أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع تصريحات لافتة حول العلاقة مع
حزب الله اللبناني، ملمحا إلى إمكانية طي صفحة الخلاف العميق الذي سببه تدخل الحزب في الثورة السورية لصالح نظام بشار الأسد.
وقال الشرع خلال لقائه مجموعة من الإعلاميين اللبنانيين والعرب، إن "هناك من يريد الاستقواء بسوريا الجديدة لتصفية حسابات مع حزب الله"، معلقا "نحن لا هذا ولا ذاك".
وبعبارة صريحة قال الشرع "تنازلنا عن الجراح التي سبّبها حزب الله لسوريا، ولم نختر المضي في القتال بعد تحرير دمشق". كما قال الشرع إن "على لبنان أن يستفيد من نهضة
سوريا وإلا سيخسر كثيرا".
ويأتي حديث الشرع في ظل تغول إسرائيلي متزايد على سوريا، حيث لم تتوقف الغارات الإسرائيلية منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون أول/ ديسمبر الماضي. كما أطلق قادة حكومة وجيش
الاحتلال تصريحات تهدد القيادة السورية الجديدة وتصفها بـ"الإرهابية"، إضافة إلى تذرعها المستمر بحماية الأقلية الدرزية في السويداء، وجرمانا وصحنايا في ريف دمشق.
وجاءت آخر تلك التصريحات صباح اليوم الثلاثاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، والذي قال إن قوات الاحتلال ستبقى في قمة جبل الشيخ، ومنطقة الحزام الأمني ولن تغادرها، متذرعا مرة أخرى بـ"حماية الدروز".
وقال كاتس إن الضربات الإسرائيلية على السويداء ودمشق في الأسبوع الماضي تتماشى مع هذه السياسة، مهاجما من انتقد تلك الهجمات.
لا تدخل.. وإعادة تقييمالمحلل السياسي السوري فراس فحام، قال في تصريح لـ"عربي21"، إن الشرع أراد من هذه التصريحات
التأكيد أن ليس لسوريا أي نية للتدخل في الشأن اللبناني، داحضا التكهنات حول إمكانية لعب دمشق دوراً في استقرار لبنان، على غرار تدخلها في الثمانينيات.
ولفت فحام إلى أن الشرع بعث برسالة مفادها أن أي اشتباك أو "صراع" سابق مع حزب الله اللبناني كان بسبب تدخل الحزب في الجغرافيا السورية، ودعمه لبشار الأسد ضد الثورة.
وشدد فحام على أن سوريا تقرأ تغيرات التهديدات بعناية، مضيفا "في السابق، كانت إيران وحلفاؤها يعتبرون التهديد الرئيسي لسوريا نتيجة انخراطهم المباشر إلى جانب بشار الأسد، وقيامهم بعمليات تغيير ديموغرافي. ولكن، بعد سقوط النظام، وجدت سوريا نفسها وجهاً لوجه مع الاحتلال الإسرائيلي".
وزاد فحام "عادت الأمور، بمعنى ما، إلى نصابها الأصلي، حيث أن التهديد الرئيسي لسوريا ينبع من دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويتأكد ذلك بتأكيدات إسرائيل اليومية بأنها لن تسمح لسوريا بالاستقرار أو العودة إلى ما كانت عليه".
واستبعد فحام أن تدخل دمشق في أي "حرب صفرية" مع أي طرف معين، خالصا إلى أن "سوريا قد تكون في وضع يمكنها من صياغة سياسات بعيدة عن التوترات التاريخية وتمثل بدلاً من ذلك استجابة مباشرة للتهديدات الحقيقية والراهنة".
المعادلة واضحة
قال الباحث اللبناني بلال اللقيس إن التطورات الميدانية الأخيرة، والتوسّع الإسرائيلي في استهداف سوريا، فرضا نفسيهما على المشهد الإقليمي، بحيث لم يعد بالإمكان الحديث عن حلول وسط أو تسويات جزئية مع تل أبيب.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن المعادلة باتت واضحة، فـ"إسرائيل تمثل الخطر الوجودي الأول على سوريا، وكل الاتفاقيات الأمنية السابقة لم تحقق سوى مصالح الاحتلال ومنحته المزيد من الفرص لتكريس تفوقه". وأكد أن "الولايات المتحدة لا يمكن اعتبارها وسيطًا أو طرفًا محايدًا، فهي الراعي المباشر للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وتوفر له الغطاء العسكري والسياسي".
