علّمتنا بعض دروس الحياة أنّ أقدار الدول لا
تختلف عن أقدار البشر، فهنالك دول لا تَعرف الحروب والمجاعات والخوف، إلا نادرا،
وهنالك دول لا تَعرف السلام والشبع والأمان، إلا نادرا، وهكذا أحوال ملايين الناس!
والدول المحظوظة بقيادات ناضجة لا تعاني من
المعضلات، وربّما، تواجهها بعض المشاكل البسيطة، وهذا الأمر ممكن ومتوقّع!
بينما الدول المغضوب عليها بقيادات هزيلة
تعاني من معضلات قاهرة، وهذه نتيجة متوقّعة للسياسات الهزيلة، وسياسة وضع الرجل
الهزيل في مكان القويّ، والخائن في مكان الرجل الأمين، والعبثيّ في مكان الرجل
الدقيق، وهكذا حال غالبيّة المناصب الحسّاسة والدقيقة والمفصليّة، وهكذا هو حال
العراق منذ عقود!
العراق يفتقر للسلم المجتمعيّ، والحرّيّة، والعدالة الاجتماعيّة، والشفافيّة، ويعاني من ارتفاع منسوب المحسوبيّة، والحزبيّة، وهذه جميعها معاول لهدم الوطن!
والمعضلات المتناميّة ينبغي أن يَتصدّى لها
الأوفياء لتقليل آثارها وتحجيمها قدر الإمكان، ومنهم غالبيّة الساسة الأصفياء،
والعلماء الأتقياء، والنخب المجتمعيّة، والصحفيّين، والإعلاميّين، والكتّاب
المعروفين بحبّهم للوطن والناس!
ونحاول هنا الوقوف عند دور الكتّاب
والصحفيّين وذلك لأهمّيّته، ونتساءل: هل الكاتب الصحفيّ مُطالب بتقديم الحلول
لجميع ما يَتطرّق له من إشكاليّات وظروف وأحوال سلبيّة؟
هنالك مَن يقول بأنّ الكاتب ليس مُطالبا
بالحلول، وهنالك مَن يقول هو مطالب بأن يَذكر الحلول لإتمام الفائدة ولو بعبارات
بسيطة، دون أن يذهب لتفاصليها الدقيقة في جميع مقالاته، وهذا
الرأي هو الأدقّ
والأسلم!
وهنالك عدّة طرق لطرح الحلول منها المباشرة،
التي يتناول فيها الكاتب المشكلة ويطرح العلاج مباشرة معها!
أمّا غير المباشرة فتتمثّل بوصف الحالة
السلبيّة، وتسليط الضوء عليها للوعي بحقيقتها وآثارها الآنيّة والمستقبليّة؛ وهكذا
فإنّ الكاتب الذي يُحدّد المعضلة ويُحدّد زمانها ومكانها وشخصوها فهو يسعى لعلاجها
وترميم الخلل!
والحلّ ليس بالضرورة أن يكون تفصيليّا، بل
ربّما تكفي الإشارة ببضع كلمات، وربّما، طرح التساؤلات التي تدفع الناس للتفكير
وفهم الواقع، والوعي؛ والسعي، بالمحصّلة، للتغيير!
والكاتب الذي يُناحر "السلطات
العليلة" لا يسعى للشهرة والثراء، بل هو شمعة تحترق في سبيل الوطن والناس!
وقد يكون الكاتب في ظروف معيّنة بحاجة
للتلميح، وليس التصريح؛ وذلك تبعا لظروفه الخاصّة القاهرة وغير الظاهرة للقارئ!
وكم من كاتب كان ضَحيّة لقلمه وفكره، وضيّع
حياته وحرّيّته سعيا لتحقيق العدالة الاجتماعيّة، والتلاحم الإنسانيّ، والتراحم
المجتمعيّ!
وممّا يُفترض بالكُتّاب تناوله هو أنّ
الدولة العراقيّة تعاني اليوم من فقدان التوازن بالإدارة العامّة، واتخاذ القرارات
وبالذات المفصليّة منها، ورغم أنّ السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة
منفصلة، إلا أنّ الواقع يؤكّد بأنّ غالبيّتها تعاني من سطوّة الشخصيّات والكيانات
المالكة للأدوات الصلبة!
وبموجب التجارب السابقة فإنّ معضلة العراق
الكبرى تتمثّل بالسلاح خارج إطار القوّات المسلّحة الرسميّة!
