ملفات وتقارير

من خلف الشاشة إلى الشّارع.. هكذا فرض "جيل Z" المغربي نفسه مطالبا بالإصلاح (شاهد)

صدحت أصوات الشباب المغربي جلّهم في العشرينات- أكس
"الصحة أولا، ما بغيناش (لا نريد) كأس العالم"، و"الكرامة قبل الكرة" بهذه الشعارات، صدحت أصوات الشباب المغربي، جلّهم في العشرينات، منضوون تحت ما بات يُعرف باسم "جيل Z 212"، وذلك في إشارة إلى رمز الهاتف الدولي للمغرب، والانتماء إلى الجيل الرقمي العالمي المعروف بـ"جيل زد" (Gen Z).

البداية، من مساء أحد أيام أيلول/ سبتمبر 2025، حيث تحوّلت ساحة البرلمان في العاصمة المغربية، الرباط، إلى نقطة اشتباك غير معلن بين جيلين: الأول يمثّل الدولة بأسلاكها الأمنية وخطابها المؤسساتي، والثاني جيل رقمي، بلا تنظيمات حزبية أو أطر نقابية، "متّصل" طوال الوقت على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه اختار النزول إلى الشارع هذه المرة.


كيف وُلد "جيل Z 212"؟
في خضم تدهور التعليم العمومي، واختناق القطاع الصحي، وارتفاع البطالة، لم يخرج هؤلاء الشباب الغاضبين والرّاغبين في الإصلاح والتغيير الإجابي، من تحت عباءة حزب سياسي أو تيار تقليدي. بل تبلورت الحركة داخل غرف نقاش افتراضية على منصّات مثل "ديسكورد" و"إنستغرام" و"تيك توك"، حيث بدأ التنسيق والاحتجاج الرمزي أولا. 

وفي السياق نفسه، وفجأة، تحوّلت تلك "النقاشات الرقمية" إلى احتجاجات ميدانية منسّقة، اجتاحت مدن عدّة، بينها: الرباط، الدار البيضاء، طنجة، ومكناس. ويقول ياسين (23 سنة)، وهو أحد النشطاء في الحركة، في حديثه لـ"عربي21": "كنا نظن أن احتجاجات مواقع التواصل تكفي، لكن عندما رأينا آلاف المتابعين يتفقون على نفس المطالب، أدركنا أن لحظة النزول إلى الشارع قد حانت".

وعلى الرغم من الطابع السلمي للاحتجاجات، إلاّ أنّ قوات الأمن سارعت إلى تفريق المظاهرات بالقوة، مع اعتقال العشرات، في مشهد وصفه المواطنين المغاربة: "ردة فعل كلاسيكية على ظاهرة غير تقليدية"، بحسب ما رصدته "عربي21" خلال الساعات القليلة الماضية.


ووفقا لرئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط، حكيم سيكوك، فإنّه: "قد تم توقيف أكثر من 70 شخصا خلال الوقفتين"، مبيّنا أنّ: "الإفراج عنهم يتم تدريجيا بعد التحقق من هوياتهم".

كذلك، أوضحت عدّة مصادر مطّلعة في حديثها لـ"عربي21" أنّ: "السلطات المغربية فرقت أيضا وقفات شبان آخرين استجابوا لدعوات "جيل زد 212" في الدار البيضاء وطنجة ومكناس. اليوم الأحد".

 من هو جيل Z المغربي؟
"من وُلد بعد منتصف التسعينات وبداية الألفية الجديدة، وفتح عينيه على الشاشات قبل الكتب، وكبر على "يوتوب" و"تيك توك" أكثر من القنوات الوطنية، صار اليوم يقود حركة احتجاجية رقمية- ميدانية هجينة، تحمل مطالب اجتماعية عابرة للأيديولوجيا" هكذا وصف أحد نشطاء الحركة لـ"عربي21".

وأبرز الشاب العشريني، نفسه، بالقول: "نريد تعليما مجانيا، وصحة متاحة للجميع، وعدالة اجتماعية حقيقية، لا نطلب المستحيل"؛ فيما أكّدت سناء، (طالبة هندسة من الدار البيضاء) والتي شاركت في الوقفة قبل أن يُفرج عنها لاحقًا، أنّهم: "لا يطالبون بإسقاط النظام، ولكن كل ما يبتغونه هو الإصلاح"، وهو التوضيح الذي نُشر على صفحاتهم عقب ذلك.


 الدولة أمام مفترق طرقعلى عكس الحركات الاحتجاجية السابقة، التي عاش على إيقاعها المغرب في السنوات الماضية، مثل "20 فبراير"، لم تظهر أي رموز قيادية بارزة، داخل "جيل Z 212"، وهو ما أثار جملة من التساؤلات، رصدتها "عربي21" على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي: "هل هذا النمط من الحراك قابل للاستمرار؟ أم أنه عرضة للانفجار أو التفكك بسبب غياب الهيكلة؟".

