ملفات وتقارير

التقرير الأممي بشأن مجازر الساحل في سوريا.. براءة مشروطة للحكومة وانتظار لإجراءات العدالة

ارتياح سوري بعد تشابه نتائج تقريري دمشق والأمم المتحدة بشأن أحداث الساحل- عربي21
تنفست الحكومة السورية الصعداء بعد صدور تقرير "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا" التابعة للأمم المتحدة ، بشأن الانتهاكات التي ارتكبت في الساحل ومحافظتي حماة وحمص خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني/ يناير، وآذار / مارس الماضيين , والذي خلص إلى أنه "لا أدلة على خطة حكومية لارتكاب الجرائم في الساحل السوري".

طوال 6 أشهر تقريبا, كانت دمشق في قلق دائم من أن يطيح التقرير الأممي بطموحاتها باتجاه كسب ثقة المجتمع الدولي والانفتاح نحو العالم, عقب تعهدها ببناء سوريا على أسس توافقيه جديدة قاعدتها العدالة الاجتماعية, تحترم فيها جميع المكونات وتصان حقوق الإنسان بعيدا عن مفهوم الثأر والانتقام.

أطراف خارجية وظفت أحداث الساحل لإشعال "ثورة مضادة"
ومع انتشار مقاطع مصورة توثق الانتهاكات والفظائع في الساحل السوري عقب دخول قوات الأمن السورية واشتباكها مع الجماعات المسلحة هناك, والتي لم تقف عند صورة الأم المذهولة على مقتل أبنائها, حاولت أطراف خارجية توظيف الأحداث باتجاه شيطنة الإدارة السورية الجديدة بحسب مراقبين, وذلك للبدء وفق ما سمي بــ" الثورة المضادة"، عبر سلخ الساحل السوري، وتحويله فيما بعد إلى قاعدة ومنطلق للانقضاض على كامل البلاد وإعادة الزمن إلى الوراء تحت ذريعة "حماية الأقليات".


الحكومة السورية أدركت حجم الخطر آنذاك, فسارعت إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري يوم الـ8 من آذار / مارس , قاطعة الطريق أمام محاولات اتهامها بالتواطؤ مع ما جرى من جرائم, وهو ما ورد ذكره في تقرير لجنة التحقيق الدولية التي أشادت ضمنيًا بإجراءات رئيس الجمهورية أحمد الشرع.



تقرير فريق التحقيق الأممي الذي صدر الخميس 14 آب / أغسطس , ورغم ترحيب الخارجية السورية باستنتاجاته, رجح وقوع جرائم حرب خلال الأحداث من جانب قوات الحكومة السورية الجديدة من جهة, والمسلحين الموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد خلال أعمال عنف واسعة النطاق اندلعت في منطقة الساحل السوري، وبلغت ذروتها بسلسلة من عمليات القتل في آذار / مارس الماضي والتي أودت بحياة نحو 1400 شخص معظمهم من المدنيين.



تقرير لجنة التحقيق الدولية ينسجم مع نتائج اللجنة الوطنية المستقلة
وفي محاولة لإثبات الشفافية وتحمل المسؤولية, قال وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، إن ما ورد في تقرير لجنة التحقيق الدولية ينسجم مع ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة التي شكلها الرئيس أحمد الشرع بعد أيام من الأحداث العنيفة, متعهدًا الأخذ بعين الاعتبار ادعاءات الانتهاكات التي وردت في التقرير الأممي.

الشيباني أشاد بإقرار اللجنة منح دمشق فريقها الاستقصائي وصولا غير مسبوق ودون أي قيود لكل مكان ضمن عمليات التحقق في الساحل، فضلا عن الإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية في سبيل المساءلة بما يتوافق مع التزاماتها الدولية.


كما اعتبر الشيباني إشارة تقرير اللجنة الدولية إلى تورط فلول النظام بقيادة كبار الضباط العسكريين بتنفيذ الهجمات عبر ما يسمى "المجلس العسكري لتحرير سوريا", يدحض النتائج المتسرعة لبعض منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام، التي قوضت التحقيقات وأسهمت في نشر معلومات مضللة.


إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع يتطلب الاعتراف والمحاسبة
المتحدث الرسمي باسم لجنة التحقيق السورية في أحداث الساحل ياسر الفرحان قال إن هناك الكثير من النقاط المشتركة بين تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية وتقرير اللجنة الأممية وهذه سابقة لم تحدث قبل, مشيرا إلى أن مساءلة المتورطين في أحداث الساحل هي أولوية قصوى لدى الحكومة السورية وقد بدأت فعلا.

وفي تموز/ يوليو الماضي، أصدرت لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري تقريرها وسلمته إلى الرئيس أحمد الشرع، لافتة إلى أن الأحداث التي تشهدها المنطقة الجنوبية كانت سبباً في تأخير الإعلان عن تسليمه.


أما مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني , فقد حمل الحكومة في دمشق مسؤولية محاسبة المتورطين وتعويض الضحايا، والاعتراف العلني بما جرى من أجل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع في الساحل, خاصة بعد أن ورد في تقرير اللجنة الدولية بأن الانتهاكات ارتكبتها بقايا النظام السابق فضلا عن مجموعات مسلحة غير منضبطة انضمت إلى قوات الأمن التابعة للحكومة.

التقرير الأممي خطوة نحو تعزيز المساءلة والشفافية في سورية
الولايات المتحدة وألمانيا، رحبتا بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة ، معتبرتين أنه يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز المساءلة والشفافية في سورية.

و كتب المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك على منصة "أكس" قائلا:" إن تحقيق وحدة سوريا يتطلب السعي الدائم لتحقيق العدالة ، إلى جانب قدر من الصبر المتزن من المجتمع الدولي".


كما رحب القائم بأعمال السفارة الألمانية في سوريا كليمنس هاخ، بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة وأشاد بدعم الحكومة للتحقيق، ووصفه بأنه يوفّر صورة كاملة وشفافة عن الأحداث، مشيراً إلى أن سلطات توصلت في تحقيقها الخاص إلى نتائج مماثلة

وكانت أحداث العنف قد اندلعت بعد إرسال وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية لبسط السيطرة على مدينتي طرطوس واللاذقية ردًا على مقتل نحو 15 من عناصر الأمن السوري وإصابة آخرين جراء كمائن دامية تعرضوا لها في الـ6 من آذار/ مارس الماضي ، وصفتها السلطات بأنها هجمات منسقة تقف خلفها فلول النظام السابق, حيث استمرت العمليات الأمنية لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، تخللتها تجاوزات وانتهاكات عدة.


انطوت صفحة الساحل السوري , وانتهت مرحلة كانت ستسبب الصداع لدى دمشق, إلا أن المخاطر المحدقة ما زالت تطوف بدائرة سوريا الجديدة, خاصة فيما يتعلق بالسويداء و"قسد", وهو ما أقر به الوزير أسعد الشيباني من تعرض سوريا لتدخلات خارجية تسعى إلى إضعاف الدولة ودفع البلاد نحو فتن طائفية , قد لا تحمد عقباها أو تسلم الجرة كل مرة.

وأُنشئت لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا في 22 آب/ أغسطس 2011 بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة, حيث كلفت بالتحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة منذ آذار / مارس 2001 بعد أن استخدم نظام بشار الأسد المخلوع كل أساليب القوة المفرطة لقمع الثورة السورية.


وكلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة كذلك إثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى تلك الانتهاكات والخاصة بالجرائم المرتكبة، مع القيام، حيثما أمكن، بتحديد الجناة بهدف التأكد من مساءلة المسؤولين عن تلك الأفعال، بما في ذلك الانتهاكات التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية , ومدّد مجلس حقوق الإنسان ولاية اللجنة مراراً منذ إنشائها.

وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 , انهار نظام الأسد خلال هجوم واسع استغرق اثنا عشر يوما شنته قوات المعارضة وقادته هيئة تحرير الشام ، بدعم من الجيش الوطني السوري , إلا أن حجم التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق استوجبت تمديد لجنة التحقيق المستقلة.