قضايا وآراء

مُعْضلات انتخابية عراقية!

"بدأت صفقات شراء البطاقات الانتخابيّة وبيعها، وضمان الولاءات بالولائم والأموال"- جيتي
يُقصد بالانتخابات العمليّة الرسميّة التي يختار فيها الناخبون (الشعب) مَن يُمثّلهم في مجالس النوّاب والمجالس المحلّيّة، وهنالك دول يختار فيها الناخبون بالتصويت المباشر رئيس الجمهوريّة والوزراء.

ومنذ العام 2003 جرت في العراق 6 دورات انتخابيّة، الأولى نهاية كانون الثاني/ يناير 2005، والأخيرة في 10 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021.

ومع اقتراب الانتخابات البرلمانيّة المقبلة يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بدأت الصراعات السياسيّة والمنافسات السقيمة بين الكيانات والأحزاب والشخصيّات الفاعلة والهامشيّة.

وقبل أن نتحدّث عن بعض القضايا المتعلّقة بالانتخابات المقبلة، نقف عند الفرضيّة الأبرز، وهي: هل الانتخابات المقبلة ستجري بموعدها المحدّد أم لا؟ صراحة، لا يمكن الجزم بأيّ من الاحتمالين، ولكنّ المعطيات الأوّليّة تُشير إلى احتماليّة فشل أو تأجيل الانتخابات، وبالذات بعد تهديدات بنيامين نتنياهو للمليشيات والفصائل المسلّحة العراقيّة من على المنبر الدوليّ في كلمته بالدورة 80 للأمم المتّحدة يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2025.

هل الانتخابات المقبلة ستجري بموعدها المحدّد أم لا؟ صراحة، لا يمكن الجزم بأيّ من الاحتمالين، ولكنّ المعطيات الأوّليّة تُشير إلى احتماليّة فشل أو تأجيل الانتخابات، وبالذات بعد تهديدات بنيامين نتنياهو للمليشيات والفصائل المسلّحة العراقيّة

وبعد ساعات من تهديدات نتنياهو باشرت قيادات الفصائل بترتيب التدابير الوقائيّة لتلافي أو تقليل آثار أيّ ضربة "إسرائيليّة" محتملة، وأخلت مواقعها الرئيسة، وسحبت الهواتف النّقّالة من قادتها ومساعديهم! ويقال بأنّ تلك التدابير شملت غالبيّة القيادات السياسيّة والعسكريّة للإطار التنسيقيّ "الشيعيّ"، ومن بينهم نوري المالكي، وهادي العامري، وقيس الخزعلي وغيرهم!

ويبدو أنّ القوى العسكريّة "الشيعيّة" متخوّفة من لقاء نتنياهو بالرئيس دونالد ترامب بعد خطابه في الجمعيّة العامّة، ويتوقّعون بأنّه يسعى للحصول على "ضوء أخضر أمريكيّ لبدء الهجمات على الفصائل العراقيّة واغتيال قادتها"، وربّما "التنسيق مع الأمريكيّين للقيام بذلك"!

وبهذا الخصوص أكّد النائب عدنان الزرفي، محافظ النجف السابق والمقرّب من البيت الأبيض، يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2025 أنّ واشنطن أرسلت رسائل لبغداد تقضي بمنع "جميع الأحزاب المسلّحة من المشاركة في الانتخابات المقبلة"! وهكذا أرجح أنّ الانتخابات قد تلغى أو تؤجّل.

- التيّار الصدريّ والانتخابات:

مَن يقرأ منشور "وزير القائد" محمد صالح العراقيّ" الذي يُمثّل مقتدى الصدر، المالك الأبرز للشارع الشيعيّ، والمنشور بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر 2025، يجد فيه بعض الغموض.

فمن باب يُؤكّد بأنّهم مقاطعون للانتخابات القادمة، ثمّ يقول لجمهوره إن قِيل: "لماذا أنتم مُقاطعون؟".. "قولوا: كيف نُعطي أصواتنا لمَنْ تقول تسريباته بأنّه يُريد قتلنا؟!". ومن باب يقول: "البديل الحقيقيّ للمقاطعة، هو تبديل الوجوه الحاليّة، والإصلاح الشامل"! ثمّ يقول: "مَنْ كان له برنامج وطنيّ بلا تبعيّة، ولا مليشيات فسنُعطي له صوتنا"!

