كشف نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ونائب
الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين،
علي فيصل، أن "الجديد في مسار
المفاوضات يتمثل في مسعى الوسطاء المصريين والقطريين للانتقال
مباشرة إلى محادثات حول صفقة شاملة تنهي حرب الإبادة المستمرة، حيث تُجرى اتصالات مكثفة
وضغوط كبيرة للحيلولة دون تنفيذ المخطط الصهيوني المتعلق بمدينة
غزة".
وأضاف فيصل، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هذه الجهود
تجري في الوقت الراهن بالتوازي مع مقترح الهدنة لمدة ستين يوما، الذي أعلنت فصائل المقاومة
الفلسطينية قبل أيام موافقتها عليه، في وقت تواصل فيه
إسرائيل مناوراتها واستعداداتها
العسكرية لاحتلال مدينة غزة، معتمدة على فرض شروطها بالقوة، وهي شروط يرفضها الطرف
الفلسطيني بشكل قاطع".
ولفت نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، إلى أن "هناك معلومات تشير
إلى نشاط دبلوماسي مكثف يقوم به الوسطاء مع مختلف الأطراف
المعنية، في محاولة للضغط على إسرائيل للالتزام بالمقترحات المطروحة، وبما يفتح الباب
أمام تسوية شاملة توقف العدوان".
وأكد فيصل أن "نتنياهو يتعمّد التأخير في الرد على المقترح
الحالي أملا في فرض واقع جديد يجبر المقاومة والوسطاء على التراجع عن مواقفهم، وربما
يسعى كذلك إلى إدخال تعديلات تنسف المقترح الذي وافقنا عليه وتستبدله بمقترحات أخرى،
وهذا من شأنه أن يطيل أمد المعركة والحرب والمعاناة"، لافتا إلى أن إسرائيل
تتجه نحو رفض المقترح الجديد.
وذكر أن "هناك صيغا متعددة لإدارة غزة في اليوم التالي، أولها تشكيل
حكومة وفاق وطني جرى الاتفاق عليها في بكين من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة، وتشكّل
رابطا بين الضفة وغزة. وهناك أيضا صيغة لجنة الإسناد المجتمعي، وهي المرجحة، وتتكون
من شخصيات وطنية متوافق عليها وبعلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية"، مستدركا:
"لكننا نرفض بالمطلق أي صيغة لإدارة محلية مرجعيتها الاحتلال الإسرائيلي، أو أي
صيغة لوصاية دولية، وخاصة أمريكية".
وتاليا نص المقابلة الخاصة
مع "عربي21":
كيف تنظرون لإعلان جيش
الاحتلال الإسرائيلي بدء المرحلة الأولى من خطة احتلال مدينة غزة بالكامل في عملية
عسكرية تحمل اسم "عربات جدعون 2"؟
نحن نقول بوضوح: هذه الحرب التي تُشن
على مدينة غزة، والتي تستهدف احتلالها والسيطرة عليها، تقع في صميم العدوان الذي
تشنه دولة الاحتلال منذ معركة "طوفان الأقصى" وحتى هذه اللحظة، ظنا منها
أنها بقوة الحديد والنار والقتل والتجويع تستطيع كسر إرادة المقاومة والشعب
الفلسطيني، وأنها قادرة على فرض التهجير خارج قطاع غزة إلى سيناء، وهو أمر مرفوض
فلسطينيا ومرفوض مصريا، لأنه يمس الأمن القومي المصري والعربي، ويمس مصير الشعب
الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
نتنياهو يهدف إلى ضرب الكيانية
الوجودية للشعب الفلسطيني وللمقاومة والسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ولتصفية أي
إطار يبرز الكيانية الوطنية الفلسطينية لكنه ينتقل من مأزق إلى آخر؛ فمنذ 23 شهرا
لم يستطع أن يحقق أهداف غزواته العسكرية: لا حرّر أسراه، ولا نزع سلاح المقاومة،
ولا سيطر على القطاع، ولا هجّر سكانه، ولا كسر إرادة حتى أطفال غزة رغم حرب
التجويع، ولا تمكن من استكمال مشروع إسرائيل التوراتية الكبرى عبر توسيع الاستيطان
وضم الضفة.
