ثلاث حركات مسلحة، في الإقليم المسمى بالشرق الأوسط، ماضية نحو نزع سلاحها وحل نفسها أو مطلوب منها أن تفعل ذلك تحت التهديد: حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحركة
حماس في فلسطين، و«حزب الله» في لبنان.
ويمكن إضافة قوات سوريا الديموقراطية في سوريا إذا تجاوزنا الوضع الأكثر تعقيداً الذي يحيط بهذه العملية، وإن لم تخل العمليات الثلاث الأولى بدورها من تعقيدات كثيرة.
بل يمكن أيضاً أن نضيف دولتين إلى التشكيلات ما دون الدولة المشار إليها في عملية نزع
السلاح، وربما الحل :
أولا – سوريا التي قامت إسرائيل بنزع سلاحها الثقيل بضربات جوية شملت معظم الأراضي السورية، صبيحة انهيار نظام الأسد وفي الأيام والأشهر التالية، كما يراد منها إخلاء الأراضي الواقعة جنوب دمشق وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل من السلاح الثقيل والمتوسط، وهي تواجه خطر التفكك بصورة جدية بسبب فشل السلطة الجديدة في دمشق في تشكيل إدارة سياسية ذات تمثيل شامل. ثانيا ـ إيران التي تعرضت لضربات إسرائيلية ـ أمريكية مكثفة في شهر حزيران /يونيو الماضي استهدفت مواقع استراتيجية تخص التصنيع الحربي والمنشآت النووية، ومطلوب منها تفكيك برنامجها النووي.
من المحتمل أن خطر التفكك (الحل) يحوم فوق إيران أيضاً ما دامت في عين العاصفة الإسرائيلية – الأمريكية، وما دامت الفجوة الكبيرة قائمة بين حكامها وشعوبها.
تبدو العملية السياسية الهادفة إلى حل «العمال الكردستاني» ونزع سلاحه هي الأكثر نُضجاً وإنْ تباطأت خطواتُها، فقد انطلقت بمبادرة محلية، وإن كانت حوافزُها إقليمية تحت ضغط تداعيات طوفان الأقصى وما تلاها من حرب إبادة إسرائيلية فاضت عن قطاع غزة إلى دول الجوار، لبنان وسوريا واليمن وإيران المهددة بحرب ثانية مثل لبنان.
فقد جاءت المبادرة من الدولة التركية العميقة فيما يُتوقع أن يقابَلَ حلُّ الكردستاني ونزعُ سلاحه بصيغة سياسية، ما زالت غامضة المعالم، لحل المسألة الكردية، أي إدماج «المكوّن» الكردي في الدولة التركية إذا استخدمنا المصطلحات الشائعة في سوريا المجاورة.
وتأمل السلطة في تركيا، وتضغط من أجل، أن يشمل نزع سلاح «الكردستاني» فرعَه السوري الممثل حالياً تحت مظلة قوات سوريا الديموقراطية، في حين تُمانع هذه بسبب بُنية السلطة في دمشق وسجِلّها غيرِ المشجع قبل سقوط نظام الأسد وبالأخص بعده.
وتشير أحدث المعلومات عن جولة المفاوضات الأخيرة في دمشق بين سلطة الشرع وقسد، برعاية أمريكية، إلى توافق «شفهي» على عملية «دمج» عسكرية بصيغة أقرب إلى مطالب القيادة الكردية منها إلى مطالب دمشق وأنقرة.
يمكن القول باختصار إن هذا التوافق سيلغي أتيكيت «قسد» ويبقي على قواته وسلاحه مقابل أن تصبح رسمياً أو اسمياً تحت مظلة وزارة الدفاع. بالمثل يبدو أن التوافق حول اللامركزية الإدارية لم يعد بعيد المنال وفق التسريبات.
لا يتمتع حزب الله في لبنان بالأريحية نفسها في معارضته تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، فهو يمانع تحت الضغط الإسرائيلي ـ الأمريكي والتهديد باستئناف الحرب من جهة، وضغط القوى السياسية اللبنانية المطالبة بنزع سلاحه منذ سنوات من جهة أخرى، من غير أن يكون له السند التقليدي في إيران ولا خطَّ الامداد البري التقليدي عبر العراق وسوريا.
حركة حماس هي في الوضع الأشد صعوبة بين التشكيلات المسلحة المطلوب نزع سلاحها. فالطلب أمريكي (ترامبي) تحت التهديد باستئناف حرب الإبادة الإسرائيلية وصولاً إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه قتلاً وتشريداً.
وباتت موافقة حماس على نزع سلاحها وإنهاء وجودها في غزة مطلباً شعبياً أيضاً وإن كان غير مُعلن، إضافة إلى موافقة عدد كبير من الدول العربية والإقليمية والدولية الفاعلة على «خطة ترامب» بصرف النظر عن بعض تحفظاتها عليها.
وعموماً غيّرت تداعيات «طوفان الأقصى» وجه الإقليم بصورة ما كان يمكن تصورها قبل عامين، فرحل نظام الأسد، وتقوّض حلف
المقاومة والممانعة بقيادة إيران، واحتلت إسرائيل أراض ٍجديدة في الجنوب السوري، وتَجددَ شبابُ الحرب الأهلية في سوريا، وتم اغتيال صفوف قيادية لحزب الله وإيران وجماعة الحوثي، ولم تَسلَم دولةُ قطر نفسُها من الاعتداءات الإسرائيلية، في حين تبدو تركيا مرعوبة من احتمالات وصول الأذى الإسرائيلي إليها، وقد تعرضت مواقع في سوريا كانت تركيا تستعد لاستثمارها كمناطق نفوذ عسكرية، لضربات إسرائيلية فعلاً.
عملية «تغيير وجه الشرق الأوسط» على ما توعد نتانياهو لم تنته بعد، ومن المحتمل ألا تتوقف ـ إسرائيلياً ـ قبل إتمام نزع سلاح حزب الله، وفرض اتفاقية أمنية على سوريا. في حين تتكفل واشنطن بالعمل عل توسيع نطاق الاتفاقات الابراهيمية وصولاً إلى دمج إسرائيل في نسيج الإقليم بوصفها صاحبة القوة الضاربة فيه. أما تركيا فسيكون عليها الاكتفاء من النفوذ الإقليمي في سوريا بما قد تسمح به إسرائيل.
في هذه اللوحة السياسية المتوقع تشكلها في الفترة القادمة، نلاحظ غياب الدور العربي الفاعل، على رغم الإمكانيات الاقتصادية والبشرية الكبيرة، وعلى رغم انهيار المشروع الامبراطوري الإيراني. إنه زمن المراجعات الكبرى المطلوبة ليس فلسطينياً فقط، بل بما يشمل كل دول الإقليم وشعوبه. ولعل نهاية عصر
الكفاح المسلح الذي قامت عليه منظمات ما دون الدولة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أن تشكل بداية تلك المراجعات، حتى لو حدث ذلك بواسطة البلدوزر الإسرائيلي.
القدس العربي