلال السلطة القضائية، وذلك وفق الفصل 42، حيث أكدوا أن هذه الجلسة يجب أن تكون علنية وتعتمد على أدلة ووثائق تكشف تورط الحكومة وأعضائها في ملفات فساد وتدبير كارثي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية.



"الهدف من هذه الخطوة ليس الانتقام، بل إرساء سابقة تاريخية تؤكد دخول المغرب مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية، بما يعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته" وفقا للوثيقة التي اطلعت عليها "عربي21".

وفي ختام الوثيقة، أكّد شباب "جيل Z" أنهم اختاروا التوجه بشكل مباشر إلى الملك لأنهم فقدوا الثقة في كل الوسائط السياسية القائمة الحكومة، البرلمان، والأحزاب، وقالوا: "لقد أثبتت التجربة أن هذه المؤسسات، بدل أن تكون رافعة للتنمية والديمقراطية، تحولت إلى عائق حقيقي أمام تقدم الوطن، وأصبحت سببًا رئيسيًا في تفاقم أزماته".

واستطردوا: "رسالتنا إليكم هي تعبير عن إرادة جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل، ويؤمن بأن مستقبل المغرب يمر عبر تجاوز هذه المؤسسات العاجزة، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة على أساس المحاسبة، العدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق والحريات".

ومن أبرز ما ورد في الوثيقة:
المطالبة بإقالة الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش، استنادًا إلى الفصل 47 من الدستور، بسبب ما وصفوه بـ"الفشل في حماية القدرة الشرائية وتحقيق العدالة الاجتماعية".

إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاكمة الفاسدين وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

حلّ الأحزاب المتورطة في الفساد والريع السياسي، بموجب الفصل السابع من الدستور.

تفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التعليم والصحة والشغل، بعيدا عن الزبونية والمحسوبية.

ضمان حرية التعبير والاحتجاج السلمي، والإفراج عن معتقلي الرأي والحركات الاحتجاجية.

كما دعت الوثيقة إلى عقد جلسة وطنية علنية للمساءلة، برئاسة الملك، تكون بمثابة محطة تأسيسية لـ"مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية".


تطورات ميدانية
في الوقت الذي أكّدت فيه الوثيقة التزام الحركة بسلمية الاحتجاجات، شهدت عدة مدن مغربية، ليلة الثلاثاء الماضي، تطورات ميدانية مثيرة للقلق، بعد أن تحوّلت بعض التظاهرات إلى أعمال عنف وشغب، شملت حرق سيارات ومهاجمة ممتلكات عامة وخاصة.

ومن بين المناطق التي شهدت هذه الانفلاتات الأمنية: تمارة، آيت عميرة، وجدة، بني ملال، وإنزكان، حيث وقّعت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، وتحدثت مصادر محلية عن إصابات في صفوف الطرفين، وتخريب لعدد من المنشآت.

حركة "جيل زد" سارعت إلى إصدار بيان، تنصّلت فيه من أعمال العنف، مؤكدة أنّ: "ما وقع لا يمثل روح الحراك ولا مبادئه"، ودعت فيه أنصارها إلى: "الالتزام الصارم بالسلمية ورفض كل أشكال التخريب"، مشدّدة على أنّ: "المعركة مع السياسات الفاشلة وليست مع رجال الأمن الذين هم بدورهم ضحايا منظومة مختلة".


بنكيران يدخل على الخط
في رد فعل سريع، خرج رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بكلمة مسجلة على صفحته الرسمية، فجر الأربعاء، دعا فيها شباب "جيل زد" إلى وقف الاحتجاجات "قبل فوات الأوان".

وقال بنكيران، إنّ: "ما تحتجون عليه واقعي ومشروع، لكن بعد أحداث العنف الأخيرة، لم يعد الأمر يتعلق فقط بالحكومة، بل أصبحنا أمام خطر حقيقي يهدّد استقرار البلاد".

وحذّر بنكيران من "انزلاق البلاد نحو دائرة العنف والعنف المضاد"، مقترحا إصدار بيان رسمي، يعلن فيه قادة الحركة وقف الاحتجاجات "حقنا للدماء وحفاظا على ما تبقى من مكتسبات الحرية والاستقرار"، على حد وصفه.

تصريحات بنكيران لقيت تفاعلات متباينة؛ حيث رآها البعض محاولة لاحتواء غضب الشارع، بينما اعتبرها آخرون محاولة لإعادة ترميم صورة حزب سياسي فقد الكثير من رصيده الجماهيري في السنوات الأخيرة.

أزمة ثقة أم لحظة تحوّل؟
احتجاجات "جيل زد" ليست الأولى في المغرب، لكنها تتميّز بخطابها المؤطر قانونيا ودستوريا، وبلغة سياسية مباشرة تضع مسؤولية الأزمة في يد مؤسسات الحكم القائمة، دون وسطاء.

غير أن مشاهد العنف الأخيرة طرحت تحديا حقيقياً أمام الحركة، التي وجدت نفسها مطالبة بضبط قواعدها وضمان عدم اختراق الاحتجاجات من جهات قد تسعى لإفشالها، في وقت تلوح فيه السلطات بورقة "الأمن أولا".

في المقابل، يرى مراقبون أن ما يجري قد يشكل فرصة تاريخية أمام الدولة لإعادة فتح قنوات الحوار مع جيل شاب غاضب، لكنه واع ومؤطر ومؤمن بالدستور، بشرط أن تكون الاستجابة سياسية لا أمنية فقط.

مستقبل الحراك..
بين لغة الحقوق الدستورية، وتصاعد مشاهد العنف، وتدخل أطراف سياسية تطالب بالتهدئة، تجد حركة "جيل زد" نفسها اليوم، بحسب عدد من المتابعين المغاربة، أمام اختبار كبير، وجُملة من التساؤلات، بينها: هل تنجح في الحفاظ على زخمها ومصداقيتها؟ وهل تفرض نفسها كفاعل سياسي جديد قادر على التأثير؟ أم ستنتهي مثل حراكات سابقة، بين الاعتقالات وتآكل التأثير؟