هذه الغزوة الجديدة أيضا لم ولن تحقق
أهدافها، لأن المقاومة والشعب الفلسطيني قد حسموا خيارهم بالصمود والمواجهة حتى
كسر العدوان، رغم جسامة الخسائر والتضحيات: 62 ألف شهيد، و162 ألف جريح، وأكثر من
20 ألف مفقود، ودمار 90% من قطاع غزة، وتدمير كل مقومات الحياة باستثناء إرادة
الحياة لدى شعبنا.
عملية "جدعون 2" ليست إلا
تكرارا لفشل سابق يلاحق الاحتلال، كما حدث مع "جدعون 1"؛ إذ إن الرهان
على القوة العسكرية وحدها أثبت عجزه في كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو إضعاف
مقاومته. هذه المغامرة العسكرية ستعمّق مأزق نتنياهو وجيشه، وتكشف تخبط حكومة
الفاشية التي تبحث عن إنجاز وهمي للهروب من أزماتها الداخلية.
يهدف نتنياهو بهذه العملية إلى: تخليص
الأسرى الإسرائيليين، والسيطرة والاحتلال، ونزع سلاح المقاوم وتصفيتها، وإنشاء
إدارة مدنية بمرجعية إسرائيلية.
وذلك رغم موافقة المقاومة الفلسطينية
ومنظمة التحرير الفلسطينية على مقترحات الوسطاء في مصر وقطر بشأن وقف إطلاق النار
لمدة 60 يوما، وإدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني لكسر
حرب الإبادة وحرب التجويع.
هل عملية "عربات جدعون
2" تعد استهتارا بجهود الوسطاء وتُهدّد نجاح المفاوضات خاصة في ظل تجاهل
نتنياهو لمقترح الوسطاء؟
بالتأكيد. هذه العملية العسكرية
العدوانية الجديدة تقطع الطريق على الوسطاء وعلى المفاوضات والمقترح المُقدم، وهي
تستهدف استمرار حرب الإبادة وحرب التجويع، وتهدد أمن وشعوب المنطقة بأكملها؛ إذ
تمثل نقطة ارتكاز لمشروع "إسرائيل الكبرى" وإعادة الهيمنة
الأمريكية–الإسرائيلية في المنطقة. ونحن نؤكد للعالم أجمع أن حكومة الإرهاب والفاشية في تل أبيب تقطع الطريق أمام
تطبيق مقترح الوسطاء لوقف إطلاق النار، وتُمعن في حرب الإبادة والتجويع بلا رحمة
أو هوادة.
كما تكشف هذه العملية زيف الادعاءات
الأمريكية بأنها معنية بوقف العدوان وتقديم ضمانات من أجل ذلك، بينما هي في
الحقيقة الداعم الأول والشريك الأساسي للعدوان منذ معركة "طوفان الأقصى"
وحتى الآن. نحن نتمسك بمقترحات الوسطاء حرصا على دماء شعبنا وإنهاء المجاعة التي
أعلنت الأمم المتحدة رسميا دخول قطاع غزة في مرحلتها الكاملة.
وإعلان المجاعة في غزة ليس مجرد توصيف
لوضع إنساني كارثي، بل هو شهادة إدانة موثقة على جبين الطغمة الفاشية الاستعمارية
في أمريكا وإسرائيل. إن تجويع أكثر من مليوني إنسان وحرمانهم من الغذاء والدواء
يشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار لن تُمحى من ذاكرة التاريخ، ودليل على
انحدار المنظومة الدولية أمام آلة الإبادة والحصار.
ونتنياهو لا يسعى من وراء إطالة أمد
الحرب سوى إلى إنعاش حياته السياسية المتهالكة، وإطالة عمر حكومته الغارقة في
أزماتها الداخلية؛ فهو يهرب إلى الأمام عبر إشعال مزيد من الدماء والدمار، متجنبا
مواجهة ملفات الفساد التي تلاحقه، وفشل سياساته الأمنية والعسكرية. إن استمرار
العدوان بالنسبة له ليس خيارا استراتيجيا فحسب، بل محاولة يائسة للهروب من سقوطه
المحتوم.
