إن هذه المساعدة ستستفز التدخل العسكري السوفييتي... كان لدينا الفرصة لإعطاء الاتحاد السوفييتي حرب فيتنام خاصة به- زبيغنيو بريجنسكي، مستشار للأمن القومين لكارتر.
خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع ترامب بستارمر في زيارته الأخيرة لبريطانيا، وقف رئيس الوزراء البريطاني بوجه متجهّم ونبرة حاسمة قائلاً: «
حماس منظمة إرهابية، ولا مكان لها في أي حكومة فلسطينية مستقبلية.»
مال ترامب نحوه وربّت على كتفه مبتسمًا قائلاً: «هذا جيد.» وفي تلك اللحظة كانت عدسات الكاميرات تومض لتوثّق المشهد.
وأقول أنا، بكل وضوح وثقة، إن الخط الفاصل بين
الإرهابي والمقاوم ليس سوى نكتة سمجة؛ مجرّد تصنيف يطلقه الغرب وفق ما تمليه مصالحه. فبينما يُصرّون على تصوير حماس كجماعة إرهابية شيطانية، نجدهم في المقابل قد سلّحوا وموّلوا منظمات أخرى منحوها وصف «تحررية». إن الحقيقة الأكيدة أنّ هذا
التصنيف لا يمتّ إلى القيم ولا إلى الأخلاق ولا إلى الدين أو الأيديولوجيا بصلة، بل هو أداة مصلحية بحتة، تُستغل لتحقيق أهداف مرحلية.
لننظر إلى بعض الأمثلة:
أتذكّر تمامًا حركة تحرير كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي، التي سعت إلى إنشاء دولة ألبانية مستقلة. لم تكن حركة إسلامية بل قومية انفصالية بحتة، وكانت مدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية. غير أنّ الولايات المتحدة، حين احتاجت إلى قوات برية لمساندة حلف الناتو في مواجهة ميلوسيفيتش، حوّلت هؤلاء «الإرهابيين» بين ليلة وضحاها إلى «شركاء».
وفي نيكاراغوا، سقط عام 1979 نظام سوموزا، الديكتاتور المدعوم من واشنطن، إثر ثورة قادتها جبهة الساندينيستا الماركسية التي شرعت بتنفيذ إصلاحات اجتماعية أقلقت الأميركيين. عندها سارعت واشنطن إلى تسليح ما عُرف بالـ»كونتراس» (أي: المعارضون)، خليط من جنود سابقين ورجال أعمال ومزارعين وجماعات يمينية متطرفة تضررت من سياسات الحكومة الجديدة. تولّت وكالة الاستخبارات الأميركية تدريبهم وتسليحهم في هندوراس بهدف زعزعة استقرار حكومة الساندينيستا، فارتكبوا جرائم شنيعة من حرق القرى وقتل المدنيين. وفي 1984، حظر الكونغرس الأميركي تمويلهم، لكن إدارة ريغان لجأت إلى بيع أسلحة لإيران واستخدام عائداتها لتمويلهم، فيما عُرف لاحقًا بفضيحة «إيران–كونترا»، إحدى أكبر الفضائح السياسية في تاريخ الولايات المتحدة.
ما دامت حماس اليوم تُهدّد مصالح الغرب، فسيبقى تصنيفها "إرهابية"
أما المثال الأبرز، فهو أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. فقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لدعم «المجاهدين» الأفغان في حربهم ضد السوفييت، في عملية عُرفت باسم الإعصار. آنذاك جُنّد آلاف الشباب المسلمين باسم «الجهاد»، وصُوِّرت لحاهم الكثّة على شاشات الإعلام بوصفهم أبطال «العالم الحر». غير أنّ هؤلاء الأبطال أنفسهم تحوّلوا لاحقًا، في نظر الغرب، إلى «إرهابيين».
والخطة ذاتها أُعيد تطبيقها في سوريا؛ إذ موّلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجماعات المسلحة لمواجهة النفوذ الإيراني وقطع الطريق الواصل من طهران إلى حزب الله. وهكذا تحوّلت القاعدة، مرة أخرى، من تنظيم مُصنّف كإرهابي إلى ما سُمّي بـ»معارضة» تتلقّى الدعم والسلاح. ومن هنا اندلعت حرب أهلية طاحنة.
لذلك، عزيزي القارئ، لا تُهدر وقتك في تتبّع تصريحات قادة الغرب ولا في الغوص في دهاليز التعقيدات السياسية والقانونية. فالأمر أبسط مما يُقال: ما دامت حماس اليوم تُهدّد مصالح الغرب، فسيبقى تصنيفها «إرهابية». أما إذا جاء يوم أصبحت فيه خادمة لأهدافهم، فقد ترى رئيسًا أميركيًا يمدّ يده إلى من يشبه محمد الضيف أو يحيى السنوار، وهو يربّت على كتفه بابتسامة!
الأمر بمنتهى البساطة.
القدس العربي