“لا أحد يستطيع أن يعرف كيف سيكون عليه
اليوم التالي في
غزة”… لعلَّها النتيجة ذاتها التي كان الغزاة يَصِلون إليها دائما بعد إتمام جريمتهم وعدوانهم ضد الشعوبِ
المقاومة. المأزق الذي يقعون فيه كل مرة ولا يستطيعون الخروج منه، يُدمِّرون الشعوب والقيادات والرموز على أمل تحقيق نصر حاسم، ثم سرعان ما يجدون أنفسهم أمام المجهول عندما يفشلون في ذلك، فيُصابون بعجز تام أمام لغز اليوم التالي، وماذا بعد جرائمهم؟
غالبا ما يلجأون إلى بحث عن العملاء كحل بديل، إلا أن هؤلاء لا يستطيعون الاستمرار طويلا لغياب الشرعية وإصرار المقاومة على التصدي لهم. حدث ذلك في أفغانستان وفي العراق وكانت النتيجة أن انتهى اليوم التالي بعودة المقاومة وهزيمة البدائل الأخرى. ويحدث اليوم في فلسطين مع أبو شباب ومَن على شاكلته أو مع من سيتم اقتراحهم الأيام المقبلة من قبل الأمريكيين تحت اسم هيئة دولية لحكم القطاع، أو هيئة عربية تحت وصاية دولية، أو ما شابه من بدائل غير شرعية… جميعها سَيلقى ذات المصير…
لو فككنا بديل الانتصار الصهيوني في غزة (اليوم التالي من منظور جيش الإبادة)، وقمنا بتقييمه لوجدناه بعيدا كل البعد عما كان يرغب فيه من هذا اليوم التالي. كانت الأهداف المُسَطَّرة 6 على الأقل: “تحرير الرهائن بالقوة، استسلام المقاومة وبالدرجة الأولي حماس، ازدياد الدعم الغربي للكيان، توسيع التطبيع العربي إلى دول أخرى، تفكيك السلطة الفلسطينية في رام الله، التّهجير الجماعي لسكان غزة”… فماذا تحقق منها؟ لا شيء! “لم يتم تحرير أية رهينة بالقوة العسكرية، لم تستسلم المقاومة، انهار الدعم الغربي للكيان مقارنة بما كان عليه غداة 7 أكتوبر 2023، لم يتوسع التطبيع العربي، بل ازدادت الشكوك والانتقادات له، لم تتفكك السلطة الفلسطينية، بل ازداد الدعم الغربي لها من خلال طرح حل الدولتين، قاوم الفلسطينيون سياسة التهجير وفضلوا الاستشهاد بأرضهم على النجاة بأنفسهم خارجها”…
الأهداف الست المُسطَّرة من قبل المقاومة لليوم التالي واضحة ومازالت تعمل لأجل تحقيقها من دون أن تفشل
في المقابل كانت الأهداف الست المُسطَّرة من قبل المقاومة لليوم التالي واضحة ومازالت تعمل لأجل تحقيقها من دون أن تفشل: تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية عن طريق الصفقات وقد تحقق منه لحد الآن جزء كبير، عزل الكيان دوليا وتحييد القوى الغربية الداعمة له ودعوتها لمراجعة مواقفها منه، وقد تحقق ذلك (باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي بقيت وحدها تستخدم حق الفيتو وتدعم الكيان عسكريا وسياسيا)، الدفع بدول التطبيع الغنية للمساهمة في إعادة الإعمار وهو ما حدث في القمة العربية الإسلامية مع الرئيس الأمريكي، سد الفجوة بين السلطة الفلسطينية وبقية الفصائل وهو ما واصلت المقاومة الدعوة إليه والعمل على تحقيقه، توسيع الثورة ضد المحتل لكل فلسطي وهو ما يؤكده استمرار العمليات ضد العدو في الضفة الغربية…”.
يدل هذا، خلافا لِما تُرَوِّج له الدعاية الصهيونية أن معركة طوفان الأقصى إنما تتجه نحو تحقيق أهدافها كما خطط لها مفجروها في اليوم التالي، في حين يغرق
الاحتلال وما بقي له من حلفاء في دوامة البحث عن صيغة لهذا اليوم المفقود.
وقد سَمَّى الباحث الأمريكي “كريستوفر كولندا” هذا الواقع بـ”النصر بمجموع صفري – في كتابه الذي يحمل هذا العنوان Zero-Sum Victory” What We’re Getting Wrong About War،( ما نُخطِئ فيه بشأن الحرب) الذي خصصه لتقييم تجربة الغزو الأمريكي لكل من العراق وأفغانستان، حيث أكد أن التدمير والتخريب والقتل والاحتلال وكل ما قامت به الآلة العسكرية الأمريكية لم يُحقِّق أي نصر للأمريكيين. وهو ما يتكرر اليوم لجيش الإبادة الصهيوني.
لا نتيجة سياسية أو عسكرية، لا داخلية ولا إقليمية ولا دولية لكل ما قام به ضد شعب أعزل ثار لِيطالب بحقوقه، بل العكس هو الذي تحقق: لم تعد القضية الفلسطينية قضية شعبها فحسب، بل قضية كل العالم، ولم يبق للكيان الصهيوني من نصير سوى مُتطرّفيه ومن والاهم، أما بقية العالم بما في ذلك النخب اليهودية في الغرب فقد باتت أصواتها ترتفع في كل مكان: الحرية لفلسطين بعد أن كادت تُنسي سنتين قبل اليوم.
ولعل هذه هي شفرة تفكيك طبيعة اليوم التالي لحرب الإبادة على غزة. Free Free Palestine
الشروق الجزائرية