ندرك جيدا أن قرار الحرب على غزة،
واستمرار العدوان والإبادة والتجويع، ليس بيد حكومة الاحتلال وحدها، بل هو قرار
أمريكي بامتياز، يعكس انحياز واشنطن الكامل لآلة القتل الإسرائيلية. لذلك فإن
مسؤولية العالم الحر مضاعفة، وعليه أن يضغط بقوة على إدارة ترامب لوقف هذه
الجرائم، وإجبار الاحتلال على إنهاء حربه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.
نحن ندعو العالم وأحراره، ومعهم
الأشقاء العرب، إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية والأخلاقية بالضغط الجاد لمحاكمة
إسرائيل أمام المحاكم الدولية، والعمل على سحب الاعتراف بها وعزلها سياسيا
ودبلوماسيا واقتصاديا، كونها تُمثل نموذجا صارخا لدولة مارقة تقوم على جرائم الحرب
والتطهير العرقي والتمييز العنصري، وتشكّل تهديدا خطيرا ودائما للسلم والأمن
الدوليين.
ما الذي وصلت إليه مفاوضات
وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى حتى الآن؟
حتى الآن لم يقدم نتنياهو أي رد رسمي،
ولم يرسل فريقه المفاوض إلى قطر، بل أعلن بوضوح استمرار عمليته العسكرية، أي أن
رده جاء ميدانيا عبر العدوان، وهو يريد استكمال هجومه لتحقيق أهدافه، وعلى رأسها
إطلاق سراح أسراه وتصفية المقاومة، لكنه واهم للغاية؛ لأنه سيدخل في حرب استنزاف
كبيرة تؤدي إلى خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية هائلة، فضلا عن خسائر سياسية
ودبلوماسية تزيد من عزلة إسرائيل ومحاصرتها دوليا، مع دفع نحو محاكمة قادتها أمام
الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
نتنياهو لا يريد أي مفاوضات، بل
بعقلية الغطرسة يسعى لفرض شروطه بالقوة الغاشمة وفرض الاستسلام على الشعب
الفلسطيني، وقدّم أمثلة من اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وكذلك من
مدينة دريسدن، لكننا نؤكد أننا حركة تحرر لشعب يعاني الاحتلال والاستعمار الكولونيالي
ويمارس حقه المشروع بمقاومة الاحتلال والاستعمار والمكفول في الأعراف والمواثيق
الدولية، وهي معركة أجيال متواصلة حتى كسر شوكة الاحتلال وإنهائه.
هناك جبهة تحرر عالمي انطلقت من رئة
غزة، تتنفس هواء نقيا في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكي–الإسرائيلي، وفي مواجهة
حرب الإبادة والتطهير العرقي، وفي مواجهة قيام "إسرائيل الكبرى" بضم
الضفة وغزة وجزء من جنوب لبنان والأردن وسيناء والعراق وصولا إلى السعودية.
وهناك أكثر من 600 مسؤول أمني
إسرائيلي وجّهوا رسالة صريحة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يطالبونه فيها
بالضغط لوقف الحرب، في انسجام مع أصوات أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين يرون أن
استمرار العدوان يفاقم أزمتهم. وإلى جانب ذلك، تكشف استطلاعات الرأي أن أكثر من
70% من الرأي العام الإسرائيلي يرفضون إطالة أمد الحرب، ويدعون إلى البحث عن مخرج سياسي
يحفظ ما تبقى من أمنهم الداخلي. هذا الموقف الداخلي يتقاطع مع تحركات دولية رسمية
وشعبية واسعة، تشمل حكومات ومنظمات حقوقية ومؤسسات قانونية دولية، جميعها تطالب
بوقف الإبادة والتجويع بحق الشعب الفلسطيني، وتدعو إلى مسار عادل يضع حدا للجرائم
الإسرائيلية المتواصلة.
