ملفات وتقارير

مستقبل "الإخوان المسلمين" في سوريا.. هل تتجه الجماعة نحو الحل؟

"الإخوان المسلمين" تأسست في سوريا عام 1945- سانا
تزايدت خلال الشهور والأسابيع الماضية الدعوات إلى حل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، مع غياب الموقف الرسمي من الجماعة التي أعلنت دعمها القيادة الانتقالية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

وتأتي هذه الدعوات في وقت ينتظر فيه السوريون أول انتخابات لمجلس الشعب بعد سقوط نظام بشار الأسد - متوقعة في أيلول/ سبتمبر المقبل - على أن يُطرح أمام المجلس الجديد ملفات من بينها قانون لتنظيم الأحزاب.

وفي الوقت الذي لم تصدر فيه الحكومة السورية أو أي من مسؤوليها مواقف واضحة تجاه الإخوان المسلمين، عقدت الجماعة مؤتمرا لمجلس شوراها في السابع من آب/ أغسطس الجاري،  أكدت فيه على ثوابتها في وحدة سوريا أرضا وشعبا، مع تبيان الموقف من القيادة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

"الموقف من القيادة"
ولخص البيان الصادر عن مجلس الشورى الموقف من القيادة الجديدة بـ"موقف الداعم الناصح الأمين، الحريص على إنجاح عملية بناء الدولة المدنية الحديثة بمرجعية إسلامية، وأن الجماعة ستبقى دائماً تسدّد وتقارب، وتتلمس سدَّ الثغرات، إنجاحاً للثورة ومبادئها في بناء دولتنا الوليدة".

كما شددت الجماعة على أن "العدالة الانتقالية شرط واجب وأساس للسلم الأهلي والاستقرار المستدام في سورية، وهي وسيلة ناجعة لقطع الطريق على تجدّد النزاعات المسلحة".

وشددت على أن "الاستقرار يسهلُ نيله بإشراك جميع المكونات السوريّة بشكل فعّال في تنمية وبناء الدولة ضمن برنامج سياسي تعددي، وأنّ استشعار الأطراف السوريّة اليوم واطمئنانها أنّ الدولة – بعد المرحلة الانتقاليّة – تُبنى على أسُسٍ تشاركيّة تمثيليّة، وانتخابات نيابيّة تعدديّة حرّة، عاملٌ هامٌ في تثبيت الاستقرار".

وكان لافتا في بيان مجلس شورى الجماعة شكرها عدة دول على موقفها الداعم لسوريا، بينها السعودية التي تجرّم جماعة الإخوان المسلمين، ويُنظر إليها على أنها إلى جانب الإمارات تشكلان ورقة ضغط على دمشق لمنع عودة الجماعة.

لا حل.. ولا عودة قريبةمصدر مقرب من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، قال لـ"عربي21" إن خيار الحل غير مطروح، وهو ما أكد عليه بيان مجلس الشورى، والذي قال إن "الجماعة كانت وستبقى كما عهدها الشعب السوري جماعةً سوريّة وطنية، مستقلة بقرارها، تسير في نهجها الإسلامي الوسطي، الذي يهدف إلى بناء الإنسان السوري، والحفاظ على كرامته ومستقبله".

لكن المصدر ذكر أن خلافا طرأ في اجتماع مجلس الشورى، حول قرار العودة بشكل رسمي إلى سوريا، حيث لا تزال مكاتب الجماعة الرسمية خارج سوريا.

وبحسب المصدر، فإن نحو سبعة من قيادات الجماعة قدموا استقالاتهم، ومن أبرزهم ملهم الدروبي الذي أعلن ذلك في صفحته الرسمية عبر "فيسبوك"، دون ذكر الأسباب.

فيما نفى قيادي في الجماعة في حديث لعربي21 صحة مزاعم وجود خلافات داخل الجماعة, قائلا إن "الجميع مشغول في القضايا الداخلية والخارجية للبلاد, وهو الأهم".

وأوضح المصدر أن رسائل غير مباشرة وصلت إلى قيادة الجماعة من قبل القيادة السورية الجديدة، تفيد بأن مسألة فتح مكاتب رسمية للإخوان المسلمين في سوريا حاليا خيار غير مطروح، مع الترحيب بعودة قيادات وكوادر الجماعة إلى بلدهم بشكل فردي. فيما نفى القيادي بالإخوان صحة هذه الأنباء. 

