بعد أقل من أسبوعين على اعتقال زعيم
أكبر أحزاب المعارضة في إقليم
كردستان، اعتقلت القوات الأمنية في مدينة
السليمانية، رئيس حزب "جبهة الشعب" لاهور شيخ جنكي، بعد صدامات مسلحة
عنيفة، على خلفية صدور مذكرة قبض بحقه بتهمة التآمر وزعزعة الأمن.
جاء ذلك بعد اعتقال زعيم حركة
"الجيل الجديد" شاسوار عبد الواحد، الذي يعد أكبر حزب معارض في مدينة
السليمانية التي يديرها حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بقيادة بافل
الطالباني، بعدما جرى اعتقاله مرتين في السابق، الأولى عام 2017، والثانية في 2019.
وبخصوص حقيقة ما إذا كانت هذه
الاعتقالات هي استهداف سياسي أم أنها جاءت لتطبيق القانون، قال الكاتب والمحلل
السياسي من إقليم كردستان
العراق، ياسين عزيز في حديث لـ"عربي21" إن
"ما حدث في السليمانية يُعد تصفية سياسية مغلفة بقضايا قانونية".
وأضاف عزيز أن "الموضوع يبقى ضمن
حسابات سياسية لتصفية أجواء السيطرة على مدينة يعتبرها الاتحاد الوطني الكردستاني
منطقة نفوذ له، لكن الآليات اختلفت في قضية شاسوار عبد الواحد مع لاهور شيخ جنكي،
وذلك لأن الأسباب مختلفة".
وأوضح المحلل أن "قضية رئيس حركة
(الجيل الجديد) تخص دعوى قضائية ضده من نائبة سابقة في برلمان إقليم كردستان
العراق (لم يكشف هويتها) تتعلق بتعرضها للتهديد بنشر صور خاصة. أما ما يخص لاهور
شيخ جنكي فهناك تهم أكبر لم يتم التحقق منها حتى الآن".
وأشار عزيز إلى أن "السلطات في
السليمانية تعاملت مع قضية لاهور شيخ جنكي بقوة مفرطة هددت الأمن والاستقرار في
المدينة، ويبدو أن هذه المسالة لن تمر بسهولة كما في قضية شاسوار عبد الواحد، حيث
ننتظر ردود فعل داخلية وخارجية".
وأكد الخبير السياسي أن "الأوضاع
في السليمانية مستقرة، ولا توجد مخاوف أمنية، ولم تستمر عملية إلقاء القبض على
لاهور شيخ جنكي سوى ساعات وعادت القوات التي انتشرت في محيط منطقة (لالة زار) إلى
مواقعها بعد فترة وجيزة".
وكان شيخ جنكي في الماضي مسؤولا كبيرا
في الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الكرديين التاريخيين بالإقليم والذي
يهيمن على السليمانية، قبل أن تنشأ خلافات بينه وبين ابنَي عمّه بافل وقُباد
طالباني وهما ابنا الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.
وكان المتحدث باسم "الجيل
الجديد" ريبوار أورحمن قد صرح، الأربعاء، عبر منصة "أكس" أن اعتقال
زعيم الحركة ساشوار عبد الواحد، "قضية سياسية بامتياز ولا تمتّ للقانون
بصلة"، وأن الأخير رفض الإفراج عنه بكفالة رغم قانونية ذلك.
وأكد أورحمن أن "الحديث عن الإبقاء
عليه رهن الاحتجاز لحين انتهاء الانتخابات القادمة، يكشف حجم الخوف والذعر الذي
تعيشه العائلتان الحاكمتان (الطالباني والبارزاني) من هذا القائد (شاسوار) ومن
الحراك الذي يزداد نفوذه مع كل انتخابات".
في انتخابات برلمان إقليم كردستان التي
جرت في تشرين الأول الماضي، حقق "الجيل الجديد" قفزة كبيرة، بعدما حلّ
ثالثا بحصوله على 15 مقعدا، بعد "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي جاء
في المرتبة الثانية بـ23 مقعدا، بينما تصدر "الحزب الديمقراطي" بـ39
مقعدا.
انعكاسات متوقعة
وعن تداعيات ما شهدته السليمانية، قال
فيصل غازي السكوتي رئيس "المركز العراقي" للدراسات الإستراتيجية، إن
"الديمقراطي الكردستاني ينظر للأحداث بقلق ودعا إلى التهدئة، لكن الواقع يشير
إلى أن ما حصل سيضعف شيخ جنكي، الذي كان خصما شرسا لهم، وقريبا من إيران و(بي
كاكا)".
وأكد السكوتي لـ"عربي21" أن
"صدامات السليمانية ستؤدي لإضعاف الاتحاد الوطني عبر صراع داخلي يجعله أقل
قدرة على التنافس السياسي في الإقليم. وهذا يمنح الديمقراطي الكردستاني فرصة مهمة
لتقديم نفسه أمام الداخل والخارج على أنه الحزب الأكثر استقرارا وانضباطا".
واستدرك الخبير السياسي العراقي، قائلا:
"لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني لا يريد انفجار
السليمانية إلى درجة تهدد استقرار كل كردستان العراق، لأنه يعتمد على صورة الإقليم
الآمن لجذب الاستثمارات وحماية علاقته بتركيا وأمريكا".
على صعيد آخر، يرى السكوتي أن
"موقف الاتحاد الوطني يبد أنه قد خرج أقوى بعد عملية اعتقال شيخ جنكي، لكنه
خسر سمعته السياسية أمام الشارع الكردي لاتهامه بالتصفيات الدموية لخصومه بدل
الحوار؛ كذلك خسر قدرة حزبه على ادعاء الوحدة الداخلية، لأن نصف الشارع في
السليمانية يعتقد أن ما حصل تصفية سياسية".
وشدد السكوتي على أن "الاتحاد
الوطني يحتاج الآن إلى تهدئة داخلية؛ ودعم إقليمي (إيراني) أو تسوية مع الحزب
الديمقراطي الكردستاني، وذلك من أجل تثبيت نفسه كزعيم شرعي".
ورأى الخبير العراقي أن "أن الحزب
الديمقراطي سيحاول استثمار ضعف الاتحاد الوطني لفرض شروط أقوى في أي تسوية قادمة
حول الانتخابات الكردية وملف رئاسة الإقليم؛ وسيكون الأخير في موقع تفاوضي أضعف
بكثير مما كان قبل اعتقال شيخ جنكي".
ولم يستبعد السكوتي "سيناريو
التفكك الكامل" بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد
الوطني)، لأنه إذا انفجرت السليمانية بانتفاضة أو مقاومة أنصار لاهور، سيعمق الشرخ
داخل الاتحاد، ويستغله الديمقراطي لتعزيز "الانقسام الجغرافي" بين أربيل
والسليمانية.
كما لم يستبعد السكوتي "سيناريو
التدويل"، وهو أن تضغط كل من واشنطن وأنقرة لتوحيد الصف الكردي عبر تقارب
البارزاني– الطالباني، خصوصا لمنع إيران من استخدام لاهور شيخ جنكي كورقة ضغط على
الحزبين الكرديين في إقليم كردستان العراق.
وخلص رئيس "المركز العراقي"
إلى أن أزمة السليمانية تعطي البارزاني أفضلية استراتيجية، بينما تجعل الطالباني
في موقع دفاعي. لكن إذا بالغ الديمقراطي في استثمار ضعف الاتحاد، قد يدفع ذلك
الأخير أكثر نحو إيران، مما يعيد الإقليم إلى مرحلة "الاستقطاب الثنائي"
بدل بناء وحدة داخلية.