لماذا تأخر الرد الإسرائيلي
برأيكم؟
الأمر واضح؛ إسرائيل تريد فرض شروطها
بمزيد من القوة والنار، معتبرة أن قبول المقاومة بمقترحات الوسطاء نقطة ضعف، وهذا
غير صحيح بالمرة. لذلك تسعى عبر التصعيد العسكري لفرض الاستسلام على المقاومة
والشعب الفلسطيني، كما تتوهم. لكنها مخطئة للغاية، لأن ذلك سيقودها إلى حرب
استنزاف كبيرة، وقد يعرّض حتى أسراها لخطر القتل بنيران طيرانها وغاراتها.
هل تعتقدون أن إسرائيل
سترفض مقترح الوسطاء؟
أعتقد ذلك، وتصريحات نتنياهو واضحة
بأنه سيواصل العملية العسكرية ويقتحم مدينة غزة ومخيماتها، ويفرض حكما مدنيا
بمرجعية الاحتلال. وبعض قادة الاحتلال بدأوا يتحدثون عن إعادة الاستيطان وإقامة
مناطق عازلة في شمال وشرق وجنوب القطاع. لذا يتأخر نتنياهو ليحقق ضربات عسكرية
مؤلمة يظن أنها ستفرض على المقاومة شروطا جديدة، لكن النتيجة ستكون مزيدا من
العزلة الدولية والغضب الشعبي العالمي.
نتنياهو يتعمّد التأخير في الرد أملا
في فرض واقع جديد يجبر المقاومة والوسطاء على التراجع عن مواقفهم، وربما يسعى كذلك
إلى إدخال تعديلات تنسف المقترح الحالي الذي وافقنا عليه وتستبدله بمقترحات أخرى،
وهذا من شأنه أن يطيل أمد المعركة والحرب والمعاناة. غير أن ذلك، في المقابل،
سيزيد من نقمة المجتمع الدولي، ويعزز من تحركات شعوب المنطقة والعالم، ويضاعف من
إدانات المؤسسات الدولية القانونية ومؤسسات حقوق الإنسان. وفي نهاية المطاف، نحن
واثقون أن كل هذه المساعي والتحركات الخبيثة مصيرها الفشل المحتوم.
لكن هل من الممكن أن ترضخ
المقاومة الفلسطينية لهذه التحركات العسكرية الإسرائيلية؟
لا أعتقد ذلك مطلقا؛ فالمقاومة كانت
إيجابية ومرنة عندما قبلت بمقترحات الوسطاء، والوسطاء بدورهم أكدوا أن هذا هو أفضل
حل متاح لإنهاء الحرب ووقف الإبادة ووقف التجويع. أما الاحتلال فلن يجد منا إلا
الصمود والبسالة والثبات في جميع الميادين.
هل هناك ضمانات قُدّمت
للفصائل الفلسطينية تتعلق بإلزام إسرائيل باستمرار التفاوض خلال الستين يوما إذا
ما تم إبرام هذا الاتفاق؟
لقد أكد الوسطاء ضرورة إجراء مفاوضات
خلال تلك الفترة لإنهاء العدوان كليا، لكن الضمانات الحقيقية والأساسية تبقى بيد
الولايات المتحدة التي ما زالت تناور حتى الآن ولم تقدّم أي التزام جاد، لا شفهيا
ولا خطيا. والواقع أن واشنطن تخفي مشروعا استعماريا خطيرا لإعادة رسم خارطة
المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل والغرب الأطلسي.
والجديد في مسار المفاوضات يتمثل في
مسعى الوسطاء للانتقال مباشرة إلى محادثات حول صفقة شاملة تنهي حرب الإبادة
المستمرة، حيث تُجرى اتصالات مكثفة وضغوط كبيرة للحيلولة دون تنفيذ المخطط
الصهيوني المتعلق بمدينة غزة. هذه الجهود تأتي بالتوازي مع مقترح الهدنة لمدة ستين
يوما، الذي أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية موافقتها عليه. وفي المقابل، تواصل
إسرائيل مناوراتها واستعداداتها العسكرية لاحتلال مدينة غزة، معولة على فرض شروطها
بالقوة، وهي شروط يرفضها الطرف الفلسطيني رفضا قاطعا. وتشير المعلومات المتاحة إلى
نشاط دبلوماسي مكثف من الوسطاء المصريين والقطريين في محاولة لإقناع جميع الأطراف بالضغط على إسرائيل
للالتزام بالمقترحات المطروحة، بما
يفتح الباب أمام تسوية شاملة توقف العدوان.