المشهد غامض.. وتراجع للجميع

الكاتب الصحفي درويش خليفة، قال إن الإخوان بدأت منذ أسابيع بمراجعة موقعها السياسي والاجتماعي بعد أكثر من أربعة عقود على خروج معظم قياداتها من المشهد عقب أحداث حماة وحلب وجسر الشغور. وأضاف لـ"عربي21" أن "اليوم، مع سقوط نظام البعث وصعود قوة عسكرية ذات مرجعية دينية لم تكن يومًا جزءًا من المشهد السياسي التقليدي في سوريا، تبدو الساحة السياسية والاجتماعية غامضة وملتبسة بالنسبة لمختلف القوى، بما في ذلك الإخوان المسلمين".

وبحسب خليفة فإنه وبـ"رغم القرب الأيديولوجي بين الجماعة وهيئة تحرير الشام، وانخراط بعض الشخصيات المحسوبة عليها في وزارات أو إدارات محلية، إلا أن أوضاع الإخوان لا تختلف كثيرًا عن بقية الأحزاب والتيارات التي تعاني من تراجع الحضور والتأثير".

ولفت خليفة إلى أسباب أدت إلى ضعف الجماعة التي نشأت قبل نحو ثمانية عقود على أساس مشروع ديني–إسلامي عابر للحدود، قائلا إنها "لم تستطع التكيّف مع التحولات التي شهدتها المنطقة، ولم تنجح في إعادة تعريف دورها ضمن المتغيرات السورية الجديدة".

المقارنة مع الائتلاف
وحول تقديم الائتلاف السوري المعارض كنموذج لجسم سياسي حلّ نفسه عقب سقوط نظام بشار الأسد، قال درويش خليفة إنه "لا يمكن مقارنة الإخوان بالائتلاف أو حتى بالفصائل المسلحة التي تشكّلت لإسقاط النظام السابق"، مضيفا أن "التنظيم الإسلامي ظل متمسّكًا برؤية خاصة لم تستوعب كليًا منطق العمل السياسي السوري ولا تطوراته".

وزاد بأنه "إلى جانب ذلك، تشهد الجماعة انقسامات داخلية عميقة، أبرزها بين الكتلتين الحموية والحلبية، وهو ما أفضى إلى وصول مراقب عام من خارج هاتين الكتلتين في العقد ونصف الماضيين، بدءًا بمحمد وليد من "اللاذقية" لدورتين متتاليتين، ثم عامر البوسلامة من "دير الزور" في الدورة الحالية".

ولم يستبعد خليفة أن تلجأ الإخوان إلى قرار بحل الجماعة، منوها بأن ذلك لن يكون "خطوة استسلامية، بل كخيار تكتيكي يتيح لها الحصول على مكاسب سياسية من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع".

وأضاف "مع ذلك، فإن هذا القرار لن يكون بلا مقابل أو ضمانات، خاصة في ظل هشاشة الاستقرار السياسي والإداري في البلاد. ومن المرجح أن يتيح هذا المسار للجماعة فرصة لإعادة التموضع والاستمرار في العمل السياسي والاجتماعي بعد مسيرة امتدت لنحو ثمانين عامًا".

يشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تأسست عام 1945، وكانت لاعبًا رئيسيًا في الحياة السياسية والاجتماعية. وشاركت الجماعة في الحياة البرلمانية منذ 1947، وساهمت في صياغة دستور 1950.

وفي عام 1958، حلت الجماعة نفسها طوعًا دعمًا للوحدة السورية-المصرية، ورفضت لاحقًا التوقيع على وثيقة الانفصال، قائلة إنها تفضل المصلحة القومية. وخلال السبعينيات والثمانينيات، واجهت الجماعة قمعًا شديدًا من نظام حافظ الأسد، خاصة بعد أحداث حماة وحلب وجسر الشغور، مما أدى إلى تجريمها بموجب القانون 49/1980، وإعدام كل من يثبت انتسابه إليها، ما دفع قياداتها وكوادرها إلى الخروج للمنفى.

وكانت الجماعة داعمة للثورة السورية منذ انطلاقتها، إلا أنها لم تنجح بالمشاركة بشكل فاعل على الصعيدين السياسي والعسكري.