ويمكن نزع هذا السلاح، كما ذكرنا مرارا،
بموجب فتوى المرجع الشيعيّ "علي السيستاني" وكما شُكّل الحشد الشعبيّ
بفتوى فيُمكن حلّه بفتوى، وإلا فيجب على السلطة التنفيذيّة أن تُنهي أيّ مظاهر
مسلّحة خارج إطار القانون، وبالأدوات الفاعلة!
ومع هذه المعطيات المتداخلة فإنّ البلاد قد
تذهب لمراحل قاتمة، ولهذا وجدنا أنّ وزير الخارجيّة العراقيّ الأسبق هوشيار زيباري
قد جدّد، يوم 10/8/2025، قوله بأنّ "العراق مقبل على تصعيد خطير في أيلول
نتيجة التوتّرات الإقليميّة والدوليّة"، وربّما، تقود "لتأجيل
الانتخابات البرلمانيّة"، وأنّ "واشنطن تُهدّد داعمي قانون الحشد
بالعقوبات"!
وقالت السفارة الأمريكيّة ببغداد بأنّ قانون
الحشد "سيؤسّس لنفوذ إيرانيّ، ويقوّي الجماعات الإرهابيّة؛ ممّا يُهدّد سيادة
العراق"!
وحذّر السفير البريطانيّ ببغداد، عرفان
صديق، يوم 8/8/2025، من إقرار القانون، وأكّد بأنّ" الحشد انتهت مهمّته بدحر
داعش"!
تتزامن هذه التطوّرات مع بداية انسحاب القوّات الأمريكيّة، منذ أمس الخميس، من العراق باتّجاه الكويت وإقليم كردستان، وسط تسريبات "خاصّة" عن زيارة مرتقبة لمسؤول "غربيّ بارز جدا" إلى الإقليم دون المرور ببغداد!
فيما هدّد "هادي العامري" زعيم
منظّمة بدر "بدخول البرلمان بعد أيّام بزيّ الحشد لإقرار قانونه"!
وهنالك تصريحات لنوّاب عراقيّين أكّدت
انزعاج واشنطن من قانون الحشد، واعتبرته عملا عدائيّا ضدّها، وربّما، سيقع العراق،
لاحقا، تحت سطوة العقوبات الأمريكيّة!
وسط هذه الصراعات كشف السياسيّ "ليث
كبة" بأنّ "الأيّام القادمة ستكون ضاغطة على النظام السياسيّ العراقيّ،
والتحوّل حتميّ، وعلينا الاستعداد"!
وقال النائب يوسف الكلابي، الاثنين الماضي:
هنالك "جهات خارجيّة درّبت شبابًا وسلّحتهم لمظاهرات مسلّحة، وللاغتيالات،
والانقلاب"!
وتتزامن هذه التطوّرات مع بداية انسحاب
القوّات الأمريكيّة، منذ أمس الخميس، من العراق باتّجاه الكويت وإقليم كردستان،
وسط تسريبات "خاصّة" عن زيارة مرتقبة لمسؤول "غربيّ بارز جدا"
إلى الإقليم دون المرور ببغداد!
فهل أيلول هو شهر تصفية الحسابات في العراق؟
مَن يُريد أن يُنهي مأساة العراق عليه أن
يُشخّص الإشكاليات، وألّا يتلاعب بالواقع، والألفاظ، وعقول الناس!
شَخّصوا الواقع بلا رُتوش، وبَيّنوا للناس
بأنّ الجماعات المسلّحة ليست ضعيفة، وتتحكّم بغالبيّة مفاصل الدولة، وأنّ غالبيّة
أفراد الجيش والشرطة يتحاشون الاحتكاك بها خوفا وحذرا!
واكْشفوا للناس أنّ بعض المحافظات مُغلقة
للأحزاب الحاكمة، يتلاعبون بأهلها ومواردها وفقا لمصالحهم الحزبيّة والعائليّة!
العراق يفتقر للسلم المجتمعيّ، والحرّيّة،
والعدالة الاجتماعيّة، والشفافيّة، ويعاني من ارتفاع منسوب المحسوبيّة، والحزبيّة،
وهذه جميعها معاول لهدم الوطن!
وهكذا حينما تظهر الحقائق للناس يمكن أن
تكون بداية الإصلاح والترميم، ولكنّ السؤال الأبرز وسط هذه المتاهة المعقّدة مَنْ
سيقود "البوصلة الوطنيّة" للتأهيل والتجديد؟
dr_jasemj67@