كيف استقبلتم مصادقة
إسرائيل على البناء بالمنطقة "E1" في الضفة
الغربية؟
هذا يأتي ضمن مخطط الضم والحسم الذي
وضعته حكومة التطرف اليميني منذ لحظة قيامها، والذي يدعو إلى توسيع دائرة
الاستيطان في الضفة الفلسطينية وفي الأغوار، والمضي في مزيد من تهويد مدينة القدس.
الاحتلال الإسرائيلي يعمل بخطة ممنهجة لتحويل الضفة الغربية إلى معازل مقطّعة
الأوصال، وبانتوستانات محاصرة تشبه السجون الكبرى، في محاولة لخنق الوجود
الفلسطيني وحرمانه من حقه في الحياة الحرة. ومع هذا، يواصل استباحة المقدسات
الإسلامية والمسيحية على حد سواء، كما يحدث في منطقة "E1" والمسجد الأقصى
والكنائس، في تحدٍ صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية.
الكيان الصهيوني وضع الفلسطيني أمام ثلاثة خيارات: إما القبول بالاستيطان
والعيش كعبيد، أو الترحيل إلى خارج الضفة الغربية نحو الأردن في سياق ما يُسمّى
"الوطن البديل"، أو المضي في المشروع الجاري استكماله اليوم عبر حرب الإبادة
المستمرة في قطاع غزة، بهدف تهجير أبنائه إلى خارجها نحو سيناء. هذا يشكّل خطرا جسيما
ليس فقط على الحقوق الوطنية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني، بل أيضا على التركيبة
الديموغرافية في الأردن، وعلى الأمن القومي المصري. وهو أمر مرفوض فلسطينيا بشكل قاطع،
حيث نواجهه ونقاومه بكل السبل.
والآن يجري الإعداد لتطبيق هذا المخطط من خلال حشد القوات لاحتلال مدينة
غزة ومنطقة الوسط، ودفع السكان نحو جنوب القطاع، في محاولة للتأثير على البيئة الحاضنة
للمقاومة وضرب صمود الشعب الفلسطيني وتماسكه، ودفعه نحو التهجير القسري إلى خارج غزة
أو القبول بخيار إبادة غزة والضفة الفلسطينية.
نحن نثمّن المواقف الدولية التي أدانت
مشاريع الاستيطان في منطقة E1، باعتبارها خطوة خطيرة تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية وعزل
القدس عن محيطها الفلسطيني. لكن هذه الإدانات، رغم أهميتها، تبقى غير كافية ما لم
تُترجم إلى إجراءات عملية ورادعة توقف هذا المخطط الاستعماري، وتلزم الاحتلال بوقف
انتهاكاته الممنهجة للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.
في الذكرى الـ 56 لجريمة
إحراق المسجد الأقصى، كيف تنظرون للجرائم الإسرائيلية الراهنة ضد الأقصى المبارك؟
هناك محاولات إسرائيلية تاريخية
متواصلة لتهويد الأماكن المقدسة، وعلى رأسها المسجد الأقصى. نحن نعيش تداعيات ذكرى
الحريق الذي وقع عام 1969، والذي كان محاولة لتدمير القيم الدينية والإنسانية
للشعب الفلسطيني. واليوم نشهد اقتحامات متكررة يقوم بها المستوطنون المتطرفون
أسبوعيا، في مسعى لفرض التقسيم الزماني والمكاني، والسيطرة على المسجد تحت ذرائع
دينية مرتبطة بما يسمونه "هيكل سليمان".
لكن الجوهر الحقيقي هو المشروع
الاستيطاني التوسعي الذي يستهدف القدس والمسجد الأقصى ومحيطهما، عبر ضم الكتل
الاستيطانية الكبرى لبناء ما يسمى "القدس الكبرى" وتحويلها إلى مدينة
يهودية، وفق قانون "القومية اليهودية" الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل،
وهذا يتقاطع مع ما يسمى "صفقة القرن" حين أعلن ترامب الاعتراف بالقدس
عاصمة للدولة اليهودية.