في ظل غياب أي تعليق رسمي (لحدود اللحظة) حول الاحتجاجات، وكيف قوبلت من "قمع واعتقالات"،  اكتفت السلطات بالإفراج التدريجي عن الموقوفين. في خطوة رحّبت بها عدّة جمعيات حقوقية، لكنّها لم تُطفئ جذوة الحركة، التي أعلنت عبر حساباتها عن استمرار التعبئة.


المحامي والباحث الحقوقي، الحسين بكار السباعي، يرى أن: "الإفراج ليس مجرد إجراء قانوني، بل إشارة سياسية. على الدولة أن تدرك أن هذا الجيل لم يعد قابلا للتهميش، ويجب أن يُرى كشريك لا كخصم".

ويتابع المحامي وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان بالقول، عبر مقال له: "إن مشاركة جيل Z في هذه الوقفات تعكس انتقالا نوعيا في أشكال التعبير السياسي والاجتماعي، إذ لم يعد هذا الجيل مكتفيا بإستهلاك الخطاب، بل أضحى فاعلا في إنتاجه عبر وسائط رقمية وأشكال إحتجاجية حضرية منظمة، تضع في صلب أولوياتها قضايا الصحة والتعليم، بما هي قضايا سيادية ومجتمعية عابرة للتجاذبات الحزبية". 

"هذا الجيل يظل حساسا تجاه قيم الحرية والعدالة والكرامة، وهو ما يجعل حضوره في الفضاء العمومي دليلا على تنامي وعي جماعي يرفض الهامشية والإقصاء. لكن غياب الأحزاب والنقابات عن لعب دور التأطير ألقى بهذا الجيل في فضاء رقمي هش، تتحكم فيه ثقافة "التريند" و"الموضة الإحتجاجية"، على حساب الوعي السياسي المؤسس والمستدام" استرسل المتحدث نفسه.

وأكّد: "إن التحدي لا يكمن في إنتقاد هذا الجيل أو التشكيك في قدرته على إحداث التغيير، بل في البحث عن صيغ لدمج طاقاته في قنوات مؤسساتية ومشاريع مجتمعية قادرة على إستيعاب حيويته وتوجيهها نحو إصلاحات بنيوية. إن الإفراج عن هؤلاء الشباب لا ينبغي أن يفهم كختام لمشهد إحتجاجي عابر، بل كبداية لتعاقد جديد بين الدولة وجيل المستقبل".

هذه مطالبهم.. 
إلى ذلك، يقول عدد من الناشطين في الحركة، الذين ينشرون رقميا دون الكشف عن هوياتهم الحقيقة: "إما أن يُفتح حوار فعلي مع هذا الجيل حول التعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية، والمستقبل. أو يستمر تكرار سيناريوهات القمع والتجاهل، مع ما قد يحمله ذلك من ارتدادات اجتماعية لاحقة".

كما دعوا أيضا، إلى: "ضمان مجانية العلاج للفئات الهشة، وتوسيع التغطية الصحية، وتجهيز كل مستشفى إقليمي بغرف إنعاش ومختبرات وأجهزة سكانير، وإطلاق برنامج وطني لدعم الصناعة الدوائية المحلية وتخفيض أسعار الأدوية، إضافة إلى توفير سيارات إسعاف مجهزة في كل جماعة قروية، مع خطط استجابة سريعة".

أما فيما يخص العيش الكريم، فيؤكد "جيل Z" أنّ: "هذا المطلب ليس رفاهية بل أساس للاستقرار". ومن بين ما يؤكدون عليه هو: السكن اللائق، الماء الصالح للشرب، تحسين النقل وفك العزلة عن القرى. 


كما دعوا إلى: "إطلاق برامج سكن اجتماعي موجهة للشباب المقبلين على الزواج بأقساط ميسرة، وتعميم النقل العمومي الجيد (حافلات نظيفة ومنظمة، وقطارات تربط المدن الصغرى)، إضافة إلى تعبيد الطرق القروية وفك العزلة عن المناطق الجبلية، وضمان جودة المياه عبر مراقبة دورية".

ومن أهم مطالب الحركة، عبر حسابهم على موقع التواصل الاجتماعي "انستغرام": "التوظيف وخلق فرص عمل للشباب. تحسين الخدمات الصحية والتعليمية بما يضمن العدالة الاجتماعية. مكافحة الفساد باعتباره عائقًا أمام التنمية والإصلاح. الحق في التظاهر والتعبير السلمي كجزء من الحقوق الدستورية المكفولة". 

كما يدعون إلى: "وضع سقف لأسعار المواد الأساسية، مع دعم مباشر للفئات الفقيرة، والرفع من الحد الأدنى للأجور بما يعادل كلفة المعيشة الحقيقية (لا يقل عن 4000 درهم، ما يقارب 450 دولار)، فضلا عن إصلاح نظام التقاعد بما يضمن معاشا كريما.

تجدر الإشارة إلى أنّ ما يحدث في المغرب اليوم ليس مجرد احتجاجات شبابية عابرة، بل بداية سؤال جِيل: كيف تعيد الدولة صياغة تعاقدها مع جيل رقمي غير مستعد للتنازل عن كرامته؟.