تحديات مضاعفة ورؤية جديدة
وتابع اللقيس أنه من هذا المنطلق، تبدو التحديات أمام سوريا مضاعفة، إذ لا تقتصر على الاحتلال الإسرائيلي وحده، بل تشمل أيضًا محاولات أمريكية ودولية لاستغلال ضعف الحكم وأزماته الداخلية، من أجل جرّه إلى صراعات جانبية، لا سيما في لبنان.
وأشار إلى أن المحللين الغربيين يذكرون أن أحد شروط إعادة تأهيل النظام الجديد هو دفعه نحو مواجهة مع حزب الله، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا. وأوضح أن هذا الوضع قد دفع القيادة السورية الحالية إلى حالة من "التنبه" لما يحاك ضدها من قبل الأطراف الأمريكية والإسرائيلية وبعض القوى الإقليمية، بهدف دفع سوريا إلى أدوار لا تخدم مصالحها، وهو ما يعكس حالة مراقبة وانتباه وليس تحذيرًا مباشرًا.
وشدد اللقيس على أن "وحدة سوريا وبقاء المقاومة في لبنان يشكلان خط الدفاع الأول في وجه هذا المشروع الصهيو–أمريكي"، وأن "استقرار سوريا السياسي والأمني لا يمكن أن يتحقق إلا عبر خطاب المقاومة وتكاملها مع القوى الوطنية والإسلامية". كما لفت إلى أن "القوى التكفيرية التي حاولت مصادرة خطاب المقاومة لم تجر سوى الويلات، فيما بقيت المقاومة مصدر الشرعية الأساسية لاستمرار سوريا كدولة".
مصالح جيوسياسية متضاربة
وفي سياق أوسع، أكد اللقيس أن هناك مصالح جيوسياسية متضاربة بين القوى الإقليمية. ويرى الموقف التركي أن بقاء المقاومة يمثل وسيلة لملء الفراغ ومنع أي تقدم للمشاريع الأخرى، كما أن الحفاظ على قوة المقاومة في لبنان وسوريا يمنع التمدد الأمريكي والإسرائيلي ويضمن مصالح أنقرة في المنطقة.
وأشار إلى أن السعودية تعمل بشكل ضمني على تحويل البيئة اللبنانية لصالحها في مواجهة تركيا، من خلال محاولة إضعاف ثلاثة كيانات رئيسية هي حزب الله، والجماعة الإسلامية، وتيار المستقبل، مما يمثل تحولًا في المشهد الإقليمي.
وأضاف أن إيران تبدو أمام مقاربة جديدة في المنطقة، وفقًا لما صدر مؤخرًا عن مسؤولين مثل أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، مما يعزز المصالح الإيرانية–التركية المشتركة في الحفاظ على وحدة سوريا ولبنان والعراق ومنع التمدد الأمريكي–الإسرائيلي فيها.
وختم اللقيس بالقول إن هذه المصالح الإقليمية المشتركة قد تكون الإشارات التي التقطها الحكم السوري، وأن الطريق الوحيد لنهوض سوريا هو الاعتماد على الدول التي لها مصالح حقيقية في استقرارها، وعلى رأسها إيران ثم تركيا، بحسب قوله.
وكان لاريجاني أكّد أنّ بلاده مستمرة في دعم حزب الله اللبناني، مشددا على أن المقاومة في المنطقة هي رأس مال استراتيجي. وقال لاريجاني قبل أيام، إنّ "طهران بحاجة إلى دعم حزب الله كحاجته لها"، مشيرا إلى أنه "خلال الفترة الراهنة تُمارس ضغوط شديدة على الحزب في لبنان لإلقاء سلاحه، وهو ما فشل الإسرائيليون في تحقيقه خلال الحرب العسكرية المباشرة".
موقف نعيم قاسم
أطل الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم عدة مرات بعد سقوط نظام الأسد، وتحدث عما حدث في سوريا باعتباره خسارة لمحور المقاومة، لكنه في الوقت ذاته لم يستخدم خطابا حادا تجاه القيادة السورية الجديدة.
وحذر قاسم القيادة السورية الجديدة من التطبيع مع الاحتلال، قائلا إن العدو الأول لسوريا ولبنان والمنطقة ككل هو الاحتلال الإسرائيلي.
وقال في تصريح سابق إن حزب الله سيقف إلى جانب سوريا في إحباط أي هجوم عليها، نافيا في الوقت ذاته أن يكون لحزب الله أي محاولات للتدخل في سوريا الجديدة.