المسجد الأقصى سيبقى عصيّا على
محاولات التهويد والتقسيم، لأنه ليس مجرد بناء حجري، بل رمز لعقيدة وهوية وحق
تاريخي متجذّر في وجدان الأمة. وإن سعار بن غفير وسياسات الاحتلال العدوانية لن
تفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي قدّم التضحيات جيلا بعد جيل دفاعا عن
الأرض والمقدسات، ليؤكد أن الأقصى خط أحمر لا يُمس.
وإغراق الضفة الغربية بالمستوطنات
والمستوطنين ليس سوى محاولة يائسة لفرض وقائع على الأرض وتغيير هوية المكان، لكن
هذه السياسات لن تنجح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو ثنيه عن مسار كفاحه.
فالنضال من أجل الحرية مستمر، والهدف واضح: إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية
المستقلة، وعاصمتها القدس، مهما طال الزمن أو اشتدّت التضحيات.
إذن، القضية في جوهرها جزء من المشروع
الصهيوني الاستعماري التوسعي في القدس والضفة، لقطع الطريق على قيام الدولة
الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وهكذا قالها نتنياهو وبن غفير بوضوح،
ويمارسونها يوميا. حتى مسؤولون أمريكيون، مثل رئيس مجلس النواب، اقتحموا الحرم
الإبراهيمي وزاروا المستوطنات تكريسا لسياسة التهويد.
لذلك، نحن في الضفة الغربية كشعب
فلسطيني نواجه كل هذه المحاولات، ونتمسك بأرضنا وبالقدس كعاصمة دولتنا، وندعو
المجتمع الدولي إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وتمكين شعبنا من إقامة
دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس، مع ضمان
حق عودة اللاجئين مهما طال الزمن.
كيف يمكن للفصائل والقوى
الفلسطينية أن توحّد استراتيجيتها لمواجهة مخطط نتنياهو وحكومته الرامي لتصفية
القضية الفلسطينية؟
إن نتنياهو وحكومة التطرف الفاشي يسعيان إلى تصفية الوجود الفلسطيني برمّته،
من خلال استهداف الشعب ومقاومته، وتقويض كل مكوّنات الكيانية الوطنية، بما في ذلك منظمة
التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية. ويهدف هذا المخطط الخطير إلى محو الهوية الوطنية
وفرض الإملاءات الصهيونية بالقوة، الأمر الذي يستدعي من جميع القوى والفصائل والقيادات
الفلسطينية التوحّد خلف استراتيجية وطنية شاملة لإسقاط هذا المشروع والحفاظ على حقوق
شعبنا التاريخية.
كما يقتضي ذلك العمل على تطبيق مخرجات الحوارات الوطنية الفلسطينية، وآخرها
إعلان بكين الذي دعا إلى تشكيل حكومة وفاق وطني بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية،
إلى جانب تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي في عامي 2018 و2022، بما يضمن
تحقيق الشراكة الوطنية على كافة المستويات. وهذا يتطلب فتح حوار وطني شامل لوضع آلية
عملية وملزمة لتطبيق تلك المخرجات والقرارات، بما يعزز وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة
المخاطر المحدقة بقضيتنا وأمتنا.
في ظل الجدل الكبير حول
"اليوم التالي للحرب"، ما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل قطاع غزة؟
هناك صيغ متعددة لإدارة غزة في اليوم
التالي أولها تشكيل حكومة وفاق وطني اُتفق عليها في العاصمة الصينية بكين من
شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة الوطنية وبمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية
وتشكّل رابطا ما بين الضفة وغزة.
وهناك صيغة لجنة الإسناد المجتمعي وهي
المرجحة، والتي تتشكل أيضا من شخصيات وطنية متوافق عليها وبعلاقة مع منظمة التحرير
الفلسطينية أو أي صيغة فلسطينية جامعة وبدعم عربي وخاصة مع الأشقاء في مصر، لكن
نحن بالمطلق نرفض أي صيغة لإدارة محلية مرجعيتها الاحتلال الاسرائيلي أو أي صيغة
لوصاية دولية وخاصة أمريكية.