ثمّ يوم الثلاثاء الماضي خرج أتباع الصدر بمظاهرات أمام بوّابة المنطقة الخضراء المحصّنة، ثمّ أمرهم الصدر بالتوقف! وبهذا فموقف الصدر يَحتمل المشاركة الجماهيريّة وعدمها!

- السوداني والولاية الثانية:

لم يكن رئيس حكومة بغداد محمد شياع السوداني من المؤهّلين أصلا بالانتخابات الماضية لتولّي رئاسة الحكومة، ولكنّ حالة الانغلاق السياسيّ بعد انتخابات 2021 دفعت الإطار التنسيقيّ، الذي يستحوذ على أكثر المقاعد البرلمانيّة، للبحث عن بدائل يمكن التوافق عليها، وهكذا، وبعد تسعة أشهر من الانتخابات، اختاروا السوداني لتشكيل الحكومة.

ورغم أنّ السوداني حاول النأي بنفسه عن إيران والفصائل المسلّحة، ولو بظاهر الأمر، وكذلك ركّز على بعض المشاريع الاقتصاديّة والخدميّة ومكافحة الفساد وغيرها من الفعّاليّات، لكنّ الإطار التنسيقيّ اعتبره قد خرج من عباءته، وأنّه يُثقّف لنفسه، وسيُنافسه انتخابيّا!

ولا ننسى فشل السوداني في التقارب مع الصدريّين، وبالتالي أرى أنّ حظوظه بولاية ثانية ضعيفة، وبالذات بعد فشله في تمثيل العراق بجلسة الأمم المتّحدة الأخيرة.

- المشاركة الشعبيّة:

لقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الماضية، وفقا لتسريبات خاصّة، أقلّ من 11 في المئة، بينما تقول الحكومة إنّها أكثر من 20 في المئة، وأرى أنّ المشاركة في الانتخابات القادمة لا تتجاوز نسبتها 20 في المئة، وبالنتيجة سيبقى 80 في المئة من العراقيّين يرفضون الانتخابات ويشكّكون بجدواها!

صارت الانتخابات بالنسبة لغالبيّة الأحزاب والمرشّحين فرصة ذهبيّة ورسميّة للفوز بالمكاسب والمناصب والمكاتب والأموال الطائلة بعيدا عن الجمهور المُغَرّر به، والذين ينتهي دورهم بنهاية الانتخابات

ويبدو أنّ التناحر بدأ مبكّرا وواضحا مع "معركة الكراسي" التي وقعت في الموصل يوم 27 أيلول/ سبتمبر 2025؛ بين أنصار حزب محمد الحلبوسي وأنصار محافظ نينوى السابق نجم الجبوري. وأيضا انطلقت حروب تمزيق الصور وملصقات المرشّحين، وهذه قمّة الهمجية الديمقراطيّة والسياسيّة، وجميعها مؤشّرات مُرْعبة ونأمل أن تُحَجَّم وإلا ستقود إلى مناحرات عشائريّة ومناطقيّة!

ومع موسم الانتخابات بدأت صفقات شراء البطاقات الانتخابيّة وبيعها، وضمان الولاءات بالولائم والأموال، وهي جميعها أموال الناس! فكيف يَشترون أصوات الناخبين بالمال العامّ (أموال الشعب)، والجمهور لا يَكترث؟!

ويبقى السؤال الأهمّ: متى يتعلّم الناخِب أهمّيّة صوته، وأنّ الساسة هم الذين يحتاجون لأصوات الناخبين وليس العكس؟!

وهكذا صارت الانتخابات بالنسبة لغالبيّة الأحزاب والمرشّحين فرصة ذهبيّة ورسميّة للفوز بالمكاسب والمناصب والمكاتب والأموال الطائلة بعيدا عن الجمهور المُغَرّر به، والذين ينتهي دورهم بنهاية الانتخابات. فعن أيّ ديمقراطيّة يتحدّثون؟!

وأخيرا، قد يشهد العراق قريبا بعض الأحداث المفاجئة، التي ستقلب المشهد العامّ وتذهب بالبلاد لحكومة طوارئ!

إنّ التحرّر من التبعيّة الأجنبيّة، والالتفات لهموم الوطن والناس؛ من أهمّ مُقوّمات نجاح أيّ حزب وشخصيّة سياسيّة!

العراق لن يصل لمرحلة بناء الدولة إلا بالوعي الشعبيّ السليم والدقيق، وبخلاف ذلك ستستمرّ هذه المآسي سواء بالانتخابات أم بدونها!

x.com/dr_jasemj67